الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأزق الحركات القومية التقليدية أم مأزق البورجوازية الصغيرة

محمد محسن عامر

2014 / 1 / 4
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


في غياهب هذيان صدمة سقوط جدار برلين و انهيار الإتحاد السفياتي طرح السؤال من جديد بأكثر إلحاح حول قدرة اليسار على التغير , و لكن هذه المرة السؤال لم يكن أبدا من معسكر الأعداء التقليدين للمشروع التحرري بل كان هذا الصوت الذي بدأ خافتا إلى أن على و أصبح أكثر وضوحا و عجرفة من قلاع الماركسية المؤسسية ذاتها بعد نهاية موسم البكاء المأتمي على سقوط حامي "شعوب العالم المضطهد" الإتحاد السفياتي إلى حدّ أنتجت "يقينية معكوسة"( أسمح لنفسي استعارة هذا المصطلح من المفكر سلامة كيلة" حول فشل اليسار و نهاية المشروع الثوري التحرري في العالم و أصبح شعار" عالم أخر ممكن" شعارا يزداد خجلا يوما بعد يوم . ينضاف لهذا الواقع أزمة الاحزاب الماركسية العربية(وليس هذا مجال بحثنا الأن) و عجزها على طرح نفسها بديلا سياسيا مناضا للمشاريع البورجوازية المهيمنة و تتراجع احزاب قومية في زمن استنقاع إقليمي رهيب إلى مواقع إقليمية مكشوفة و تحركها مازقيا من داخل النظام الإقليمي العربي . في خضم ذلك كلّه تتداعى أنظمة إقليمية عربية "راديكالية " في المشرق و يتحرّك فكر "قوماويّ" تقليدي فيركب موجة الدعم الدعائي الأجوف و تبريرا غبيّا لنظام إقليميّ معبّر عن عجز البورجوازية الصغيرة عن قيادة حركة التحرر الوطني و تموقعها في إطار مأزقيّ تجاوز مرحلة الحزب الإقليمي ذو الإمتداد العربي إلى مرحلة "قومجة" أزمتها الطبقية الخانقة في إطار إعادة إنتاج نظام بورجوازي كولونيالي مرتبط بالمراكز الٍراسمالية .لمذا عجزت الحركات القومية التقليدية على قيادة حركة التحرر الوطني و على تدمير علاقات الإنتاج القائمة أي تحقيق الهدف السياسي الملح الوحدة العربية و تحقيق الثورة الإشتراكية ؟ لمذا ارتدّت الحركة القومية المهيمنة على السلطة أنظمة شمولية مستبدة ؟ أي أي تموقع طبقي للبورجوازية الصغيرة في حركة التحرر الوطني ؟

يفرض مجرا بحثنا هذا العودة إلى نصوص ماركس المؤسسة لكي نتّخذ لأنفسنا طريقا ندّعي بإصرار أنه علمي , يقول ماركس في البيان الشيوعي"و الطبقات الوسطى - الصناعي الصغير و التاجر الصغير و الحِرفيّ الصغير و الفلاّح الصغير - كلها تحارب البرجوازية للحفاظ على وجودها كطبقات وسطى من التلاشي. فهي إذن ليست ثورية بل مُحافظة، و فضلا عن ذلك، إنها رجعية تسعى إلى جعل عَجَلة التاريخ ترجع القهقرى. و إذا وقع لها أن تكون ثوريّة فذلك نظرا إلى انتقالها الوشيك الوقوع، إلى البروليتاريا، و هي بذلك لا تدافع عن مصالحها الراهنة، بل عن مصالحها المقبلة، فتتخلى عن موقعها الخاص، لتَتَبنّى وجهة نظر البروليتاريا ."* هذا المقطع الذي ورد مكثّفا يبيّن بوضوح كيف تتحرك البورجوازية الصغيرة داخل حقول الصراع الطبقي , إذ أن صراع البورجوازية الصغيرة ضد الطبقة المسيطرة لا يهدف في كل الاحوال إلى استبدال علاقات الإنتاج القائمة بل أن خوض هذا الصراع هدفه كما بيّن ماركس إصلاح عيب في بنية علاقات الإنتاج يسدّ امامها طريق الصعود إلى موقع السيطرة الطبقية . كانت نهاية الحرب العالمية الثانية السيادة النهائية لنمط الإنتاج الإمبريالي على العالم و بداية تراكم جديد لرأس المال, هذا التراكم لا يسمح مطلقا ببقاء أنماط إنتاج سابقة عنه على قيد الحياة و بالتالي استحالت معه أي إمكانية لنشوء بورجوازية عربية على الشاكلة الاوروبية و أنهى أي إمكانية لارتقائها إلى موقع السيطرة الطبقية في البلدان العربية, بل أكثر من ذلك تم ربط المستعمرات في إطار علاقات إنتاج تبعية للمراكز الرأسمالية و حضرت بديلا عن البورجوازية "الوطنية" بورجوازية كولونيالية مسكونة بأرواح أطياف بنى الماضي تعيش فيها و تحيها داخلها في حركة تناقض تأبّد حالة التخلف و التبعية .