الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فكر التكفير

حميد المصباحي

2014 / 1 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


التكفير ليس جديدا في تاريخ الصراعات الدينية,بل هو قديم قدم العنف البشري,فحتى في المراحل السابقة على الديانات الموحدة,كان الناس يخافون من الأرواح التي تزهق,إذ اعتقد أنها تظل تطارد القاتل إلى أن تنال منه,و ليصير القتل مشروعا,اخترع المحاربون لعبة
التكفير,هربا من هوس مطاردة الأموات و القتلى لهم,فكان الفكر المسيحي مطورا لها إبان مواجهاته مع اليهودية و الوثنية,ليتحول القتل إلى طريقة لنيل رضى الله,و لم يستطع الإسلام في تأويليته لضرورة مواجهة الأعداء للتخلص من هذه النزعة,فلماذا تخلص منها الفكر المسيحي,و إلى حد ما حتى اليهودية,بينما بقيت لصيقة بالمسلمين؟
1التكفير
لم تكن فكرة التكفير تشغل بال الحضارة الإسلامية إبان أيام مجدها,فقد حاور المسلمون كل الملل و النحل,و حتى غير الدينيين لم يشكلوا حرجا لرجالات الدين عندما كانوا أهل فكر,لا يشعرون بأية عقدة ذنب أو نقص تجاه المختلفين عنهم,لكن بداية تراجع الإشعاع العلمي و الثقافي للحضارة الإسلامية,جعل قاعدة المتعلمين تضيق,لتتسع قاعدة الجمهور,فصار له رواده,ممن تمكنوا من التواصل معه,و هنا بدأت عمليات التبسيط لفهم القيم الدينية الإسلامية,و خوفا عليها من الفشل في مواجهة المختلف عنها ثقافيا و عقديا,شحن الذهن الشعبي الإسلامي,بالكره لكل مختلف عنه,فبدا الإسلام في نظر عامة الناس مهددا,مما سمح بالبحث عن مبررات التصفية لمن لا يقدسون الآثار الموروثة و المحكيات الغير ممحصة,فتمت تصفية حتى بعض المسلمين من ذوي النظر العقلي و الرؤية الموسوعية بحجة حماية الملة و الدفاع عنها بعد أن أقفلت أبواب الجهاد في وجوه السيافة و المجاهدين المستنفرين لإيمان العنف و الثغور,و لم يعدم أهل الجمود الفكري,دعاوي التحريض على التكفير,بآيات كانت سياقاتها حربية أو شبه حربية,لتتحول إلى واجب شرعي,و مبرر للتصفية الجسدية للخصوم و تصويرهم بمثابة أعداء لله و الشريعة الإسلامية,و تطورت هذه الصراعات بمسوغات سياسية,اعتبرت أن المرتد و الزنديق هو كل محاور عقلاني,أو مجادل فيما حسم فيه,فلم يكن من الغريب أن تنبعث هذه الدعوات من الجماعات التي كيفت الإسلام سياسيا في معاركها مع تجمعات مغايرة لها عقديا,فكان زعماء الإسلام السياسي,في كل من الهند و باكستان و غيرها من المناطق الإسلامية حيث وجدت أقليات غير إسلامية سباقة للتكفير,حماية لذاتها,و ممهدة لانشقاقات وطنية و طالبة باسم التضامن الإسلامي من دول النفط دعمها في معركتها ضد الكفر.
2التقتيل
إضافة لما سبق,فقد عاش المسلمون منذ أيام الخلافة,صراعات سياسية,أصبغت عليها لبوسات دينية,لجر الأتباع و حثهم على التكتل عقديا بغية إخفاء النزوعات القبلية,التي استغلت للإستقواء بالقبيلة سرا,و البحث عن دوافع زهدية تجعل المعارك دينية في عمقها,و لأن تلك المعارك خلفت جروحات غائرة في الوعي العربي الإسلامي,فقد بقيت متحكمة في الصراعات,يتم استحضارها لإخفاء المصالح,و هنا اشتدت الحاجة من جديد,لشرعنة التقتيل باسم حماية الدين الإسلامي,فكفر المسلمون بعضهم بعضا,ضربا لمشروعية الحكم و من هم على سدته,أو التشكيك في إسلامية الداعين لإسقاط الدولة المالكة لزمام