الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حمزة سلمان*

عبدالله الداخل

2014 / 1 / 5
الادب والفن



1
وقلتَ ما لم يُقـَلْ *
أو يُرْوَ من قلب الخطابِ إلى كـَبِدِ الكتابْ
فالحقيقة ُوالمناضلُ فرحة ٌ ولسانْ
وكنتَ مُلهِمَها العنيدَ الوحيدَ وكانوا
بقايا من نوايا معلقةٍ في الريح تنظرها
عيونُ الثعالب والذئابْ!
كنتَ نشيداً بين تعاريفَ مستهلـَكهْ
نسيماً قادماً من صفحة الماءِ تعدو
مسابقاً على رمْل الكلام ِفي زبَدِ المعاني
إذ كما الحُسْنُ الذي دغدغَ الحزنَ بقعر القلب يوماً لأنه الحرمانْ
الآمالُ كلـّـــُها في كلامكَ كانت
والسعادة ُكلها والمستقبلُ القريبُ والبعيدُ وبعضُ أمانِ

2
بكل عصرٍ مُرّْ
من ذاقَ شَهْدَ الحقيقةِ قبل أقرانهِ
أترَعَ الموتُ له من كلِّ كأسٍ خفيّةٍ
حنظلَ التربة الحمراء
من حدِّ حافــّتِهِ
لمّا يُكوّرُ السائلُ نفسَه
مرتجفاً يصنعُ القمّةَ الملأى هضاباً
قبل انسكابهِ متخاذلاً متسارعاً
حين تمَسُّهُ الشفتان،
فما ألذ مرارةَ الحقيقة!

3
أبا السلامِ كانت لديك فضيلتان
كنتَ مصرّاً على التكرار في الأسماء!
ثم صارت لك الفضائلُ كلها
كان العراقُ منتظراً
زهر تفاحِهِ الأخضر ِالصغير
حين يُفـَتـِّحُ في الربيع أوراقـَهُ البيضاءَ للتغريدة الأولى قـُبَيْلَ الفجْر
كنا بانتظار الشمس ورؤية الأشياء
نهبُّ نحو الدفء من بَرْدِنا
وكنا بانتظاركَ تأتي ربيعاً دافقاً
بعدَ بُخل الشتاءِ بالأقاصيص، جمَّدَها السُبات!
لكنّ شمسَنا التي سمَّرَتْ ساعديك لم تعُدْ تُرى
ولا تَرى،
فما عادت لها عينُ!
والليلُ لم يَعْدُ لأحلام القمرْ
صارَ من فرص اللصوص،
ليلٌ قديمٌ كالحقد والحربِ والندمِ
جواسيسٌ واعتقالٌ واغتيال
عذابٌ يَحِلّ فيه الموتُ السريعُ الكثير
محلَّ عاداتٍ قديمةٍ كقلعِ بعضِ أظفار ٍمن الكفِّ والقدمِ
والتسهيرِ والتشهير
وما يعلـّمُ الغريبُ للقريب والمحتلُ للخونة
والحاكمُ للجلاد والدجال
لأنه "الوقتُ الثمينُ" الذي يُفِيضُ أرواحَ المعاني ويُخمِد أطرافَ الضمير!
فتموتُ من الحزن حكمتـُهُ التي وُلِدَتْ
نهاياتٍ لأساطير
لكل حكايةٍ في اجتماعات المواقدْ
حين يعلو اللهيبُ أو تخبو جُمَيْراتٌ تـَمَطـّى تحت أغطيةِ الرماد،
تبدأ ُفي مصائدْ
أو عند مَفـْرِق الأغصان في شَعر الشجر
وفي ملتقى الطرق ِ
وتنتهي بمصاعدٍ وخيرِ مصير:
فوق الغيوم التي تضيقُ أنفاسُها تعباً،
فأسطورة ُالأبطال عن حق وعفةٍ وعن ذمم ِ
لم تكن مثلَ حكايةِ الأجداد
لم تكن وهماً مؤقتاً للطيبين
(كما الخوفُ) موروثاً من الماضي
وهذا الحاضرُ اللئيمُ الذي ما زال ينساكَ ويخشاك
يذوبُ في البحر الجبان نهراً من العدمِ!

4
تظل أسطورة ُالوعي ِ
إحدى خُرافاتِ الحياة
عند دخولنا فيها، أو دخولِها فينا،
قصة َالمَعارفِ والسعادةِ والوجود،
تـُحزِننا وتُفـْرِحُنا،
فكلُّ جديدٍ جريءٍ بها
يضحى، ولكن بعد انتظارٍ قانطٍ،
سائداً معهود!

5
كذلك ما قلتَ من دفءٍ سيأتي
سيأتي:
رغم غطاء الجليد السميكِ على أنفاسِكَ الحرّى،
سيأتي.

6
لكن الأكاذيبَ هي الأخرى تكون جديدة ًأو جريئة ًوغريبة
أو ترتدي حُللاً جميلة ًمفصّلة ًحسْبَ تصاميم اللسان!
فيُحزننا الكلام الجميلُ الذي يُنسى في غمرة الحزن والفوضى
سكّراً في نـُسْغ القصب الطريّ
بين أدغال السموم
فمَن لم يذق حلوى
حتى من عيدٍ لعيدٍ
يمضي بيأسه سرّاً، دونَ أن يدري، حتى نهايتِهِ،
وما يُقالُ من نادرٍ في مسير المعاني ومنطق الثورة
تـُلـْبِسُهُ الأيامُ من أرديةِ الزمان
ألواناً من الحزن أو البهجة
من الخوفِ أو الجمال
قد يكون كلاماً غريباً أو رهيباً
ثم يصيرُ جميلاً ولكنْ
بعد فوات الأوان!

7
إنه حقاً لعصرٌ مَقيتْ!
بعواصفِهِ، شتائهِ، خذلانِهِ، وكلِّ خيانتِهِ، غموضِهِ، استعلائهِ، جميع ِجرائمِهِ
بكل حقائقِهِ القتلى أو الجَرحى وما تيتـَّمَ من أوصالِها
أو مات من أوصالنا شللاً؛
عصرٌ يموتُ دائماً قبل أن يُبْلـَغَ منه المنتهى، فلا يعودُ لنا ولا نعود له،
وإنْ وصَلـْنا بعضَ أطرافهِ، نمرّ به قانطينَ، لحجمهِ، ثم نمضي
أوْ يمرّ ُ بنا، قـَدَراً هَدَراً، ويفوت!

8
وكم فاتتْ من العصور حشودُها
ومرّتْ بحشودٍ وحشود
أمْسَتْ حَـلـَقاتٍ مفرَغةً
تماسكتْ سلاسلاً مبعثرة ً
أو حدوداً غيرَ متفقٍ عليها كالحدود
يوحّدُها صخَبٌ كالصمت
أو تهزها فوضى منظمة ٌ،
لكنْ يميّزُها
صوتٌ وحيدْ

9
نرى العصورَ تعشق بؤسَها الخالد
من نَهَم الحيوان في الإنسان
تحنو على بعضها، تقلدُها
فهل سيطوي الخسائرَ تأريخٌ جديد
لعقل ٍقويٍّ مثلـَكَ
بدايةِ الأمل القريب "البعيد" والحُلـُمِ المديدْ
حُلـُم ِالأبد؟

10
كان يَخشاكَ مَن عَرَف العقلَ الكبير
ومن كان يدري بأنك تدري
لذا وضعوا الحديدَ على الحديد
فضمّتْكَ في أركانها الصحراءُ والجدران
وأحضانُ الكارثة
وقد قلتَ أنه الوعدُ أن تغيّرَهم
وما كان أحوجَهم
بعصر المَسام ِ إلى الفولاذ

11
كانت لديك فضيلتان لكنْ
لك الفضائلُ، كلّـُها
كانت وتبقى،
اُولاها جرأة ُالحقيقة
حيث الاصرارُ حتى الموت
بلا مسافةٍ أو مَسام
فقد سبقـْتَ جميعَ العصورِ بها
مُصْمَتاً
لكنك تبقى صامتاً، قريباً
مثلَ حزنٍ صادقٍ،
لذا أنتَ تحيا
بعد كل عصر ٍطويلٍ رذيلٍ
أو فاضلٍ
إلى الأبد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* قال في كلمةٍ له أنْ أزيحوا قاسماً فقد أصبح واضحاً أنه خان القضية، وهذا زمنكم. فأوصى الخونة باعتقاله، فاُرسِل إلى سجن النگـرة الصحراوي واُبقِيَ هناك حتى قتله البعثيون بعد انقلابهم في شباط 1963، ولم يُعلَن عن ذلك أبداً وتعمّدَ الإعلامُ السائد (وكذلك الخونة) عدم ذكر إسم المحامي حمزة سلمان الجبوري.
* "وقلتَ ما لم يُقـَلْ" للتذكير بعبارة "رأيتَ ما لم نَرَ" التي بها يبدأ الشاعر والمفكر العراقي مؤيد شكري الراوي مقاطع مرثيته (2006) للقاص والمسرحي التقدمي جليل خليل القيسي (1937-2006) الذي آثر البقاء في مدينته كركوك بعد هجرة أصدقائه الأدباء منها، إثرَ عاصفة 14 تموز 1959، وما تلاها من حملة الاعتقالات والاغتيالات الانتقامية الواسعة التي شنها المرتد عبدالكريم قاسم ضد قوى اليسار والتقدم ونفذها له وكلاؤه (وكلاء نوري السعيد) ورجعيو المدينة، بدأت باغتيال الرجل المسالم أوجين شمعون بائع الكتب والصحف المحلية، وتحويل بعض مدارس كركوك الى معتقلات، ثم شملت كل العراق بعد ذلك، قبل تركيزها على بغداد، ممهدةً السبيل لانقلاب شباط 1963 البعثي الفاشي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل