الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التناص الأسطوري في نص حضرة الغياب لمحمود درويش

زيد مظفر الحلي

2014 / 1 / 7
الادب والفن


ربما تناص الشاعر من الأسطورة ليس للهروب من الواقع أو أعادة الإبهام وإنما الشعراء يكتبون أساطيرهم من خلال اندماج نصي وتبادل ادوار بين المعنى المحنط في الأسطورة وتثويرها المتجدد في القصيدة فهناك ثمة توالج بين عناصر التراب وجوارح الشاعر , بين جذوة الشعر ورماد الأسطورة , واتحاد صوفي , أولي , يصل لحد الفطرة والسذاجة الطرية (غير البلهاء) وغالبا ما يدخل الشعراء تلك العناصر الأولية المؤسطرة في دواخلهم السحرية , ويبنونها في أقفاص إقامتهم اللاواعية ليطلقونها كالحمام في فضاء مخيلاتهم المبدعة .
تتضح الأبعاد الأسطورية في النص كثيرا , فهذا النص أشبه بالعودة إلى الوراء بضع خطوات , ليسافر في زمن الملحمة وإبعادها الرمزية التراجيدية , على اعتبار إنّ الملحمة مازالت تعتبر الأرض المشتركة التي ينطلق منها الأديب لإعادة بناء الواقع من جديد بدلا من الغنائية المفعمة بالرشاد أو البكاء , وإنما أعادة محاولة الكشف عن التراث ليعيد إلى الحياة الرؤى المستقبلية للحياة , وهذا النص بكل أبعادة الملحمية والتراجيدية فهو يعتمد على النص الجلجامشي السومري , تحديدا من ناحية البناء . مع مزاوجة بين النص السومري والرحلة الشاقة والمظلمة للشعب الفلسطيني الذي يبدو هو الآخر قد ركب بعيره ولا يعلم من هذه الرحلة شيء فإذا كان جلجامش عالم برحلته فان هذا الشعب لا يعلم من رحلته شيء سوى الاغتصاب والذكرى المؤلمة (المنولوج).
والنص يحمل في بنيته مزاوجة بين السرد والشعر , فان نص محمود درويش ينهض بدوره على فعل السرد وفي لحظة درامية قدرية متشابهة , ونعني قدرية : صراع البطل أو البشر مع القوى الغامضة الخفية والمصائر التي ستنجم عن هذا الصراع الغير متكافئ في زم واضح معلوم , هو الزمن الحديث , وليس زمن الملاحم والأساطير , ولكنهه يشبهه كل الشبه من حيث منطق القوة وممارسة العنف .
تبدأ سيرة الشاعر الملحمية من افتراقهما:((ولنذهبنَّ معا أنا وأنت في مسارين: أنت إلى حياة ثانية , وعدتك بها اللغة , في قارئ قد ينجو من سقوط نيزك على الأرض . وأنا إلى موعد أرجأته أكثر من مرة , مع موت وعدته بكأس نبيذ أحمر في أحدى القصائد . فليس على الشاعر من حرج إن كذب . وهو لا يكذب ؛ لأن أقاليم القلب مفتوحة للغزو الفاتن))
فكما إن جلجامش افترق عن صاحبه انكيدوا بسبب لدغة الأفعى , وأدت به إلى الموت وذهب برحلته الخلودية للبحث عن الأمل والدواء .
فكذلك بدأ درويش رحلته الافتراقية , فصاحبه ذهب إلى اللغة التي وعد بها , وهو بدأ برحلته المرجأ مع الموت . ولم يقتصر درويش على المحاكاة التراجيدية للبناء الملحمي السومري وإنّما أدخل صوت معها هو صوت المعتقدات الدينية متداخلة مع التناص الأسطوري وهو ((كأس النبيذ الأحمر)) ربما يحصل عليه أن أخذه الموت .
لذلك عمل درويش على إذابة النص الأسطوري وعمل نص حكائي جديد يوازي النص الجلجامشي .
فكما تسأل جلجامش عن سبب رحلته ولم الرحيل ؟ وإلى أي طريق يمكن أن يهتدي إليه كذلك تسأل درويش((فماذا تفعل في هذا الخلاء الكامل لو نقصت هذه القافلة الصغيرة ؟ ومن أية جهة تنجو , وماذا تفعل بنجاتك؟ إلى أين تأخذها وأنت لا تعرف أيّ طريق؟ ))
نرى إن درويش قد باكر في أمر الرحلة وهو لا زال صغيرا , لأنها ستقوده حتما إلى مخاطرة الموت ((لم تفكر في موتك أنت , فما زلت صغيراً على هذه التجربة إذ لم تدرك بعد أن بمقدور الصغار أن يموتوا ))
فكما إن جلجامش السومري يود الرحلة ليكتشف , لعله يصل إلى سر من أسرار الخلود , فكذلك جلجامش الكنعاني أراد أن يرحل ليكتشف مخاطر الرحلة ويتعرف إلى الطريق الذي سوف يسلكه ...
إلى أين تسعى يا جلجامش؟
أنَّ الحياة التي تبغي لن تجد
حينما خلقت الآلهة البشر قدرت الموت على البشرية
واستأثرت هي بالحياة
إما أنت يا جلجامش .... فكن فرحا مبتهجاً نهار مساء
وأقم الأفراح في كل يوم من أيامك
نرى جلجامش عاش حياته , وانطلق لرحلة الخلود , وكذلك الشاعر جاف وانطلق في رحلتهِ .
في المشهد الثامن من النص ينحسر صوت جلجامش ويطغى صوت (أوليس) يتساءل في هذه الرحلة من يكون صاحب الرحلة أهو (أوليس اليوناني) أم (أوليس الكنعاني) :
(( أنت في هذه الرحلة , أشاعر طروادي نجا من المذبحة سيروي ما حدث أم خليط منه ومن إغريقي ظلّ طريق العودة ؟ إنَّ فتنة الأسطورة تجعلك نهباً لانتقاء الاستعارات ... فخذ منها ما يصلح لصعود النشيد إلى ختام آخر لا يتسع لصوت الضحية الطروادي المفقود , ولعجز النصر الإغريقي عن إعادة الشباب إلى المحارب الذي شاخ في ثنائية البيت والطريق )).
لا مناص من كون التشابه بين الشخصيتين واضح جدا فالشخص الكنعاني قد سافر ولم يهدِ إلى الطريق بسبب أسطورة الأرض المعهودة التي ذابت في النص لتكون الباعث على التشابه بين النصين , وهذا جعله يقوم بالرحلة , ويتمنى العودة إلى حضن الأم الأرض , والبيت , والعالم السحري , ومكوناته أرضه وسمائه وثعالبه وديوكه وزيتونه ومقدساته . كذلك اليوناني بعدما نجح في مهمته من كسر طود طروادة إلا انه ظل طريق العودة إلى أرضه وزوجته التي فتك بها الخطاب وابنه الذي رحل للبحث عنه بمساعدة الآلهة اثنا ليعثر على أباه الملك والمنقذ من وحشية الخطاب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??