الحكم,فلم يكن العنف قانونيا و إنما شرعيا بالمعنى العقدي,لتحرير الفاعلين من عقدة الذنب,بما يشكله القتل من جريمة شنعاء لا تغتفر,سماها المسلمون بالكبيرة,و احتلت كحد بديلا للجهاد ضد الأجانب,أو غير المسلمين,إنها دينامية لحفظ الوجود و التنفيس عن الشعور بالدونية تجاه الغير,و رفض لكل الأفكار التي يبشر بها حتى إن كان الداعون إليها مسلمون,ينزع عنهم هذا الإنتماء تبريرا لتصفيتهم و التخلص منهم حتى إن كانوا حملة أقلام و أفكار.
3الإفتاء
صيغة الإفتاء,تعني الحسم فيما يتطلب قولا فصلا,ليتحمل المفتي وزر فتواه,فهو إعلان للقتل و إبراء لذمة القاتل,الذي يصير مطبقا لأمر إلاهي رغم أن المفتي بالجريمة فقيه أو متبحر في أمور الشريعة,فكأنه القاضي الحاسم في النوايا,و الذي يؤسس فتواه على ما بدر من المعني من سلوكات أو أقوال,يطبق عليها قياسات أثرية حدثت في زمن الحروب,ليقدمها في صيغة قول شرعي,و بذلك يعتبر المفتي نفسه مجرد مقايس لواضح الشريعة في الردة,أو الجحود العقدي,دون أن يكلف نفسه,عناء التسؤل عمن خول له هذا الحق,في ظل التطورات التي يعرفها العالم المتمدن في التعامل مع المحكومين بالإعدام,و الصراعات التي تخوضها الإنسانية لحفظ حياة الأفراد و الجماعات,باعتبارها حقا,لا ينبغي أن تطاله المبادرات المستهترة بأرواح الناس مهما بلغت درجة الإختلاف معهم,و إلا سيكون عليه إصدار أحكام حول كل من نطق بكلمة في حق الإسلام و المسلمين,و هذه مؤشرات على إشعال فتن الصراعات الدينية أو حتى التوجهات الدينية داخل الديانة الواحدة,و هو ما لا يمكن قبوله.
4التكفير في المغرب
هذه الآلية غريبة,في التاريخ المغربي,و لم تظهر إلا نادرا,لكن الحركات الإسلامية المغربية,و بفعل تاثرها بالتقاليد السلفية المشرقية,تبحث لدعاها عن الأضواء,كمحاول لجس نبض الشارع المغربي,و كل قواه السياسية و المدنية و حتى الثقافية,و قد بلغت حد تكفير شهداء يساريين و مفكرين,و امتدت للكاتب العام لحزب الإتحاد الإشتراكي,ليبدو المفتي غيورا على القيم الشرعية الإسلامية,ليحول الصراعات السياسية بين كل من حزبي الإتحاد الإشتراكي المعارض,و العدالة و التنمية الحاكم إلى صراعات دينية,و هي لعبة غايتها عزل الإتحاد و كل قوى اليسار,في الزاوية,و ليثبت العدالة و التنمية,إلى أن لديه متطرفيه حتى خارج جمعية الإصلاح و التوحيد,الذراع الدعوي للحزب,مما يفرض على كل القوى المدنية الحداثية و اليسارية اعتبار المعركة جدية في توقيتها و أدواتها.
خلاصات
لا محيد عن مواجهة الفكر التكفيري,سياسيا و ثقافيا و حتى قانونيا,فهذه معركة توعية بخطورة استخدام الإسلام سياسيا أو التهديد به,من خلال شحن عقول الناس بمتعية العنف و اعتباره جهادا,بينما الجهاد الحقيقي,هو التخلص من براثن التخلف و الإقلاع الإقتصادي الذي لو تحقق لما وجدت هذه الأفكار الإفتائية من ينصت لها أو يعيرها انتباها.
حميد المصباحي كاتب روائي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيف عمر يبدع في تحضير جاج بالفريكة ????


.. ما تأثير وفاة رئيسي على السياسة الخارجية الإيرانية؟ • فرانس




.. كيف سقطت مروحية الرئيس الإيراني رئيسي؟ وما سبب تحطمها؟


.. كيف حولت أميركا طائرات إيران إلى -نعوش طائرة-؟




.. بعد مقتل رئيسي.. كيف أثرت العقوبات الأميركية على قطاع الطيرا