الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقوق الإنسان.. سؤال الجدوى

مصطفى اسماعيل
(Mustafa Ismail)

2014 / 1 / 6
حقوق الانسان


للوهلة الأولى, لا يكترثُ المرءُ بثيمة حقوق الإنسان والعهود والمواثيق الدولية ذاتَ الصلة الصادرة عن الأمم المتحدة, سيّما في بلدٍ كسوريا يشهدُ منذُ قرابة الثلاث سنوات أهوالاً ونكباتٍ للعقلِ الجمعي والفردي المُتابعِ والمُعايشِ لليوميات والتفاصيل, ظلَّ مئات آلافَ الضحايا والمعتقلين والمُختفين قسرياً, وملايين النازحين والمهجرين داخلياً وخارجياً, إلى حدِّ توصيف المشهد السوري القائم من قبل أنطونيو غوتيريز مفوَّض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأنه الصراع الأخطر والأكثر تهديداً لأمن العالم منذ 70 عاماً.

كانت السنواتُ الثلاثُ في جوانب رعبها اللا محدود, وصولاً إلى استخدام السلاح الكيماوي وفي عصر الصورة والتقانة الحديثة, بعد عقودٍ من القمع والترهيب الأمني, مُناسبةً إضافية لفقدان المواطن العادي كلَّ ثقة بحديث حقوق الإنسان, مع تحوّل المجتمع الدولي إلى جبلِ جليدٍ إزاءَ التراجيدي الحادِّ على الأرض, سيما بعد واقعة الكيماوي في الغوطة, يُضافُ إلى كل ذلك أن القوى المُفترضُ مناوئتها للنظام الحاكم لم تقدم بديلاً أفضل, فهي أعادت صنيعَ النظام في المناطق التي أحكمت قبضتها عليها, مع تتابع التقارير الدولية عن انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان ( قتل, اختطاف, اعتقالات, اختفاء قسري, محاكمات ارتجالية, وإبقاء المحتجزين لديها بدون محاكمة ), لم يكُ هناك مشهدٌ أشدَّ إيلاماً من تنكيل النظام والجماعات المُعارضة معاً كلٌّ في ضفته بالنشطاء السلميين والصحافيين والإعلاميين ونشطاء حقوق الإنسان.

سؤالُ الجدوى ليسَ راهنياً, لكنه يُثارُ أكثر في الأزمات والمحن, هو ذو جذرٍ تشكيكي, لكنه في الوقت نفسه معوّل على المشكوك فيه ومُراهنٌ عليه, وكأنه يُطرحُ بصيغة : أين حقوق الإنسان, لو كان احترام حقوق الإنسان موجوداً وإن كان نافذاً لما أصابنا ما أصابنا.
لكن سخرية السوريين المُرَّة من حقوق الإنسان من خلال سؤال الجدوى, ليست وليدة الحدث السوري منذ ربيع 2011 وإن تفاقمت منذ ذلك الحين, قبلها كان الشأن العام مقتصراً على نخبة, ولم تشهد البلاد حراكاً طيلة عقود كما الحالي, لذا كان الحديثُ في حقوق الإنسان يجري في دوائر شبه مغلقة, وكان المعتقلون والسجناء يواجهوننا كنشطاء حقوق إنسان بسؤال الجدوى من حقوق الإنسان, ما دمنا معهم في الأقبية نفسها, ونتعرضُ للتعذيبِ نفسه مثلهم مع فوارقٍ طفيفة.

أحد محددات سؤال الجدوى هنا هو أن حقوق الإنسان لا تُتصورُ إلا في مواجهة الدولة, وفي بلدان منطقتنا الجغرافية الدولةُ عبارةٌ عن سلطةٍ لوياثان قهرية فوقَ القانون, إلى درجةِ فقدان المواطن أيَّ أملٍ في الحصول على تنازلٍ وإن بسيطٍ منها, وقد أفقده الأمل حدَّ القهقهة اشتمالُ دساتير غالبية بلدان المنطقة على موادٍ كاملة ( على مبدأ النسخ واللصق ) من الاتفاقيات والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان, لكنها غير موجودة في الواقع العيّاني المُعاش.

المُحدِّدُ البارزُ الآخرُ الكامنُ وراء سؤال الجدوى في وعي إنسان المنطقة ( وبشكلٍ نافرٍ الإنسان السوري خلال ثورته ) هو اكتفاءُ أركان المجتمع الدولي بالمراقبة والتصريحات فقط إزاءَ الموت والدمار اليومي العاصف, وعدم التحرك وإن في حده الأدنى لإنهاء تغوَّل الأنظمة الحاكمة, وتراجع موضوع حقوق الإنسان لديها إلى سلم الثانويات أمام أوالية مصالحها الاستراتيجية, ويعد عنوان " أزدواجية المعايير / الكيل بمكيالين " ملفتاً في هذا السياق, مع حديث الدول الكبرى عن حقوق الإنسان في بلدٍ ودعمها للنظام الديكتاتوري فيها, أو دعوتها لحماية المدنيين في دولة وتغليبها اعتبارات منفعية عليها تحت يافطةِ ( احترام سيادة الدولة ).

مهما كان سؤالُ الجدوى المتكرر مُحقاً, ومهما كانت المراراتُ والإحباطاتُ المبنية عليه, إلا أن موضوعة حقوق الإنسان ليست نزوةً عابرةً أو بدعةً مشبوهة, إنما هي فضاءٌ تعمّق على مدى عصور, ومُنتجٌ بليغٌ للفكر البشري في تفاعلاته المديدة, غيرَ مُقتصرٍ على أمةٍ أو شعبٍ أو مجموعة, وغير مسيَّس, ومُعبرٌ عن تطلُّع الإنسان أنى كان إلى إشباعِ نزوعه التيموسي ( احترام كرامته والاعتراف بوجوده ومكانته من الآخرين ), ولا يتحققُ ذلك إلا بالإيمان بحقوق الإنسان, والاقتناعُ الواعي بأن فهم وإدراك الإنسان لحقوقه وحرياته كفيلٌ بدفاعه عنها وتحقيقها مهما كانت العقبات والعراقيل والتحديات, فإذا دققنا في نصوص مواد الاتفاقيات الصادرة عن الأمم المتحدة انطلاقاً من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لوجدناها متضمنة لحقوق الأفراد والجماعات ومعبِّرة عنها.

منظومةُ حقوق الإنسان في المحصلة هي نزوعٌ وتطلُّعُ الإنسان الكوني ( من خلال تجاربه المديدة حتى وصل إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 1948 ) إلى الأفضل, وبناء عالم أقلَّ رعباً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفوض الأونروا: إسرائيل رفضت دخولي لغزة للمرة الثانية خلال أس


.. أخبار الساعة | غضب واحتجاجات في تونس بسبب تدفق المهاجرين على




.. الوضع الا?نساني في رفح.. مخاوف متجددة ولا آمل في الحل


.. غزة.. ماذا بعد؟| القادة العسكريون يراكمون الضغوط على نتنياهو




.. احتجاجات متنافسة في الجامعات الأميركية..طلاب مؤيدون لفلسطين