الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة العبيد .... ضد الحرية !

كريم عامر

2005 / 6 / 18
حقوق الانسان


عندما ترد إلى الذهن مفردة " ثورة " فإنها تجلب معها كافة المعانى المؤدية إلى رفض الطغيان والتمرد على الظلم والمواجهة العنيفة للإستبداد والتضحية بكل غال ونفيس من أجل الحصول على الحرية التى يفتقدها من يتعرض لصور الظلم المختلفة وضروب الإستبداد المتنوعة .
وعندما تضاف هذه الكلمة إلى " العبيد " فإنها تعمل على تأكيد المعانى سالفة الذكر حيث أن العبيد هم أكثر الفئات تعرضا للظلم ووقوعا تحت طائلة الطغيان ومعاناة من إستبداد سادتهم الذين يتعاملون معهم على أنهم بشر غير كمل بسبب إسترقاقهم وعبوديتهم .
وبالتالى فإنه عندما يسند فعل " الثورة إلى " العبيد " فإنه يفهم على الفور الغرض المرجو تحقيقه منها وهو الحصول على الحرية التى يتمتع بها غيرهم من البشر والتى إفتقدوها عندما سلبها مالكيهم إياها ، وتعاملوا معهم كتعاملهم مع سائر ممتلكاتهم الأخرى .
ولكن عندما يصدر عن فئة " العبيد " فعل " الثورة " ضد " الحرية " فهذا يدل على التناقض الشديد واللامعقولية الغير متناهية التى وصل اليها الفكر الإنسانى فى مراحله المتأخرة ، والذى دفع بعض الناس الى الثورة - لا إردايا - ضد مايرغبون فيه وهم فى كامل وعيهم .
فعندما يثور الإنسان لا إراديا ضد حقه فى الحصول على أغلى مايمكنه تملكه ، يتطلب هذا الأمر وقفة مع الجانب النفسى فى حياة هؤلاء العبيد الذين يعشقون التبعية ويهوون التمرغ فى تراب أقدام سادتهم .
بادىء ذى بدء ، لا بد من التأكيد على أن الحرية هى أثمن مايمكن أن يمتلكه الإنسان ، ومما لا شك فيه أن الإنسان لا يعرف القيمة الحقيقية للأشياء إلا إذا إفتقدها ، ومما لا يختلف بصدده أحد أن العبيد تنقصهم الحرية التى يتمتع بها غيرهم من البشر مما يعيقهم عن ممارسة الحياة بصورة طبيعية سوية ، وبالتالى فهم يشعرون بحاجتهم الماسة إليها وينظرون إلى غيرهم من الأحرار نظرة حسد تحمل فى طياتها تمنى الحصول على هذه القيمة المعنوية التى لاتقدر بثمن .
أعتقد ان هذه هى طبيعة العبيد ، وهم يستشعرون مدى النقص فى هذا الجانب الهام من حياتهم الذى قد لايحتاجون اليه كضرورة مسببة للحياة ، ولكنهم يريدونه وتهواه نفوسهم وتهفو إلى الحصول عليه قلوبهم .
إذن .. فالحرية إرادة ورغبة وليست حاجة أو ضرورة ، وبالتالى قد لايعيرها البعض إهتماما إذا شعر أن سعيه إلى نوالها قد يمثل خطرا على حياته ويوجه جل إهتمامه إلى مايحفظ له حياته ، إذ أن الحرية تمثل أغلى مايمكن أن يحوزه الإنسان فى حياته ، ولكن الحياة - فى حد ذاتها - تمثل قيمة لا يمكن مقارنتها .
وقد يفكر الإنسان بشكل جدى فى الحصول على الحرية ويسعى جاهدا للفوز بها ، وقد يقدم الحصول على حريته على سائر المكاسب المادية الأخرى التى قد توفر له حياة يصفها البعض بالـ " كريمة " ، وأحيانا يفضل الموت على العبودية .
هذا إذا كان الحديث بصدد الإنسان الطبيعى الفطرى الذى لم يتعرض لتدخل القوى والأفكار المعادية للطبيعة البشرية ولم تتمكن هذه القوى - بعد - من طمس هويته التى إكتسبها كغيره من البشر عندما ولدته أمه حرا قبيل أن يتعرض للإستعباد عن طريق آخرين .
أما إذا كان الحديث بصدد من نجحت القوى والأفكار المعادية للطبيعة والمناهضة للإنسانية فى تحويلهم إلى مسوخ تشبه البشر شكلا وتخالفهم مضمونا ، فإن هذا يستلزم تناول الحالة النفسية لهؤلاء البشر الشواذ عن الطبيعة والمخالفين للفطرة .
فالعبد هو الذى يستعذب إذلال من دونه ويتلذذ بإيلامهم وتغلبه مشاعر النشوة والإرتياح عندما يجد غيره يعانى الذل والقهر والهوان .
ربما يعترض على البعض بحجة أن العبيد هم الذين يقع عليهم فعل الإذلال والإيلام والتعذيب والقهر والإهانة ، وربما يظن البعض أننى أخطأت - عن غير قصد - وعنيت بصاحب الصفات سالفة الذكر " السيد " الذى يمتلك " العبد " وليس " العبد " الذى يمتلكه " السيد " .
ولكن الحقيقة التى تؤكد نفسها هى أن " العبد " و "السيد " ماهما إلا وجهين لعملة واحدة ، يعبران عن شخصية فرد واحد وهذا ماسأحاول توضيحه قدر المستطاع فيما يلى :