هكذا تشكلت البنى الإجتماعية تناقضيا في غطار نمط عالمي للإنتاج يربط المستعمرات به في حركة وحدة تناقضية تحي الأول بالثاني و تضمن ديمومة الثاني بالاوّل. في خضمّ هذا التحوّل نشأت الإشتراكيات البورجوازية في الوطن العربي نتيجة لتنامي العداء ضد الإستعمار و بداية تبلور معي طبقي "جنينيّ" لدى الطبقة العاملة العربية و كتعبير على تناقض تناحري يجعل البورجوازية الصغيرة أما خيارين إما خوض الصراع بلا هوادة من أجل الإرتقاء إلى موقع السيطرة الطبقية أو التراجع و "التأكل" نحو موقع الطبقة العاملة .من هنا نشا الفكر القومي فكرا بورجوازيا صغيرا لا طبقيا أي فكرا لا يقيم الحد المعرفي الفاصل بين طبقتين نقيضتين , الطبقة العاملة و بين الطبقة المسيطرة ,نجد هذا في فكر ميشيل عفلق و البيطار و انطوان سعادة و زريق و غيرهم "لمذا تخلّف العرب و تقدّم غيرهم؟" هكذا دوما كان يطرح السؤال عن طبيعة أزمة حركة التحرر الوطني لا طبقيا أي لا يقيم حدا طبقيا بين بين طبقتين نقيضتين يتحدد التغير بزوال إحداهما فيكون التغير من هذا المنطلق ليس تدمير لعلاقات إنتاج قائمة و و تفجير الثورة الإشتراكية بل يكون بالعودة إلى "عهد البطولة" , وجد الفكر القومي مادة خصبة لتأصيل نفسه في التراث الإسلامي هذا ما يفسّر مثلا أن يكون أبا ذرّ الغفاري "أبا الإشتراكيين" و كيف يضاف للتراث العربي ما ليس فيه طبقيا من إجل تأصيل نقاء متعالي عن الصراع الطبقي .لا نعتبر على أي حال ان ميشيل عفلق كان بصدد تصدير تضليل أيديولوجي إطلاقا بل كان ببساطة تأوّلا للواقع من موقع طبقي أمين هو موقع البورجوازية الصغيرة و فكرها .لهذا الفكر تبريره الطبقيّ إذ أنه تعبير عن خوف طبقي من توضيح طبيعة الصراع فكما سبق فهدف حركتها أي البورجوازية الصغيرة لا يستهدف علاقات الإنتاج القائمة بقدر ماهوغجراء "عملية تجميل" بما يتلائم مع مصالها الطبقية.نعود و نقول أن هذا التموقع الطبقي لفكر البورجوازية الصغيرة وجد تجسيده السياسي مع صعودها إلى موقع السيطرة الطبقية , هذا التوجّه "لإدابة الفروقات الطبقية" في الإتحاد الإشراكي في مصر مثلا أو في اعتبار إمكانية تعايش البورجوازية الطبقة العاملة سلميا في العراق كان الهدف منها" طمس هذا الحد الفاصل لإظهار سلطتها الطبقية بمظهر السلطة الإشتراكية, و ما الحد المعرفي الفاصل في نهايته سوى حدّ طبقي يفصل في تاريخ التحول الإشتراكي لبنية إجتماعية كولونيالية بين سياستين متمايزتين , سياسة طبقة تلجم التحول هذا و تمنعه بإعادة إنتاج العلاقات الكولونيالية و سياسة طبقية بروليتارية تحققه بكسر بنية العلاقات هذه, و كل طمس لهذا الحد الفاصل سواء أكان عن قصد أو عن غير قصد يسهم في عملية التضليل الأيديولوجي الذي تمارسه البورجوازية الصغيرة المسيطرة, أو الطبقة المسيطرة باسم البورجوازية الصغيرة في صراعها الطبقي من أجل تأبيد سيطرتها الطبقية..."*.
هذا ما جعل مفكّرا "ماركسيا وحدويا" مثلا كياسين الحافظ على إسهاماته المهمة حول معطى"الفوات التاريخي" يعجز على اكتشاف سبب عجز الحركة الناصرية مثلا في أن تصل "بالثورة" في مصر إلى أقصاها أي على القيام بمجمل المهما الوطنية المطروحة على حركة التحرر الوطني الهربية و حصره في "تقليدية" انضافت إلى تقليدية أداء "الطليعة الثورية" رافقت البنى الإجتماعية القائمة و ضلّ بذلك مجانبا لمفاتيح حل أسباب نكسة 1967 خارج إطار فهم تاريخي علمي يستوعب التمايز الطبقي بين الطبقة المسيطرة في مصر و مهامها و مهام حركة التحرر الوطني و حاملها الطبقي , لم يرى ياسين الحافظ في ازمة النظام الناصري صورته الطبقية العارية أي مأزق قيادة البورجوازية الصغيرة لحركة التحرر الوطني و ضلت طروحاته على أهمتها تأملات لم تستقظ بعد من صدمة نكسة المشروع التحرري في 1967.
