الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة ثانية من تموز الساكن في العالم السفلي

محمود شاكر شبلي

2014 / 1 / 5
الادب والفن


لقد تعودت العيش في ظلمات العالم السفلي(عالم الاموات) أو بالاحرى عوّدت نفسي على ذلك ,على برودة المكان وجفاف الاركان..ولكني مازلت أحن الى الماء والشمس والخضرة , وأحن الى عشتار بقدّها الممشوق وعينيها السوداويين..
لذا لا ملجأ لي سوى الذكرى وعسى أن أخرج يوما لأعاود العيش في عالمكم وألقى عشتاري الجميلة..
أذكر أنه في يوم نيساني جميل كنت وعشتار في حقل أخضر فسيح يقع على جرف الفرات الاسمرخارج أسوار بابل العظيمة.
مازلت اذكر عشتار وهي تتمايل كغصن نضر في شجرة حور طرية. كانت تتمتع بالشمس الدافئة والنسمات العذبة القادمة من الشمال حيث الجبال العالية برؤؤسها الثلجية الناصعة.
على طول خط من الاشجار داكنة الخضرة كانت عشتار تجري وتتقافز كقطة برية بثوب شديد البياض. حاولت عشتار أن تحني أحد تلك الاشجار ولكن الشجرة أبت أن تنحني لأن أشجار بابل واوروك لا تنحني لأحد الا لربها أوتموت وهي شامخة.
جواميس ضخمة تمخر عباب النهر الخالد لا ترى منها سوى رؤوس مستطيلة بقرون مفتولة تتمتع بالماء الغريني.
راعي ماشية بعمر الزهور يتكأ على عصى معقوفة ينظر بشغف الينا بينما ماشيته ترعى بنشاط في مراعينا الداكنة الخضرة. عصافير وحمائم وضفادع وأوز وسلاحف, كل يسعى لرزق معلوم.
واذا بصوت رخيم هو صوت محبوبتي عشتار يصدح كهديل حمامة. كانت تغني وتتمايل كالاغصان الطرية. أخرج الراعي نايا ينفخ فيه ليملا المكان أنغاما شجية ..وعشتارترقص و تنشد ..
تعال مع الرياح تعال مع النهر
أجلب لنا الغذاء أجلب لنا المطر
أظهر لنا النهار لوّن لنا الزهر
طرّز لنا ثياب واملأها بالدرر
واكتب لنا كتاب سطّره بالعبر

أنتهت الاغنية وأنتهت الذكرى ولكني أود أن أقول لكم..
ذاك كان حال بلادكم بلاد مابين النهرين العظيمين قبل أن تغرب شمس حضارتها ..ذاك كان حالها عندما كنت موجودا في ربوعها دائما يدي بيد عشتار الجميلة التي كانت تملأ أرضكم بهجة ..
ولكن شراركم سرقوا مفاتيح بابل وأجبروني على النزول للعالم السفلي وأجبروا عشتار أن تهاجر الى نصف الارض الشمالي فغابت بركات ارضكم وعم الخراب وأخذت اشجاركم تحني رؤوسها لمن تنادى مع ندمائه وسلّ سيفه وفرض عليكم قانونه.
أرفعوا رؤوسكم يا سكان بابل وأوروك وباقي مدن مابين النهرين وساندوا جيشكم العظيم لتطردوا البرابرة القادمين من بلاد الافغان والشيشان وعمّان, لتبعدوا البهائم النازلين من جبال اليمن والوحوش المتسحبين من صحارى الحجاز لايفقهون شيئا سوى النهب والسطو وسفك الدماء وانتهاك الاعراض الذين فتح لهم بعضكم ذراعيه مرحّبا فأثخنوه جراحا وتقتيلا وانتهاكا للحرمات. أنهم عازمون أن يحكمونكم بدستور سلفي بغيض ما انزل الله به من سلطان.
أحيوا أنفسكم بتماسككم واقتلوا من يريدون أن يفرقونكم طوائف وجماعات وقبائل وديانات ومدائن ومحميات متناحرة وكفاكم عارا ومعيارا بعضكم لبعض, هذا صفوي وذاك ناصبي وهذا علوي وذاك أموي وهذا سني وذاك شيعي فكلكم واحد ويجمعكم نسب واحد هو انتماءكم لبلادكم وأرضكم التي اوجدكم الله عليها منذ الأزل.
كفاكم تراخيا وأنبطاحا على جنباتكم وبطونكم وظهوركم يعتلي عدوكم صهواتكم. كونوا كأشجاركم أشجار بابل واوروك التي لا تنحني لأحد وان كان لا مفر لها من الموت فأنها لا تموت الا وهي شامخة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات في جامعة ديوك الأميركية ضد الممثل الكوميدي جيري ساي


.. المغرب.. إصدارات باللغة الأمازيغية في معرض الكتاب الدولي بال




.. وفاة المنتج والمخرج العالمي روجر كورمان عن عمر 98 عاما


.. صوته قلب السوشيال ميديا .. عنده 20 حنجرة لفنانين الزمن الجم




.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا