الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (14)

وديع العبيدي

2014 / 1 / 6
الادب والفن


وديع العبيدي
احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (14)
رابعا: رموزية الأخضر (خضر الياس)..
قبل الدخول في التفاصيل، لا بدّ من تنويه إلى أن..
- ان شخصية الأخضر ظهرت في أول سبعينيات القرن الماضي، ومضى عليها اليوم أربعة عقود، وليست من نتاج المرحلة (الألفينية) التي يغطيها هذا البحث.
- يكاد معظم النقاد والباحثين العرب يتفق عن أن هذه الشخصية من ابتكارات الشاعر وليست كغيرها من الرموز/ الأقنعة التاريخية التي تعارف الشعراء على تداولها وتوظيفها شعريا.
- ثمة إشارة – قد تكون مفردة- أوردها الباحث عبد القادر جبار طه حول تجذير علاقة الأخضر بشخصية (الخضر) وذلك نقلا عن دراسة للباحثة ريتا عوض.
- ان الشاعر –كما يرى أحد النقاد- لا يتخذ الأخضر [رمزا/ قناعا] يختفي وراءه، وانما الأخضر يتخذ من الشاعر قناعا يتحدث من خلاله.
- شخصية (الخضر) رغم طابعها العام الديني، فهي تكاد تفتقد الملامح والتفاصيل، ما عدا الصورة الميثولوجية المتراكمة في اللاوعي الشعبي. وهو أكثر عناية ورواجا بين النساء مما بين الرجال، وربما ارتبط بخصوصية (الانجاب) وفك عقدة العقم [صفة تموزية]. ومقامه (مزاره) غالبا عند ضفاف المياه قريبا من مراكز المدن. وفي العراق له (مقامات) على كلّ الأنهار، إن لم يكن كلّ المدن والقصبات.
- مكانة (الخضر) الدينية غير متفق عليها عند العامة، فهو قد يكون [نبي، إمام (قديس)، رجل صالح]، لكن المتفق عليه أنه يظهر وعليه ثياب خضراء. وهناك من يراه خارجا من الماء، أو ماشيا على الماء يعبر الضفة. ونقلا عن والدتي قولها: ان الثياب الخضراء في الرؤيا دالة على الأنبياء، وقد تكون لهم درجات كالرتب العسكرية، أما الثياب البيضاء فهي دالة على الملائكة.
صفة المشي على الماء خاصة بالسيد المسيح [مرقس 6: 48، 49/يوحنا 6: 19] وظهوره في الرؤيا يكون بثياب بيضاء.
الاسم الملحق بالخضر أو اسمه الكامل هو (خضر الياس)، و(الياس) تعريب للفظة (ايلياء) العائدة على أحد أنبياء التوراة الذي كانت خدمته في الفترة [875- 848 ق. م.] في عهد ملك اسرائيل أخآب وزوجته ايزابل من عبد البعل، وصفته (النبي الناري) ولكنه مشهور بأنه دعا ربه فانقطع المطر ثلاث سنوات ونصف، ولم يعد المطر للهطول إلا بعد صلاته لذلك. يعتبر أيليا من أهم أنبياء اليهود وأكثرهم قوة روحية، وبحسب التعليم الديني هو أحد ثلاثة لم يشملهم الموت من البشر [أخنوخ، ايليا، يسوع المسيح].
الاشارة المهمة في هذا الخصوص، تتعلق بالعلاقة الملغزة بين (ايليا النبي) – من القرن التاسع قبل الميلاد- وبين (النبي يوحنا المعمدان) – من القرن الأول الميلادي-، والتي وردت في سفرين من العهد القديم والجديد. اولاها في سفر ملاخي 4: 5 [ها أنا مرسل إليكم ايليا النبي قبل أن يجيء يوم قضاء الربّ!]، وثانيها في انجيل متي 11: 10، 14 [فهذا هو الذي كُتِبَ عنه: ها أنا مرسل قدامك رسولي الذي يمهّد لك طريقك! (ملاخي: 3: 1). وإن شئتم أن تصدّقوا، فإنّ يوحنا هذا، هو ايليا الذي كان رجوعه منتظرا!]. ويوحنا المعمدان أحد أقوى الأنبياء (روحيا ومبدأية) والمعروف بقطع رأسه ووضعه على طبق لارضاء الراقصة (سالومه) وأمها (هيروديا).
إذن هناك حالة تماهي بين ايليا النبي ويوحنا المعمدان – بينهما ثمانية قرون-، وحالة توافق بين قصة الرأس بين يوحنا والحسين – بينهما سبعة قرون-. وصفة المعمدان تعود إلى خدمته في التعميد (التغطيس) بالماء في نهر الأردن، حيث عاش معظم الوقت. صحيح أن ايليا عاش فترة ثلاث سنوات عند أرملة صرفة، على ضفة نهر، وأنه كان يتحكم في المياه ونزول المطر، إلا ان فاعلية العلاقة بالماء تظهر عند يوحنا حيث عاش وكان يعمّد الناس (معمودية التوبة). وهو أقرب عهدا للمخيلة الشعبية والذاكرة الشفاهية.
