الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا قرر السوق الدولي حول سورية؟

علاء الدين الخطيب

2014 / 1 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


تسارعت الأحداث في الشهور الأخيرة حول سوريا تسارعا يمكن ربطه بطريقة ما بمؤتمر جنيف2. لكن بنفس الوقت من السذاجة الاستسلام لفكرة أن هذا المؤتمر هو "بيضة القبان" الوحيدة التي ستقلب كل شيء. زيارتان لرجل النظام السعودي الأقوى بندر بن سلطان لموسكو خلال الشهور الأخيرة أحيطتا بالسرية والغموض مع بعض الحكايا الخيالية إعلاميا. الغرب يوقع اتفاقا مبدئيا مع النظام الإيراني لتبطيء الأبحاث النووية الإيرانية. الإعلان عن 3 بلايين دولار مساعدات سعودية عسكرية للجيش اللبناني. صراع قطري سعودي في المعارضة السورية تجلى في المجلس والائتلاف وفق مسطرة حضور جنيف2. تبييض إعلامي مقصود لجبهة النصرة من خلال زعيمها "الغامض" واحتشاد إعلامي مفاجيء من كل الأطراف بمهاجمة داعش (كبش الفداء بالصراع المسلح في سوريا). عودة النظام السوري لاستراتيجية حرق الأرض من خلال أسلحة بدائية غير مكلفة هي براميل الموت في حلب وريف دمشق، بالإضافة للعودة لملاحقة الناشطين المدنيين واعتقالهم.
من أكبر الأخطاء -المتعمدة أو الساذجة- بناء رأي أو اتخاذ موقف على مجريات اللحظة السياسية في الصراع الدولي الأزلي. وأيضا من أكبر الأخطاء خاصة بالقرن 21 تضييق النظرة لمساحة بلد أو إقليم مثل سورية ضمن منطقة غرب آسيا لبناء رؤية استراتيجية للمستقبل. هذه الأحداث يجب ربطها مع التاريخ القريب على الأقل، ومع تموجات صراعات السوق العالمي ككل.
من المعروف أن بندر بن سلطان هو رجل أمريكا المدلل في النظام السعودي وبنفس الوقت هو في نظام أثبت دهاءً كبيرا في الاستمرار في حكم أغنى بلاد العالم بالنفط لما يزيد عن 80 سنة بقبضة من حديد. كما أن كل إحداثيات الصراع القاسي بين روسيا والصين من جهة ضد المعسكر الغربي من جهة ثانية تؤكد أن إيران هي أهم حليف للبلدين ضمن هذا الصراع خصوصا بعد استقرار تقسيم النفوذ في أوروبة الشرقية بين روسيا والغرب. والنظام الإيراني بدوره متمسك للعظم بهذا الحلف الاستراتيجي لأنه يعلم أنه أقوى ضمن هذا الحلف مع عملاقيين صاعدين أكثر من أن يكون حليفا اتكاليا مع المعسكر الغربي، خاصة أن تاريخ تحالفات الغرب السياسية مليئة بانقلابات غربية سريعة. فتنشيط العلاقة الروسية السعودية لا يمكن أن يكون على حساب الحلف الأمريكي السعودي الممتد منذ 80 سنة، كذلك لا يمكن لروسيا أن تبيع حليفها الاستراتيجي الإيراني مقابل بضعة بلايين من الدولارات من نظام سعودي مخترق من قبل الإدارة الأمريكية.
لقد انتهى عصر التحالفات المغلقة مع نهاية الحرب الباردة، بمعنى أن تكون سوريا أيام حافظ الأسد محسوبة على المعسكر السوفيتي فبالتالي تكون مغلقة الأبواب أمام المعسكر الغربي أو العكس بحلف السعودية مع الغرب. اللعبة الدولية توصلت لقناعة أن العلاقات الدولية والتحالفات لا يجوز أن تغلق الأنفاق الخلفية بين الدول وخاصة ذات التأثير الجوهري على الوضع الدولي. فتقرب إيران من أمريكا والسعودية من روسيا لا يعني انقلابا دراماتيكيا في لعبة الصراع الدولي الدامية بل هو مجرد وسائل إضافية للتحكم ببؤر الصراع وبالتالي التحكم بانتشارها وتأثيرها. هذا الصراع توصل لأعلى درجات الحكمة "أنت قوي، وأنا قوي. فلنتصارع لكن لا نكرر خطأ نمرود الجبار (عليّ وعلى أعدائي)، بقاء المعبد-السوق هو أساس قوة كلينا".