فالعبد يتعرض للإذلال من قوى أكبر منه ويقاسى الذل والهوان نتيجة وقوعه تحت سطوتها وخضوعه التام لسيطرتها ، وحيث أن هذا الفعل القاسى - طبقا لقوانين الطبيعة - يتطلب رد فعل تجاه مصدره ، وحيث أن العبد لا يستطيع مقاومة هذه القوى - مصدر الفعل - وتوجيه رد فعله نحوها فإن رد الفعل هذا ينحرف ليتخذ إتجاها عكسيا يبحث من خلاله العبد عن من هو أقل منه فى القوة لكى يوجه رد الفعل هذا نحوه ، وهنا تتعقد العلاقة لتضيف إلى أطرافها عناصر جديدة كلها تخضع ( بفتح التاء والضاد ) وتخضع ( بضم التاء وكسر الضاد ) وتذل ( بضم التاء وكسر الذال ) وتذل ( بضم التاء وفتح الذال ) وتستبد ويستبد بها .
ومع الإعتياد على هذا الوضع الشاذ يصبح كل طرف من أطراف هذه العلاقات راض عما يتعرض له من إذلال من قوى أكبر منه ، ويعتاد الجميع على أوضاعهم المخزية ويصبح الشذوذ طبيعة وتنقلب الطبيعة - فى نظرهم - لتصبح شذوذا وخروجا عن المألوف .
إذن .. فنحن بصدد علاقات سادومازوكية ، كل طرف من أطرافها يؤلم ويتألم والكل راض عن قدره مؤمن بأن هذا مصيره الذى لافكاك ولا مناص منه .
وعندما نحاول قياس هذه الصفات على بعض النماذج البشرية التى نعايشها فى حياتنا اليومية ستصدمنا النتائج لأننا سنجد أن الكثيرين ممن يشاركوننا الحياة فى مجتمعاتنا تنطبق عليهم هذه الصفات الغير سوية والتى تعبر عن خروج عن المألوف فطريا وشذوذ فى التفكير وحرب صريحة ومعلنة على الطبيعة .
فعندما تطالب النساء فى العراق وفى الأردن بسن قوانين تبيح للأزواج ضرب زوجاتهن دون أن يشكل هذا أدنى مسؤلية على الأزواج .... وعندما تساعد هؤلاء النسوة الرجل على ممارسة كافة أساليب القمع والمنع تجاه أخواتهن من النساء بدلا من أن يتضامن معا فى وجه الطغيان الذكورى المستشرى فى المجتمعات العربية ... اليست هذه العلاقة بين المرأة التى تطالب بالحماية القانونية للرجل الذى يعتدى عليها ، وتساعده فى إضطهاد غيرها من النساء وبين الرجل المتسلط المستبد نوعا من السادومازوكية التى أشرت إليها آنفا ؟!
وعندما يقبل البعض على تجشم عناء السفر إلى دول الخليج للعمل فيها بنظام " الكفالة " الذى هو أقرب الشبه بالرق فى العصور الوسطى ، متحاملين على أنفسهم راضين بالتعسف والإذلال والقهر الذى يتعرضون له عن طريق الكفيل الذى أتاح لهم العمل فى هذه البلاد فى مقابل مالى ضخم يقتطع من رواتبهم الضئيلة بمقياس رواتب العاملين من أهل هذه البلاد ، وهم فى الوقت ذاته يحاولون بشتى الطرق الإحتفاظ بأعمالهم حتى ولو كان على حساب زملائهم فى العمل ، فهم دائمو الوشاية بهم عند أرباب الأعمال لأتفه الأسباب ولأيسر التجاوزات .
وعندما تقبل بعض النساء - بناء على نصائح وفتاوى بعض المتطرفين - على مساعدة أزواجهن فى أن يتزوجوا عليهن ، بل والسماح لهم باستقدام زوجاتهم الأخريات للإقامة معها فى منزلها ( أى يقيم مع أزواجه جميعا فى منزل واحد ) ، وهى فى الأصل تعانى من عدم الرضا نتيجة البرود الجنسى الذى تعانيه جراء ختانها وهى صغيرة ، وفى الوقت ذاته تعانى من الإضطهاد الإجتماعى لها بوصفها إمرأة .
وعندما تقبل النساء على ختان بناتهن بالقوة وهن صغار مع علمهن بخطورة هذه الممارسة الإجرامية علما يقينيا ناتجا عن تجربتهن الذاتية التى أورثتهن مشاكل نفسية وعضوية وجنسية ، وحولتهن إلى مجرد آلات يمارس الجنس معهن دون أن يشعرن فيه بأدنى لذة أو متعة كالتى يشعر بها الأزواج وهم يغتصبونهن فوق فرشهم .
أليست كل هذه النماذج السالفة الذكر تعبر عن مدى الإنحطاط المتوارث فى الفكر والإذدواجية الأخلاقية التى ألفها الجميع والتى وصلوا إليها فى العصر الذى يتقدم فيه الجميع خطوات واسعة إلى الأمام نتيجة إعتمادهم على عقولهم فى تسيير أمور حياتهم ، باستثنائنا - نحن - الذين لا نزال نعتمد على الجوامد من النصوص الدينية والعادات البالية والتقاليد المتخلفة التى نوقن ونعتقد فى قرارة أنفسنا أنها شر .... ولكن لا بد منه ! ، وكأس مر ..... ولكن لا بد أن نتجرعه ! .

عبدالكريم نبيل سليمان
17 / 6 / 2005
الإسكندرية / مصر









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا تحطم الرقم القياسي في عدد المهاجرين غير النظاميين م


.. #أخبار_الصباح | مبادرة لتوزيع الخبز مجانا على النازحين في رف




.. تونس.. مؤتمر لمنظمات مدنية في الذكرى 47 لتأسيس رابطة حقوق ال


.. اعتقالات واغتيالات واعتداءات جنسية.. صحفيو السودان بين -الجي




.. المئات يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة بإقالة نتنياهو ويؤكدون: