الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديمقراطية بلا تعقل

محمد ليلو كريم

2014 / 1 / 5
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تخبرنا الإحصائيات عن تفشي الأمية بين أوساط مجتمعنا , ومع أنني لم أطلع بشكل مباشر على هذه الإحصائيات , التي نريدها أن تصدر من مراكز ومؤسسات مختصة لكي نوليها الثقة في ما تقوله , وعلى كل حال فإن كاتب هذه السطور عراقي يعيش في العراق، وبتماس مباشر مع الناس , ولأنني بتماس مباشر مع الناس أقول: لربما تكون هكذا إحصائيات غير دقيقة حول موضوع الأمية في مناطقنا , وخاصة في المجتمعات الشعبية , ودقة هذه الإحصائيات تتوقف على الجرد الميداني , ولم أشهد جردا ميدانياً مؤسساتياً داخل الأحياء المغيبة , وتطرق إلى دعائم وركائز الأمية , فلكل حالة وظاهرة جذور وأسس أفرزتها , وللأمية في مجتمعنا دعائم وركائز , ونحتاج إلى دراسات وبحوث علمية رصينة لتقفي منابع العوز التعليمي , وسنتطرق إلى الدعائم والركائز التي تغذي هذه الظاهرة الكارثة , آخذين بنظر الاعتبار النتائج التي تترتب على تفشي الأمية في المجتمع .
قبل أشهر قليلة انتقلت للسكن في المنطقة التي أقطن فيها الآن, ومما يدعو للأسف أن لا أجد مدرسة في مساحة سكنية واسعة, فيضطر التلاميذ والطلاب , التلميذات والطالبات , لاستخدام وسائط النقل للوصول للمدارس البعيدة وكأننا في إحدى أفقر الدول في العالم , وأكثرها تخلفاً, واستخدام وسائط النقل يعني إضافة صرفيات إلى ميزانية العائلة , وبعض الأسر تعاني من الدخل المتدني , إن لم تكن دون خط الفقر , وتزداد المأساة حينما أرى جموع الأطفال تتنقل بوسائط نقل شبه بدائية لا تتوفر فيها أبسط المتطلبات والمقومات , فالبعض من الأطفال يضطر للوقوف على دعامة مؤخرة السيارة معرضين أنفسهم للخطر كي يتمكنوا من الوصول لمنازلهم , وقد يصلون في ساعات متأخرة من النهار , وفي بعض الأحيان أجد مجاميع من التلاميذ الصغار متكدسين في مرآب السيارات منتظرين قدومها بعد أن عجزت وسائل النقل عن سد الحاجة بسبب الحشود الكبيرة , وفي وقت الانتظار يتعرض التلاميذ لسوء الأحوال الجوية والحوادث والجهد المضني , وأشياء أخرى...
والأنكى أن المدارس تعمل بثلاث مناوبات, كل مناوبة تستغرق ثلاث ساعات , وهذا ما يؤدي للتعجيل باستهلاك الأبنية المدرسية ومحتوياتها .
إن هؤلاء التلاميذ من أبناء البروليتاريا يمثلون واقع المجتمعات التي تسكن ما وراء الأسوار , وداخل الأسوار ينعم البرجوازيون والأرستقراطيون بكل مقومات الحياة المعاصرة, وجل نعيمهم يأتي من دماء وعروق وبؤس البروليتاريين وأبنائهم .
لن توفر مدارسنا التي نوهت عنها أي مستوى من التعليم الجيد , بل هي غطاء للأمية المقنعة , وسنشهد في المستقبل مجتمعاً مستنسخاً عن المجتمع الحالي , إذ ستدوم الأمية والتخلف , فالتعليم الرديء , وعدم وجود مدارس في بعض الأحياء الشعبية , لن يسمح بظهور مجتمع يتعقل الديمقراطية , ولا ديمقراطية بلا تعقل , وإن كان العقل موجودا في رؤوسنا فهو يحتاج لتعقل بعض المواضيع والأشياء عبر الاكتساب , والتعليم من المواضيع التي نكتسبها .
البناء التحتي , تلك الحزم من الأسس الاقتصادية التي إن تطورت فسوف يتطور معها البناء والمجتمع , والتعليم , والمنازل , والطعام , والملبس , والذوق , والوسائط والتكنولوجيا , وبالتالي يتطور المجتمع وتتطور بناه الفوقية من حكومة ومؤسسات ومشاريع ومناهج , فالرخاء الاقتصادي , والتوزيع العادل للثروة وفق تخطيط صحيح ونزيه هي الركائز للبنى الفوقية التي تنتج دولة متقدمة , محترمة .
كيف يستطيع الإنسان أن يستغل ماء المطر النازل من السحاب لينشئ حقلاً وهو لا يعرف الحراثة والزراعة والسقي , ستمر السحب , وينتهي وقت المطر , وتظل الأرض بلا انتفاع , وهكذا الحال مع الديمقراطية , ونحن مثل ذاك الشخص الذي أودع كنزاً في باطن الأرض على أمل أن يستخرجه في يوم آت , وحينما جاء ذلك اليوم , وسُئل عن أي علامة اتخذها ليستدل بها على مكان الكنز , فأجاب: دفنت الكنز تحت سحابة!
إن طريقة ( الكنز تحت السحابة) لن توفر لنا مفاهيم ووسائل عقلانية للتعامل مع متطلبات الديمقراطية ومستجداتها , الديمقراطية كنظام وفكرة , فالروابط الحقيقية الصحيحة هي من تربط مرتكزات الدولة مع البنى الفوقية لها .
لقد تحدثنا في الدعائم والركائز , ونعتقد أن الركائز الاقتصادية الصحيحة , ودعائم التخطيط والتطوير والتوزيع التي تعقب حلقة الركائز , ستجعل من الدولة كيانا ذا بنية صحيحة اقتصادياً واجتماعياً وديمقراطياً.
ينبغي أولاً أن ننظر في وعي المجتمع , ونضع لهذا الوعي تصنيفاً دقيقاً, ونشرع بوضع معالجات صحيحة مناسبة , وننفذ المعالجات , فالمجتمع المتأخر في التعليم والثقافة والاقتصاد لن يتعامل مع الديمقراطية تعاملاً صحيحاً, ولو تساءلنا : كم من أفراد المجتمع يفهمون الديمقراطية ومتطلباتها , وعوامل ديمومتها , لخرجنا بإجابة محبطة , ولكنها توفر توضيحاً لعيوب الذهنية الاجتماعية , فعوامل ديمومة الديمقراطية تُبين أن الديمقراطية تدوم بدوام الإرادة الاجتماعية الواعية التي تتخذ من الديمقراطية نظاماً , فيكون هذا الاختيار هو الحتمية التي تشترط الوعي , أما أن نتصور أن بقاء الديمقراطية مقترن بحتمية قدرية محضة خارجة عن إرادتنا فهذا تصور الواهمين .
إن النظام الديمقراطي لا ينحصر في مؤسسة الحكومة أو بسلطتها العليا , فكل إنسان في الدولة الديمقراطية مسؤول عن ديمومة النظام الديمقراطي , وواجب الدولة بحكومتها توفير الأسس للوعي بالمسؤولية في أوساط المجتمع , وتنمية الوعي صعوداً, ويتحمل المثقفون والمفكرون والأكاديميون والأحزاب والمنظمات المجتمعية والإعلام ورجل الدين الواقعي جزءا كبيرا من هذا الواجب , ولن يصمد النظام الديمقراطي أمام هكذا مستويات من التعليم المتدني , بل سيأتي المستقبل بأجيال غير متعقلة للديمقراطية , وهذه دعوة لديمقراطية نمارسها بتعقل , وليس بجنون , أو بجهل , أو بتمارض .











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا


.. أوضاع إنسانية صعبة في قطاع غزة وسط استمرار عمليات النزوح




.. انتقادات من الجمهوريين في الكونغرس لإدانة ترامب في قضية - أم


.. كتائب القسام تنشر صورة جندي إسرائيلي قتل في كمين جباليا




.. دريد محاسنة: قناة السويس تمثل الخط الرئيسي للامتداد والتزويد