ولهذا، تبدو صورة شخصية الخضر أقرب إلى خصائص وصفات يوحنا المعمدان من سواه. علما ان كثيرا من الرموز والقصص التراثية الاسلامية هي قصص توراتية وغير توراتية من الموروث الشرقي القديم، جرى تعريبه بما يناسب اللغة والعقيدة الاسلامية.
والواقع.. ان صورة (خضر الياس) لا تقتصر على ما مرّ ذكره فحسب، وانما تلحقها جملة من الطقوس والمراسيم الشعبية التي تمارس لدى كثير من الشعوب بالعلاقة مع الماء، مثل (شموع الخضر) التي توضع على سطح الماء في ليال معينة، ولدى بعض الشعوب تصنع قواب ورقية صغيرة تكتب عليها رسائل وتحيات لأشخاص مفقودين أو مجهولين بأمل عودتهم، وأحيانا توضع في مغلفات بلاستيكية تطفو على الماء وغير ذلك. وقد تداخل بعض تلك الطقوس بمراسيم احتفالات عاشوراء في جنوب العراق، حيث تصنع مائدة من الأطعمة والحلويات تتوزعها الشموع وزهور (الياس) الخضراء، ويدار بها في الأزقة في مناسبات معينة، أو توضع في الماء حيث تطفو وتمضي مع مجرى النهر. وثمة من يعتقد أن لتلك الطقوس والمراسيم تقاليد شعبية نهرية قديمة تعود في جذورها للسومريين.
ان الأساس في مرموزية الخضر هو الماء، ووجوده على ضفة الماء، والدالة الثانية هي الشجر والخضرة. بينما تحدد ريتا عوض الماء والسمك كدالة على الخضر، وهو ما يشكل تداخلا مع صورة المسيح الذي تشكل (السمكة) أحد رموزه إلى جانب الصليب، وذلك لوقوع ولادته تحت برج السمك. وتتطابق هذه الصورة [الماء والخضرة] تماما مع البيئة الجغرافية لأبي الخصيب، غابة النخيل والثمار المعلقة فوق الماء، - أقول معلقة حسب موقف الرائي اليها من الضفة المقابلة، أو من السماء-. يتسع شط العرب في تلك المنطقة ليبلغ مدى كبيرا، بينما تنتشر على ضفتيه غابات النخيل والخضرة الكثيفة [صورة ما قبل الثمانينيات]. وعى الشواطئ حيث يرتفع منسوب المياء ويتماس مع سطح الأرض، يمكن ملاحظة أشجار ظهرت (عروق) جذورها على حافة الشطّ، أو أشجار استعرضت في نموها نحو سطح الماء قبل أن ترتفع بقامتها عاليا حيث تصطاد الضوء. على تلك الجذوع المستعرضة يمكن الجلوس وتدلية السيقان في المياه الباردة، كمصاطب اصطنعتها الطبيعة لتخلق صورة الانسجام العجيب. ولا أعرف ثمة، إذا كانت شواطئ أبي الخصيب تلك تتضمن بعض ظهورات [صاحب الماء] وفيما إذا كان له (مقام/ مزار) – حسب ذاكرة الشاعر-.
صورة الأخضر (الخضر) هذه غير بعيدة عن صورة القرصان الذي يعيش في الماء ويتنقل بين البلدان والشواطئ والمدن. ويبقى الماء والخضرة، أكثر ورودا في شعرية سعدي على مدى مسيرته، وقد زادت أكثر، منذ اعتناقه المنفى الأوربي.
بين رموزية القرصان ورموزية الأخضر ثمة عشرين عاما [1952- 1972]، لكن الصفة الأخير هي الأكثر استمرارا وتواردا في شعريته في الثمانينيات وحتى ما بعد عام ألفين.[ لقد رافقت هذه الشخصية الشاعر منذ قصيدته الأولى "فالأخضر بن يوسف ومشاغله" التي كتبها عام‏ 1972، وكانت عنواناً لديوانه، ثم عاد إليها في ديوانه "الليالي كلها" بقصيدتين هما (حوار مع الأخضر بن يوسف) و (عن الأخضر أيضاً) ثم ظهرت هذه الشخصية من جديد عام 1979 في قصيدة (انغمار) وهي عن الأخضر أيضاً ضمن ديوانه (قصائد أقل صمتاً) ثم (أوهام الأخضر بن يوسف) عام 1981. في ديوانه (من يعرف الوردة).‏]/ (الباحث محمد رضوان). إلى جانب ظهوراتها المتأخرة، كما في نص (تناوبات) المذيل لعام 2011 في ستوكهولم.
والسؤال المترتب على تطور فكرة (القرصان) إلى (الأخضر الياس (اليوسف))، هو لماذا اختار هذه الشخصية الروحية ذات التعالقات المتداخلة في ميثولوجيا الشرق القديم والمنعكسة في دياناته الرئيسية؟.. لماذا لم تتطور فكرة (القرصان) إلى رمز علماني محايد مثل (السندباد) (أبن ماجد) (ماجلان)؟..
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكينج والهضبة والقيصر أبرز نجوم الغناء.. 8 أسابيع من البهجة


.. بهذه الرقصة المميزة والأغنية المؤثرة... مسرح الزمن الجميل يس




.. المخرج عادل عوض يكشف كواليس زفاف ابنته جميلة عوض: اتفاجئت بع


.. غوغل تضيف اللغة الأمازيغية لخدمة الترجمة




.. تفاصيل ومواعيد حفلات مهرجان العلمين .. منير وكايروكي وعمر خي