الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحرير العقل والعودة للبدهيات

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2014 / 1 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


نندهش حين نكتشف أن الإبداع الفكرى أو السياسى يبدأ بالعودة الى البدهيات، فالعقل التابع لا يبدع بل يقلد غيره، وبالتالى يستهلك دون أن ينتج، هذه بديهية تغيب عن عقولنا، فإذا بجميع أفكارنا منقولة عن الآخرين، ليس فقط فى مجالات الطب والفضاء والفيزياء والكيمياء بل أيضا فى علوم السياسة والاقتصاد والاجتماع والقانون والفلسفة والتاريخ.
دأب الاستعمار الأوروبى على اعتبار مفكرى اليونان القديم هم أول من بدأ الفلسفة فى العالم، متجاهلين فلسفة مصر القديمة، التى أنتجت (بعقول نسائها ورجالها) أول حضارة فى التاريخ، وأول علوم الطب والهندسة والقانون والعدل، توقف العقل المصرى عن الإبداع والانتاج منذ وقع الشعب المصرى تحت سطوة الاستعمار الخارجى والحكومات الداخلية التابعة له، والتى أخضعت العقل المصرى، بالتربية والتعليم منذ الطفولة، لقانون الطاعة العمياء للسلطة المطلقة الأرضية والسماوية لم يتحرر العقل الأوروبى (والأمريكى) الا بالثورات الشعبية التى قام بها النساء والرجال المقهورون والمقهورات، وأصبحوا قادرين على الابداع بعد التحرر من سجن الدولة الدينية.
لم ينجح العقل المصرى رغم ثوراته المتكررة فى الخروج من هذا السجن، وأصبح مستهلكا لنظريات أوروبا وأمريكا العلمية والفنية وأدواتهم، مما يوضح التناقضات المنتشرة فى بلادنا بين بعض المفكرين، مثل أستاذ جامعى مصرى يؤمن بالماركسية اللينينية ويعلق فى أذنيه سماعة أمريكية ويتزوج ثلاث أو أربع نساء تبعا لشرع الله، وعميدة فى الجامعة متخصصة فى علوم الفضاء تعتبر رأسها عورة وتخفيه بالحجاب، ورئيس حزب ليبرالى ديمقراطى، يتمسك بمادة دستورية تنص على الدولة الدينية تحت اسم التوفيق والوفاق، وزعيم حزب شيوعى يدعم اقتصاد السوق الحرة ويعارض القيود عليها من الدولة خوفا من الاتهام بالدكتاتورية أو انتهاك الديمقراطية، من البدهى أن الانسان المستقل (غير التابع لمذهب أو نظرية) لا يقع فى هذا التناقض والازدواجية، فقدت أغلب البلاد استقلالها الفكرى والسياسى بسبب الأزمات الاقتصادية التى اجتاحت العالم، وفشلت الثورات الشعبية فى التخلص من النظم الرأسمالية الأبوية الدينية التى يدعمها الاستعمار الجديد والقديم، وتفكك الاتحاد السوفيتى ومعه الفكر الاشتراكى فأصبحت الرأسمالية هى السائدة حتى فى روسيا والصين الشيوعية، ارتبطت السيطرة الرأسمالية العالمية بفكرة أمريكية خادعة عن الحرية الشيوعية، موروثة عن الاستعمار الأوروبى، تختزل الديمقراطية فى السوق الحرة والانتخابات الحرة.
فشلت الاثنتان (السوق الحرة والانتخابات الحرة) فى تحقيق الحرية والعدالة والكرامة لأغلب شعوب العالم، لسبب بدهيى هو أن السوق الحرة يحكمها قانون القوة، وليس العدل، وتقوم الحرية فيها على حرية الربح والتنافس والخداع التجارى، مما أدى إلى اتساع الهوة بين الأثرياء والفقراء، وأصبح 1% من الشعوب يملكون 99% من ثروة العالم وسلاحه واعلامه، وفى هذا القرن الحادى والعشرون هبت الثورات الشعبية فى أغلب البلاد (بما فيها أمريكا وأوروبا) ضد الفقر المدقع والبطالة المتزايدة والحروب العسكرية والفتن الطائفية والتجسس والقمع والخداع الإعلامى. هذه الثورات تم اجهاضها بالقمع البوليسى فى كل البلاد بما فيها أمريكا، وانتصرت الرأسمالية الأبوية الدينية رغم قهرها للشعوب كافة.
فى بلادنا نشهد حرائق ودماء تراق كل يوم، فشلت الثورة المصرية على مدى ثلاث سنوات فى تحقيق أهدافها من الحرية والعدالة والكرامة والمساواة للجميع بصرف النظر عن الجنس أو الدين أو الطبقة، تعاون الاستعمار الامريكى الاوروبى الاسرائيلى مع الحكومات المصرية المتتالية منذ يناير 2011 فى اجهاض الثورة وتدعيم الاخوان المسلمين، والتيارات الدينية الارهابية بما فيها تنظيم القاعدة، بهدف إضعاف مصر وتقسيمها طائفيا، كما يحدث فى العراق وليبيا وسوريا ولبنان واليمن والسودان، أملا فى إخضاع المنطقة كلها، والاستيلاء على ثرواتها تحت الارض وفوقها.
لن تحرر بلادنا من هذا الكابوس الا بتحرير عقولنا من سجن التبعية لأكذوبة السوق الحرة والانتخابات الحرة والدولة الدينية والتنمية القائمة على المعونات.
أن نعيد الثقة بعقولنا القادرة على الابداع والانتاج فى جميع المجالات، والتحرر الكامل من التبعية لأمريكا على الأخص برنامجها للديمقراطية. الحكومة الامريكية أعلنت (أوائل يناير 2014) عن تقليص المعونة التى تدفعها لمصر لما تسميه برامج الديمقراطية، وتغيب البدهيات عن عقولنا ونصدق أنها تدفع لنا لتدعمنا ضدها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اين الحل ؟
د.قاسم الجلبي ( 2014 / 1 / 8 - 13:57 )
سيدتي اقرىء اكثر مقالاتك هنا في الحوار المتمدن والنتيجه انا اتراوح مع هذه المقالات صعودا ونزولا ولا يمكنني ان استقر على اي مبداء ومفاهيهم منها اي ايهما الصحيح او الخطىء , محمد علي باشا اول من فتح البعثات العلميه بارسال الشباب اصحاب العقول النيره المتفتحه على العلم لدول اوربا وامريكا وهؤلاء الشباب تأثروا بهذه الدول وبشكل من الآ{ستزاده بالعلوم المختلفه وجاؤا بها الى بادهم من اجل خدمته وايصاله الى مستوى من التقدم والآزدهار. ان العلوم والاراء تتطور بالمناقشه والآحتكاك الى ان نصل الى الحقائق العلميه ولولا هذا المبدىء من الاحتكاك لاصاب العلوم جميعها الضعف والوهن والاندثار , الفلسفه الاشتراكيه الماركيسيه هي ام العلوم الآقتصاديه المنقذ الوحيد لفقراء وكادحي وعمال العالم وهي الفلسفه الوحيده التي تدعو الى ايقاف استغلال قوت العمال والكادحين من البرجوازيات الوطنيه وهي التي تدعوا الشعوب بالتحرر والانعتاق من الراسماليه المتوحشه , مع التقدير للكاتبه المتنوره .

اخر الافلام

.. دروس الدور الأول للانتخابات التشريعية : ماكرون خسر الرهان


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات اقتحام قوات الاحتلال في مخيم ن




.. اضطراب التأخر عن المواعيد.. مرض يعاني منه من يتأخرون دوما


.. أخبار الصباح | هل -التعايش- بين الرئيس والحكومة سابقة في فرن




.. إعلام إسرائيلي: إعلان نهاية الحرب بصورتها الحالية خلال 10 أي