الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من قتل أصدقائي؟

رحمة البلدي

2014 / 1 / 8
الادب والفن


محمد حسين بهنس الروائي والشاعر والفنان التشكيلي السوداني، عُثِرَ عليه جائعا متجمدا من البرد فوق رصيف وسط القاهرة، توفي فجر يوم الخميس 19 ديسمبر 2013. لا نعلم سوى القليل عن حياته، لكن الثابت أن الفن قتله فعلا. الأكيد أنّه عاش غريبا ومات غريبا، فطوبى للغرباء. صعدت روحه للسماء مستنكرة، قلقة، متحيرة من مصير أمثاله. ما أكثرهم وما أروعهم.
انتحر همنغواي وماياكوفسكي وداليدا. أُعدم لوركا وميرابو والدغباجي. استشهدت دلال المغربي واغتيل شكري بلعيد. تركت سالومي نيتشه. اعتزلت سعاد حسني وشارلي شابلن. أفكّر الآن في سيلفيا بلاث التي حضّرت طعاما لأولادها و دخلت المطبخ وأغلقت بابه جيدا ثم انتحرت بالغاز. أتعلمون أنّي لازلت أحتفظ في خزانتي ببقايا كبد يوكيو ميشيما وأنّي أحضّر، كل مساء، شربة العدس لفاليجو الذي مات جوعا في أزقّة باريس؟ ألا تتساءلون مثلي لماذا لم يتكلّم عزرا باوند طيلة ثلاث عشرة سنة وهو مسجون في مصحة للأمراض العقلية؟ سرّا أخبركم، أنّي من وضعت السمّ لتوماس شاترون ومكسيم غوركي. حتّى أنّي من حفرت لجان دمّو قبرا عموديّا، لا لشيء إلاّ ليسع ضيق أحلامه.
أيرحل كل هؤلاء وتبقى "الأشياء"؟ "أشياء" لها زعانف وساق واحدة ورأس بأربع عيون. تعرق أدبارها النتنة من كتابة التقارير والكذب والحسد والكيد. تحتلّ هذه "الأشياء" الواجهة وتسيطر على المشهد العام. تلتف حولها الأفاعي والخنازير والغربان والقرود والثعالب والضباع. تنتفخ كروشهم وتكبر أردافهم وتقصر أُيورهم. "أشياء" تضحك حين تطلق الرصاص وعندما تسرق الأبرياء و حتّى حين تفرّق بين العشّاق. هؤلاء "الأشياء" هم أبناء غير شرعيين لأحلامنا وحضيضنا. كلّ شيء ناقص فيهم. لم يتركوا لذة إلاّ اقتنصوها، ولا امرأة إلاّ اصطادوها.
أصدقائي، من أحفظ سرّهم، يكرهون الظهور على الشاشة، فهي أقلّ منهم، أصغر من طاقاتهم. الحياة لم تحتمل جموحهم. وأنا طفلة، كنت أتخيل أنّ أصدقائي يخرجون من الشاشة والنوتات والأوراق الصفراء ويجففون دموعي بعد أن تضربني أمي، بينما أنا واثقة أنّ أمي ذاتها كانت تتخيل أنّهم يخرجون ليساعدوها في غسيل كومة الملابس التي تنتظر كجبل صغير في الحمّام. كان بهنس معهم، أذكر جيّدا جلده اللاّمع. بهنس يا سيد الجنون المحكوم والحزن الرزين. أيها الراهب الوحيد الذي عاش معتزلا الناس والحياة، أنا أحبك. أحبك بقدر ما كان فيك من ألم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موسيقى وأجواء بهجة في أول أيام العام الدراسى بجامعة القاهرة


.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد




.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم


.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?




.. لعبة الافلام الأليفة مع أبطال فيلم البحث عن منفذ لخروج السيد