نعود و نقول أن البرجوازية الصغية نجحت في خضم صعود الكفاح ضد الإستعمار على تجييش الملايين من الطبقة العاملة من أجل خوض نضالها ضد الإستعمار بعد مساومات قامت بها البورجوازية "الوطنية" الوهمية مع الإستعمار ’ يكفي الإشراة فقط إلى الزخم الشعبي الذي رافق البعث في سوريا في الخمسينات بعد انظمام أكرم الحوراني و حزبه ذو الإمتداد في اوصاط العمال و الفلاحين في حماة و ريفها . وصول البورجوازية الصغيرة إلى موقع السيطرة الطبقية يفترض كما اثبت التاريخ ارتدادا عن ثوريتها نحو انحراف رجعي أسس لبروز الأنظمة الشمولية المستبدة , إذا أنها ورثت بعد صعودها نفس بنية النظام و بالتالي وظيفته و أدواته القمعية طبقيا. يقول ماركس عن طريقة ممارسة البورجوازية لقمعها الطقي عن طريق الدولة بأنها"تظطر في سعيها إلى قمع الأفعال الثورية التي تقوم بها البورليتاريا إلى تعزيز السلطة التنفيذية على الدوام , و إلى تظخيم جهاز الدولة بشكل لا سابق له .إنّ الرسالة الرئيسية لهذه السلطة التنفيذية مع تنظيمها البيروقراطي و العسكري الهائل و هيئاتها الحكومية المعقدة و الإصطناعية العديدة و الجيش الذي لا عد له و الجيش الموظفين الذي لا يقل عنه تعدادا هو فرض السيطرة على الجماهير الكادحة و غخضاعها للطبقة البورجوازية السائدة "***.من هنا نعي جيدا لمذا ارتدت الحركة القومية عن مهامها التحرية الوحدة العربية و تحقيق الثورة الإشتراكية و ارتدادها إلى كيانات إقليمية لا تتوانا في رفع شعاراتها القوماوية و إلى أنظمة شمولية سياسيا لم تغيّر في علاقات الإنتاج القائمة بل عضدتها و بررتها أيديولوجيا بتضليل "العدالة الإجتماعية" و غيرها من الاوهام التضليلية ,فبمنطق الفهم المادي للتاريخ ترتد الطبقة الصاعدة إلى موقع رجعي بعد صعودها مهيئة لخروج نقيضها الطبقي من رحهما , هكذا نشاة البورجوازية الاوروبية في نضال تثوري ضد الإقطاع و علاقات إنتاجه ثم ارتدت إلى طبقة رجعية قامعة للطبقة العاملة الناشئة من رحمها .هكذا يتحرك التاريخ تناقضيا لولبيا في حركته , تسع مع ذلك البورجوازية إلى تشويه الفكر باوهامها الأيديولوجية ووسائل دعايتها الديماغوجية و إن كان الفكر فكرها ووليدها ففي كشف حقيقته الطبقية سبب تدميرها و فنائها .فقدت الأنظمة القومية بريقها الثوري بعد وصولها إلى السلطة لأنها حققت بذلك هدفها أي الصعود إلى موقع السيطرة الطبقية و ضلّت تحافظ على شعاراتها القومية من اجل تشويش الرؤية على الطبقة العاملة و قد ترتكز على فكر اكثر رجعية يعضدها سواءا كان فكر القبيلة و العشيرة او الفكر الطائفي او الدين مع تركيز نظام شموليّ مستبد يخنق أي غمكانية لتوجيه حركة الصراع الطبقي نحو تكثيفها السياسي طبقيا غما باحتواء الطبقة العاملة بخطاب ديماغوجي تضليلي او بقمعها باستمعال أجهزة الدولة القمعية.
النقد منّا محاولة لتأوّل الواقع ثوريا بفكر الثورة , عجزت البورجوازية الصغيرة على قيادة حركة التحرر الوطني انطلاقا من قصورها الطبقي على القيام بمهما التحرر الوطني الوحدة العربية و الثورة الإشتراكية , إذا كيف يمكن لطبقة أن تمارس نضالا ليس نضالها بل نضال يكون نهايته انتحارها في سيرورة طبقية تهدف إلى تدمير النظام القائم و طبقاته. في هذه اللخظة المأزقية من تاريخ الوطن العربي تضلّ الوحدة العربية المهمة السياسية الملحة المطروحة على الطبقة العاملة باعتبارها الطبقة النقيض للطبقة الضامنة لديمومة التجزئة و الهيمنة الإستعمارية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة