الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصيدة للرصافي في افتتاح الجامعة العبرية

سميح مسعود

2014 / 1 / 6
الادب والفن


في كتابه الموسوم " رؤية معاصرة لحياة وأعمال المطران غريغوريوس حجّار " يقدم مؤلف الكتاب المؤخ الفلسطيني الدكتور جوني منصور معلومات قيمة عن رجل وطني كبير نادر ساهم طيلة حياته في الدفاع عن القضية الفلسطينية منذ بداية تداعياتها الأولى ، وقدم دروساً بارزة ومركزية في حب الوطن والانتماء إليه ، في أحلك الاوقات التي بدأت فيها تشتد تفاعلات وتداعيات الحركة الصهيونية ، مع بدء إحكام الإنتداب البريطاني على المقدرات الفلسطينية .

قرأت هذا الكتاب بتمعن زائد ، بعيداً عن التصفح السريع ، حاولت اجتراح نمط من القراءة الجادة المتعمقة بقدر كبير من المتعة الذهنية ، انتصبت أمامي بفضلها صورة حية لمطران العرب بسيرته الوطنية المتميزة منذ أيام صباه حتى مماته ، وتمكنت من الإطلاع على شهادات ووثائق كثيرة أرفقت بالنص ، تتصل بالمطران حجار والقضية الفلسطينية.

امتدت الوثائق المرفقة على صفحات كثيرة من الكتاب ، توقفت عند واحدة منها ، تتصل بزيارة بلفور لفلسطين في الأول من نيسان عام 1925 للإشتراك في حفل افتتاح الجامعة العبرية في القدس ، والمعروف تاريخياً " أن فلسطين قاطعت زيارته ، واعربت عن استيائها الشديد من الزيارة والزائر . وكان المطران حجار ، مطران العرب ، أحد المقاطعين لحضور حفل الإفتتاح . وكان من بين المدعوين الشاعر العراقي معروف الرصافي" .

وتكمن المفارقة في حضور الرصافي للحفل وتقديمه قصيدة نظمها خصيصاً لتلك المناسبة جاء فيها ما يلي كما هو مثبت في الصفحة 161 من الكتاب :

خطابُ يهودا قد دعانا إلى الفكر

وذكرنا ما نحن منه على ذكر
ومجد ما للعرب في الغرب من يد

وما لبني العباس في الشرق من فخر
لدى محفل في القدس بالقوم حافل

تبوأه " هربر صموئيل " في الصدر

حنانيك يا " هربر صموئيل " كم لنا

على الدهر من حق مضاع ومن وتر

ولسنا كما قال الأولى يتهموننا


نعادي بني اسرال في السر والجهر
وكيف وهم أعمامنا وإليهم


يمت باسماعيل قدمًا بنو فهر
وإني أرى العربي للعرب ينتمي

قريبًا من العبري ينمي إلى العبر

وها أنا قبل القوم قد جئئت معلناً

لك الشكر حتى أملأ الأرض بالشكر


التصهين في القصيدة بائن بوضوح بانثيالات ظهرت في أكثر من اتجاه ، يُعلنه الشاعر علانية دون حرج أو خجل ، وتظهر مخاطبته للمندوب السامي البريطاني بمعاني ودلالات متعددة مباشرة غير مبهمة ، تعمد إلباسها إهاباً أرجعه إلى مسلمات دينية ، وما يقترن بها من مشاعر " العمومة " التاريخية مع بني إسرائيل ، في لحظة تصادم متعمد مع كل ثوابت المسلمات الوطنية .

يطغي على القصيدة عدم تقدير واضح لظروف الزمن الذي يحكُم أجواء القصيدة ، بكل محمولاته الاستعمارية و الاستيطانية وتصادمه مع التطلعات الوطنية الفلسطينية، صاغ فيها الرصافي شبكة تواصل بدرجة عالية من " العمالة " للأخر في زخم تداعيات الانتداب المتصهين ، وقد عززالتأكيد عليها في مطالب بين فيها رغبته بالتكامل مع الاخر ابن عمومته ، وزين تلك المطالب عند إقفاله القصيدة بالمباهاة في تقديم الشكر الوفير بنبرة عالية إلى المندوب السامي البريطاني "هربرت صموئيل" مؤكداً له أنه يأتي إليه قبل قومه لتقديم الشكر إليه ، ويعده بتشفير دلالي بأن أفواجاً مثله من بني قومه سوف يأتون من بعده أيضا لتقديم الشكر إليه .

