الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بعد الستين

هانى جرجس عياد

2014 / 1 / 5
سيرة ذاتية


تمضى الأيام، متثاقلة أحيانا، سريعة فى أحيان أخرى، فى مزيج غير متجانس من الفرحة والحزن، الألم والأمل، الانتصار والانكسار، لكنها تمضى على أية حال وفى كل حال، لتكتشف أنك قد وصلت إلى الستين من العمر، رغم أننى لم أشعر يوما بثقل السنين على كاهلى، ولا وطأة الزمن تلاحقنى، ولازالت لا أعرف الفارق بين ابن الثلاثين وابن الستين، لكننى رغم ذلك قد أصبحت رسميا على المعاش.
فى أعياد الميلاد يطفئ الناس الشموع، لكننى خروجا على المألوف أريد أن أشعل شمعة، ولعلى أستطيع، بعدما انطفأت شموع كثيرة حولنا، ودخلنا نفق مظلم لم يعد يحتمل مزيدا من الشموع المطفأة، بل لعله يحتاج إلى شمعة مضيئة، ربما تتيح لنا أن نسير بضع خطوات إلى أمام، ولعلنا نرى ضوءا فى أخر النفق، أكرر أريد أن أشعل شمعة ولعلى أستطيع.
وعندما يتجاوز المرء نصف من قرن من السنين، مضافا إليه عقد من الزمن، يصبح «عيد» الميلاد مناسبة للتوقف قليلا، ناظرا إلى الوراء، محاولا استيعاب دروس ما مضى من العمر، متطلعا بثقة إلى مستقبل، يحمل الكثير من أمل لا يخلو من ألم، حيث شاءت مصادفات الأقدار أن تأتى «ذكرى» الميلاد فى أعقاب صخب وضجيج ثورتين عاش الوطن انتصاراتهما مثلما عانى من انكساراتهما، ليدخل مرحلة من السيولة، وكأنها ألم المخاض الذى يسبق أمل الولادة، أو ظلمة الليل التى ينبثق منها نور الفجر ونداه على أوراق الورد وسنابل القمح.
ربما تخلو مسيرة ستين عاما مما يدعو إلى الفخر، ورغم ذلك فقد كنت ولم أزل فخورا بكل ما فعلت، بما فى ذلك أخطائى التى لم أخجل يوما من الاعتراف بها، والاعتذار عنها، ليس فقط لأن البشر خطاءون بالطبيعة، لكن أيضا لأننى لم أرتكب يوما ولو خطأ واحدا عن عمد أو إهمال أو سوء نية، وهى دواعى ومبررات الخجل من الخطأ أو إنكاره، ثم إن الأخطاء عندى أصبحت دروسا تعلمت منها الكثير، وقد كانت فى مجملها وليدة ظروفها ونتيجة ملابساتها ومحصلة تفاعلات اللحظة التى كانت (راهنة)، بكل ما فى الظروف والملابسات واللحظة من تعقيدات وتناقضات.
وفى مسيرة ستين عاما، من المستحيل أن يعثر أحد على ما يثير الخجل، أو ما يستدعى الإخفاء، فلم أفعل ولم أقل يوما بغير ما أنا مقتنع به، ولم أتأرجح بين المتناقضات، ولم أمسك عصا من منتصفها، وربما لم أمسك عصا أصلا فى حياتى، تهديدا لأحد أو خوفا من أحد.
ستون عاما مضت بين الأبيض والأسود، الإحباط والتفاؤل، الخير والشر، الحلو والمر، لكننى فخور بها، سعيد بما حققت، وبما لم أحقق، نجاحاتى (حتى وإن كانت قليلة) وفشلى (حتى وإن بدا كثيرا).
مازال الأمل يملأ الصدر والقلب، حتى وإن كان قد وهن منى فى لحظة، ومازالت أسعى جاهدا لإضاءة شمعة واحدة، بدلا من إطفاء ستين شمعة، وأعرف بيقين أننى لست وحدى ولن أكون.
وعندما يحل الأجل سوف أخرج من الحياة غير نادم على شيء، بل لعلى أستطيع، لو كان فى الوقت متسع، أن أغادر الدنيا مبتسما.
على أبواب العام الحادى والستين أقول للجميع تفاءلوا، فنحن قادرون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أنت الشمعة المضيئة وليست السنون
Ramsis Hanna ( 2014 / 1 / 4 - 23:02 )
ألأستاذ المبجل هانى عياد تحية طيبة من القلب
كل عام وحضرتك طيب وكل سنة وأنت بخير وسلام
لا يحسب عمر الأنسان بالسنين ولكن يحسب بعدد الشموع التى أنارها أمام بنى انسانيته لكى ينير لهم الطريق حتى تستمر الحياة بجمالها على بالونة الشرهذه التى نعيش عليها. وإن كنت قد نسيت - كما هى عادة أهل الشهامة والرجولة فى أنهم ينسوا ما قدموه للإنسانية من أفضال - فأننى أذكر حضرتك أنك أضأت ثلاثة وتسعين شمعة على هذا الموقع فقط والتى استنرنا بنورها فحمت الكثيرين من الكبوات والعثرات التى تصادفهم فى طريق الحياة. هذا غير الشموع التى أضأتها فى غير هذا المكان. فليمد الله فى عمرك ويعطيك الصحة ويهبك السلام الداخلى حتى يستزيد العالم بنورك الوضاء. وكل سنة وحضرتك طيب ودمتم بخير


2 - كلمات شاعر
ديار ( 2014 / 1 / 5 - 01:21 )
الاستاذ الكريم هاني عياد ..يقول شاعرنا الجواهري...طول مسيرة من دون غايي ، مطمح خجل ...وانت مستمر بمسيرتك النيّرة والمجتهدة ونرجو لك تمام الصحة والخير ، ودمتم


3 - Ramsis Hanna
هانى عياد - الكاتب ( 2014 / 1 / 5 - 06:43 )
غمرتنى بحب وتقدير أتمنى أن أكون مستحقا لهماRamsis Hanna


4 - ديار
هانى عياد - الكاتب ( 2014 / 1 / 5 - 06:45 )
ديار: شكرا جزيلا


5 - تهنئة
ماجدة منصور ( 2014 / 1 / 5 - 07:57 )
عقبال 100 سنة و فكرة رائعة جدا أنك تريك أن تضيئ شمعة بدل أن تطفئها!!!0
سأطبقها على الفور
لك احترامي

اخر الافلام

.. علماء يضعون كاميرات على أسماك قرش النمر في جزر البهاما.. شاه


.. حماس تعلن عودة وفدها إلى القاهرة لاستكمال مباحثات التهدئة بـ




.. مكتب نتنياهو يصيغ خطة بشأن مستقبل غزة بعد الحرب


.. رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي: الجيش يخوض حربا طويلة وهو عازم




.. مقتل 48 شخصاً على الأقل في انهيار أرضي بطريق سريع في الصين