ضمن هذا "الصراع الذكي" تقع مأساة الشعب السوري. مأساة شعب تتقاذفه مصالح حيتان السوق العالمي ذات اليمين وذات الشمال، وبنفس الوقت تريد التحكم بأزمته وعدواها كي لا تنتشر فوق الحدود المسموح بها. هذه الحدود ترسمها أساسا قوة كلا الطرفين المتحكمين بالصراع من خلال تحكمها بالمال والسلاح والإعلام. النظام الغربي يصارع النظام الروسي الصيني الصاعد، السلطان السعودي يصارع السلطان الإيراني، كل هؤلاء لا يستطيعون -وهم يدركون ذلك- هزيمة الطرف المقابل بالضربة القاضية. إنها حرب يمكن تسميتها بدقة "حرب استنزاف" طويلة المدى يمارسها كل الأطراف، ولسوء حظ الشعب السوري أنه وقع بين الاثنين وبموقع اليتيم على مائدة اللئام.
تم تقسيم الشعب السوري لفسطاطين كما يقول أمراء الإسلاموية التكفيريون. فسطاط خارج الأرض السورية هزمه الإعلام والمنهج الاستسهالي في التفكير والعمل فغرقت غالبيته في نيران التطرف والتعصب الطائفي والقومي والسياسي وحتى الشخصاني، وولّد هذا الفسطاط بالتالي غالبية من وجوه المعارضة السياسية الإعلامية تسير في ماكينة الصراع باستسلام كامل لأوامر السوق. وفسطاط داخل الأرض السورية لم يستطع الإعلام تحويله لقبائل بدائية تمارس القتل الطائفي والعرقي لأنه يدرك بالممارسة اليومية أن مشكلته ومأساته ليست مع جاره السني أو العلوي أو المسيحي. لكن تم إجبار هذا الفسطاط على أن يعيش تحت رحمة سلاح أمراء حرب من جهة النظام وحلفائه الإيرانيين وبين سلاح أمراء حرب إسلامويين مموّلين تشاركيا من قبل كلا المعسكرين المتصارعين على سوريا. فسطاط الداخل -للأسف- نسيَه الجميع بمن فيهم السوريين المسيطرين على صناعة الرأي العام من إعلاميين وكتاب ومشاهير، فتم اختصار 20 مليون سوري في قبيلتين: قبيلة شبيحة النظام والنظام السوري، وقبيلة الفصائل الإسلاموية المتطرفة وقاداتها الميدانيين والتنظيريين مثل داعش والنصرة ولواء التوحيد والجبهة الاسلامية. هذا الاختصار الجائر التهديمي سهّل ويسّر مهمة صراع الشياطين على سورية بين المعسكرات العالمية، فاختار النظام السوري بإرادته أحد المعسكرين، بينما تم حشر وإجبار الشعب السوري على المعسكر الآخر من خلال الإعلام أولا ثم المال والسلاح.
طريق إنقاذ مستقبل سورية كوطن طريق طويل، لكنه بالتأكيد لا يمكن أن يمرّ ضمن ما يسمونه "الواقعية السياسية" بمعنى الانحياز المطلق الأعمى لأحد خنادق السوق العالمي. فهذه ليست واقعية بل مقامرة بمصير وطن عمره 10000 سنة اعتمادا على بعض المصافحات والابتسامات والصور الملونة، أو هي كما يصيح بعض من أعماهم الغضب ورغبة الانتقام -ونفهم مبررها الشعوري الفردي- "إذا كان لإحراق نيرون لا بد من حرق روما، فسنحرقها". لسورية طريق أول أساسي مضمون لكنه مهمل ومتروك وهو طريق ال23 مليون سوري أصحاب المصلحة الوحيدة بسورية وطنا موحدا مستقلا آمنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فليحترق الطغاة
ماجدة منصور ( 2014 / 1 / 5 - 01:44 )
لا يمكن أن يكون هناك حل و الطاغية-ابن المقبور-ما زال يسمي نفسه رئيسا لسوريا
لا يمكن أن يتفاوض كائن من كان مع قاتل و مشرد شعبا بأكمله
لا يمكن أن يكون حلا طالما بقيت هذه العائلة الدموية الكريهه--أقصد عائلة المقبور حافظ الجحش-تعيش و تحكم سوريا
فعلا...سوف تحترق سوريا..فقط من أجل إحراق هذا الوريث الأهبل
فعلا وصل الحال بالسوريين أن يقولوا: عليّ و على أعدائي يا رب
فليحترق الطغاة في جحيم الأرض السورية
لأنه لم و لن يوجد حاكم يستطيع الإنتصار على شعبه..لا في التاريخ القديم ولا التاريخ الحديث
و ليذهب الطغاة الى الجحيم فنحن في سوريا ندفع ثمن حرية شعوب العالم
لك احترامي


2 - لو كان الحرق يكفي
علاء الدين الخطيب ( 2014 / 1 / 5 - 02:52 )
شكرا لك اخت ماجدة
لكن عرض المشكلة في هذا المقال وغيره مما نشرت يقول وفق تحليل موضوعي وعلمي ان حرق بشار الاسد كرئيس لنظام القمع الدموي لن ينهي المشكلة ولن ينهي الماساة...
المشكلة في سورية هي صراع دولي متوحش، عرف النظام السوري كيف يلعب معه وكيف يستغلع لصالحه وعرف معسكر الغرب الخليج وتركيا كيف يجهض الثورة من داخلها من خلال الاعلام والمال والسلاح ومشاهير المعارضة
اما ان خيار الشعب السوري هو حرق البلد لحرق نيرون... فلا يمكن ان اجرؤ او اسمح لنفسي الكلام باسم 23 مليون سوري بهذا الشكل.... خاصة اني خارج سورية وامن على حياتي
بسورية 8 ملايين طفل لا حق لاحد ان يقرر لهم -الشهادة-
انقاذ سورية هو فقط وفقط بالتوعية والحوار الشعبي الوطني الواعي والاعلام النظيف
تحياتي لك وشكرا لمرورك الكريم


3 - حتى الشيطان
ماجدة منصور ( 2014 / 1 / 5 - 07:28 )
توقع من اليائس كل شيئا أستاذ علاء.0
نحن في سوريا قد يئسنا من هذا الوضع المتأزم
فقد وصل الحال بأختي الكبرى أنها تذهب يوميا الى أماكن تتوقع عصابة الوريث الأهبل سترميها بالبراميل المتفجرة و قد حاولت أن أفهم منها هذا التصرف الغريب فكان ردها أنها تتمنى الموت على أن تبقى في حالة إنتظار لبراميل لا تعرف متى ستنفجر!!!!0
إننا نعيش حالة رعب لا يمكن لبشر أن يتخيلها حتى بات أكث الناس يعتقدون أن الموت رحمة لهم.0
أخي مختفي و لا نعرف هل هو على قيد الحياة أم مات؟؟و إذا مات فأين جثته؟؟؟
حتى دفن جثث موتانا قد أصبح حلما لنا بعيد المنال
نحن لم و لن نمسك السلاح يوما فلماذا يصر هذا الوريث الفاجر على معاقبتنا بهذا الشكل؟؟
لقد تركنا هذا الوريث و من قبله (المقبور السيئ الذكر) يتحكم في رقابنا و مصير حياتنا لمدة 43 سنة !!فهل هذا جزاؤنا؟؟ أن نقصف و نقتل بأوسخ الوسائل و بطريقة يستحي منها التتر و المغول و القرباط و النور...هذا الهمجي و عائلته النجسة هو من أرذل خلق الله على الإطلاق.0
حتى الشيطان ..يتوارى خجلا من هذا الإرهابي الدموي.0
يا أستاذ...أيادينا في النار و جثث شهداؤنا من الطرفين لا يمكن لنا استحماله أكثر.0)

اخر الافلام

.. بعد الجامعات الأميركية.. عدوى التظاهرات تنتقل إلى باريس |#غر


.. لبنان وإسرائيل.. ورقة فرنسية للتهدئة |#غرفة_الأخبار




.. الجامعات التركية تنضم ا?لى الحراك الطلابي العالمي تضامنا مع


.. إسرائيل تستهدف منزلا سكنيا بمخيم البريج وسط قطاع غزة




.. غزة.. ماذا بعد؟ | جماعة أنصار الله تعلن أنها ستستهدف كل السف