ليس من شك في أن الرصافي قد أدار ظهره في قصيدته إلى الحركة الوطنية الفلسطينية بجلوسه إلى جانب بلفور وامتداحه المندوب السامي البريطاني "هربرت صموئيل" ، وأدخل نفسه في تفاعل مباشر مع أعداء الأمة ورواد المشروع الصهيوني ، متجاوزاً في تصرفه فلسطين وشعبها وقضيته ، ولا غرابة في هذا ، لأن ملامح دلالية مرجعية كثيرة تؤكد على أنه " عاش حياته الطويلة العريضة بإنفلات واضح في السلوك والتصرف وغشيان الكثير من المحظورات ، أخذ منه الإستهتار كل مأخذ وأزال عن طريقه كل الممنوعات وأوغل في التنقيب عن الأسرار وتعرية الذات ... " وهناك مصادر تذكرها الموسوعة الحرة ، تؤكد على " إعتراف الرصافي مبكراً بماسونيته واستهتاره وممارسات كثيرة لا تقبلها أعراف المجتمعات الشرقية " .

واجهت الحركة الوطنية الفلسطينية تصرف الرصافي برفض شديد ، واعتبرت قصيدته معيبة بمعناها ومغزاها ، تتماهى مع مخططات الصهيونية وسياسات الاحتلال البريطاني ومشاريعه الاستعمارية ، خاصة وأنه ألقاها أمام " جيمس آرثر بلفور" صاحب التصريح المشؤوم الذي صدر عن الخارجية البريطانية في الثاني من تشرين الثاني – نوفمبر عام 1917، ووعد به إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين ، وحرم الشعب الفلسطيني من حقوقه السياسية والقومية ، وما تزال تداعياته في تفاعل دائم حتى الأن .

والأن أعود ثانية من حيث بدأت ، وأجد في كتاب الدكتور جوني منصور معلومة مهمة ونادرة تتصل بقصيدة الرصافي ، مفادها أن نجيب نصار محرر جريدة الكرمل الحيفاوية ، المناهض الأكبر للسياسات الصهيونية والبريطانية في أيامه ، قد توجه بطلب خاص من المحامي والأديب وديع البستاني ، طالباً منه الرد الشافي على قصيدة الرصافي ، فكتب البستاني القصيدة التالية المذكورة في صفحة 161 من نفس الكتاب :


خطاب ( يهودا) أم عِجابٌ من السحر


وقول الرّصافي أم كِذاب من الشعر
قريضك من در الكلام فرائد


وانت ببحر الشعر أعلم بالدر

ولكن هذا البحر بحر سياسة


إذا مدّ فيه الحقُ آذن بالجزر ِ
أجل عابر الاردن كان ابن عمنا



ولكننا نرتاب في عابر البحر

أيهجر أوروبا ليبني (بيته )

على قبّة ما بين مهدي والقبر

أأنت "صموئيل " سموأل أمسنا

وهل ساد أرض الانكتار بنو فهر

أنؤمن في " بلفور" بعد محمد

وعيسى وموسى والوزير من الوزر

وربك ، لا ، فالوحي في الذكر صادق



يكذب ما في الطرس من لوثة الحبر
فما بالهم تاهوا وضلوا وضللوا


وما يفقهوا ما جاء في حكمة السفر

دار النشر والحشر حولها


تقومون في يوم القيامة والحشر


أكد البستاني في نسيج قصيدته على إنشغاله بقضايا تمتزج مع أحاسيس وطنية عارمة ، تكشف عن ملامح التصادم مع قوى الانتداب والإستيطان الصهيوني المبكر في فلسطين ، والانحياز الكامل إلى الشعب الفلسطيني وتطلعاته الوطنية ، مما أعطى عمله الإبداعي خلوداً معنوياً وفنياً .

وفي المقابل أدى الوقوف ضد فلسطين وشعبها وأرضها ، في قصيدة تخلو من أي قيمة فنية أو إبداعية ، إلى منح ناظمها معروف الرصافي مكانة تليق به في مزابل التاريخ .













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب