الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الفتنة بالمتنبي !

جابر حسين

2014 / 1 / 6
الادب والفن


قد لا يختلف أثنان أبدا في أن المتنبي شاعر كبير وصاحب موهبة شعرية ضخمة ، لعله الشاعر الأكبر علي طول تاريخ الشعر العربي علي الإطلاق ، لكنه كان محدود الثقافة ، يجري تفكيره كله وراء طموح محموم لنيل مراده في المال والجاه ، وفي سبيلهما كان ، دائما ، علي استعداد أن يماري وأن ينافق ويظهر غير ما يبطن ، يلبس الباطل ثوب الحق ولا يبالي ، كان انتهازيا بإمتياز وعنصريا بغيضا إلي أقصي حد و عديم الأخلاق والإنسانية !
" قد كنت فارسا شجاعا ذات يوم
حتي أكلت من طعام أعدائي
فصرت مقعدا .
وكنت شاعرا حكيما ...
حتي إذا استطعت أحمل اللفظين معني واحدا ،
فقدت حكمتي ...
وضاع الشعر مني بددا " ...
صدق حجازي . لكن مراوغة المتنبي للحياة وعبثه معها حد أصبح أكثر من شخص في واحد ، لكن لم تفقده شعريته حتي يوم مقتله في دير العاقول وهو في طريقه إلي بغداد عام 965 م ، وهو المولود بالكوفة العام 915 م ، فكان مقتله وهو في الخمسين من عمره ! قصد كافورا وهو يضمر في ثنايا طموحه المحرق هدفا واحدا لا يري غيره ولن يكون إلا فيه ، أن يغدق عليه كافور الهدايا والعطايا والمال والجاه فيوليه إمارة أحدي المقاطعات فيكون واليا عليها ، قصده ، وقد بدل قلبه ورؤاه ، فشرع فور قدومه إليه ينافقه فيمدحه أيما مديح:
" قواصد كافور ،
توارك غيره
ومن قصد البحر
أستقل السواقيا " ...
لكن ، مثل ذلك المديح المنافق ، لم يكن ليخفي ما وراءه علي فطنة كافور ، كان يعرف مقصده ويعرف أيضا نفاقه الرخيص الذي ينشده في مجلسه دون خجل أو تردد ، لقد كان ضميره نائما ومغطي بذلك الطموح العجيب للجاه والسلطة والمال . لا ، لم تكن بيئة ذلك الزمان تجري في مثل هذه الوجهة في الشعر والشعراء ، فئة منهم ذوات منافع ومصالح انتهازية هي التي كانت تحيط بالسلطان ، تريق ماء وجهها وتبيع لحمه صباح مساء علي اعتاب البلاط هنا أو هناك ! كافور كان أذكي وأعلم منه ، فلم يمنحه درهما واحدا من خزائن مصر ، فهو المؤتمن علي ذلك المال ! لما يئس منه ، وعرف أنه لن ينال شيئا منه أنقلب عليه يهجوه و ... يهرب :
" جود الرجال من الأيدي ،
وجودهم من اللسان ...
فلا كانوا ولا الجود " ! ...
كافور كان رقيقا أشتراه محمد بن طفج مؤسس الأسرة الأخشيدية عام 923م كرقيق من الحبشة . كان مخصيا ، أسود اللون ، ذو قلب كبير وحكمة وذكاء ملحوظ ، مما جعل سيده ينتبه إليه ويقربه ، فظهرت إليه مواهبه في الإخلاص والصدق والذكاء ، فأعتقه وأطلق سراحه ، لكنه سرعان ما جعله مشرفا علي تعليم ابنائه ومعلما لهم . وظل يسير من نجاح إلي نجاح ويرتقي سلم المجد ، حتي صار وصيا علي العرش بعد وفاة محمد بن طغج ، فغدا كافور الحاكم الفعلي لمصر منذ العام 964 م ، وعرف عنه أنه كان حاكما حكيما وعادلا ومنتصرا في الحروب .
جن جنون المتنبي جراء إهمال كافور له ، وعدم نيله مراده منه ، فدبر هروبه ذات ليلة مظلمة بعد أن نظم هجائياته المقذعة في النيل من كافور وذمه بسواده أبشع الذم وأرخصه ، فشهر به وشاعت أشعاره في العرب حتي يوم الناس هذا ، كتب لها الخلود لأنها تتغذي في بقائها علي منابع العنصرية الكامنة في عقول العرب :
" لا تشتري العبد إلا والعصا معه
أن العبيد لأنجاس مناكيد " ...
" تظن ابتساماتي رجاء وغبطة
وما أنا إلا ضاحك من رجائيا
وتعجبني رجلاك في النعل ...
أنني رأيتك ذا نعل إذا كنت حافيا !
ويذكرني تخييط كعبك شقه
ومشيك في ثوب من الزفت عاريا
ومثلك يؤتي من بلاد بعيدة
ليضحك ربات الحداد البواكيا ! " ...
المتنبي ، كان شاعرا كبيرا ، و ... عنصريا كبيرا ، تجري فيه مجري الدم وسيلانه في جسده ، وقد نالت تلك القصائد العنصرية الرضا في بيئة العرب فسارت بها الركبان علي قولهم ، ويبقي السؤال كما أظنه ، تري هل يجوز لنا – والحال كذلك – أن نتخذه ضوءا و قدوة – حين نكتب القصص والروايات والشعر التي تصور حياة وحالات " المهمشين " الفقراء من السود في عالمنا ؟ هذا السؤال هو الذي جرني لهذا الحديث عنه ، فقد رأيت أحد كبار الروائيين من ذوي البشرة السوداء يأتي بمقولته عن الخمر فيثبتها علي صدر روايته التي تدور كلها في تصوير حياة هؤلاء البؤساء ، بل جعل صفة المتنبي العربية للخمر في عنوان الرواية ! في وقت سيأتي سوف أنشر ما كتبته عن الرواية وإشارتي لهذا الخطل الكبير !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في عيد ميلاد عادل إمام الـ 84 فيلم -زهايمر- يعود إلى دور الس


.. مفاجآت في محاكمة ترمب بقضية شراء صمت الممثلة السابقة ستورمي




.. انتظروا لقاء مع أبطال مسلسل دواعي السفر وحوار مع الفنان محمد


.. فاكرين القصيدة دى من فيلم عسكر في المعسكر؟ سليمان عيد حكال




.. حديث السوشال | 1.6 مليون شخص.. مادونا تحيي أضخم حفل في مسيرت