الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اتفاق جنيڤ-;-2 شرّ لا بدّ منه ، ومحطّة لكشف النوايا والأوراق

محمود جديد

2014 / 1 / 9
مواضيع وابحاث سياسية



اتفاق جنيڤ-;-2 شرّ لا بدّ منه ، ومحطّة لكشف النوايا والأوراق 
                                         محمود جديد 
- يبدو أنّ عقد مؤتمر جنيڤ-;-2 في 22 ك2 / يناير / 2014 أصبح شبه مؤكّد ، ورعاته  يواصلون تأمين متطلّباته ، (وربّما يؤجّل لفترة قصيرة )   .. والمعارضون له يصعّدون انتقاداتهم وتخوّفاتهم من أهدافه ونتائجه المحتملة .. وفي الوقت نفسه ، فإنّ حالة الاستعصاء الدامي المدمّر المستمرّ هي الطابع العامّ الملموس لكلّ ذي بصيرة .. ووهم الانتصار العسكري لدى كلّ من  الطرفين  يشكّل وقوداً جديداً للنار المشتعلة في سورية التي تحرق الأخضر واليابس .. ومن ناحية أخرى ، فإنّ الشكوك بنوايا رعاة المؤتمر ومنضجي مقرّراته المحتملة ترتكز إلى  دروس وعبر التاريخ التي علّمتنا بأنّ الدول الكبرى لا تعمل شيئاً لوجه الله ، وإنّما تسعى لتحقيق مصالحها الخاصّة قبل كلّ شيء ، والتي قد لا تنسجم مع مصالح الشعوب في غالب الأحيان ، وخاصّة في المحطّات الاستراتيجية التي تترك انعكاسات بالغة الأهمية على الوضع الدولي .. ولهذا يتساءل البعض ، وهو محقّ في تساؤلاته : هل يمكن أنْ تقدّم أمريكا وترعى حلولاً وطنية في سوريّة ؟ أم أنّ هدفها الأساسي هو تحقيق مصالحها ومصالح الكيان الإسرائيلي ؟ .. وهل يمكن لروسيا أنْ ترمي بثقلها وراء أيّ حلّ لا يخدم استراتيجيتها وأمنها القومي ، أو أنْ تتخلّى عن نظام ترى فيه أفضل مَنْ يرعى مصالحها في سوريّة والمنطقة ، ويُبعِد عنها ولو مؤقّتاً مخاطر المدّ ( الجهادي ) ؟ ...كما أنّ البعض يحاول التقليل من أهمّية مؤتمر جنيڤ-;-2 مبرّراً ذلك بعجز هذا المنتدى الدولي عن فرض أيّ حلّ قد يتمخّض عنه  .. 
  هذه وغيرها ، تساؤلات مشروعة ، ولكن هل يستطيع أصحابها تقديم حلول بديلة توقف مسلسل الدمار والخراب والقتل والذبح والبراميل المتفجّرة والسيارات المفخّخة ، والعمليات الانتحاريّة بعد أن تعقّدت وتشابكت وتداخلت الأوضاع في سوريّة داخليّاً وعربيّاً وإقليميّاً ودوليّاً فوصلنا إلى مرحلة الصوملة ،وشهدنا بعض فصول الحرب الأهلية .....  
لقد مرّ حوالي ثلاث سنوات على اندلاع الانتفاضة الشعبية التي غُدِرَ بها ، وحُرِفَت عن مسارها ، وشُوٍهَت ، وتمّ احتواؤها وإيصالها إلى حرب مجنونة ، وذلك نتيجة أسباب عديدة في مقدّمتهاالعنف الذي  بدأه النظام من خلال اعتماده الحلّ الأمني العسكري ، والردّ المسلّح الخاطئ من قبل أطراف معيّنة داخل الصفّ المعارض . وأدّى استمرار هذا النهج المزدوج إلى تدمير البنية الاقتصادية وإلحاق أفدح الضرر بالأوضاع الاجتماعية والمعنويه والنفسية  في سورية  ، فبيانات الأمم المتحدة تشير إلى أنّ عدد النازحين والمهجّرين في عام 2013 بلغ عشرة أضعافه في عام 2012ووصل إلى مايزيد عن ستّة ملايين ، كما أنّ مستوى العنف قد تصاعد عشر مرّات منذ  عام 2011 حتى وصل إلى معدّل 200 ضحيّة في اليوم ( 73000 في عام 2013 ) ...  وإذا استمر تصاعده بهذه الوتيرة فقد يصل حسب تقديرنا إلى الألف في اليوم في عام 2014.. وقد بلغت حصيلة الضحايا مائة وثلاثين ألفاً  ، ونصف مليون جريح ، هذا بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المعتقلين والمخطوفين والمفقودين وهناك احصائيات من بنك بيبلوس تشير إلى آنّ 75٪-;- من طاقة المجمّعات الصناعية في مدينتي حلب ودمشق قد توقّفت عن العمل .. وتراجع انتاج القمح في عام 2013 بنسبة 80٪-;- ، والشعير بنسبة 85٪-;- ، وتوقّف انتاج النفط .. ووصل مستوى التضخّم إلى 58،2٪-;- .. وتراجع الاحتياطي من العملات الصعبة من 18 مليار دولار إلى ملياري دولار ، وأصبح الاقتصاد السوري برمّته تحت رحمة القروض الإئتمانية الإيرانية. والروسية ..الخ ...
 هذا غيض من فيض من المأساة الناجمة عن ممارسة العنف في سوريّة وما رافقه من معاناة مريرة للمواطنين السوريين الأبرياء حتى وصلت إلى مرحلة الموت جوعاً ( مخيّم اليرموك مثالاً )   ...بعد هذا كلّه ، ألا يجدر بكلّ الأطراف المعنيّة أن تختبر  طريق الحلّ السياسي ، وتطبيق ما ورد في اتفاق جنيڤ-;-1 المقرّ في منتصف عام 2012 ، والمعتمد من قبل  مجلس الأمن بإدراجه ضمن قراره الخاص بالكيماوي السوري .. فنقاطه المتوازنة المدروسة بعناية تشكّل وصفة صحيحة للأزمة السورية عند توفّر الإرادة الجادّة والنوايا الصادقة من كافّة تلك الأطراف  ، والعودة إلى الشعب ليقول كلمته من خلال انتخابات تشريعية ورئاسية في ظلّ ضمانات ورعاية دولية جادّة  ... ( سألقي الضوء على تلك النقاط في مقال مستقلّ ) .. وعلى كلّ حال ، فإذا لم يحقّق مؤتمر جنيڤ-;-2 الثمار المرجوّة منه فإنّه سيشكّل محطة هامّة لكشف النوايا والأوراق ، من أبرزها : 
ا - جلاء الموقف الحقيقي لراعيي المؤتمر ( أمريكا ، روسيا ) ، ومدى عمق وثبات تفاهمهما وجدّيته لحل المشاكل الدولية ، ونوايا كلّ منهما تجاه مضمون الحلّ السياسي وتفاصيله ، وعقده ، وفهمهما وتفسيرهما لبنود اتفاق جنيڤ-;-1 ، وخاصّة فيمايتعلّق بالمرحلة الانتقالية ودور بشّار الأسد فيها ... وينسحب الأمر أيضاً على الدول العربية والإقليمية ، وعلى الخصوص كلّ من السعودية وإيران وتركيّا ، وسيكشف الأطراف المصمّمة على استمرار دعم العنف والبطش  والإرهاب في سوريّة ، أو التي ستستجيب لمتطلّبات وشروط الحلّ السياسي .
ب - وضع النظام السوري في مواجهة الحقيقة ومتطلّبات الحلّ السياسي دون لفّ أو دوران ومناورة ، ومراهنات على خلافات وتخبّط بعض أطراف  المعارضة السورية لحجب وإخفاء مواقفه ، لأنّه سيكون مضطّراً لكشف أوراقه ، وتحديد السقف الذي سيقبل به ، ومدى جدّيته في الاعتراف الرسمي بالمعارضة ومشاركتها الفعلية في المرحلة الانتقالية ...الخ
ومن جهة أخرى ، فإنّ انعقاد المؤتمر سيشجّع أنصار الحلّ السياسي داخل تركيبة النظام على رفع أصواتهم ضدّ التيّار المتشدّد الدموي الذي دفع منذ البداية باتجاه الحلّ الأمني - العسكري ، وارتكب جريمة الدفع بالبلاد نحو الهاوية ..  
ج - سيؤدّي إلى إجراء فرز واضح بين أطراف المعارضة بناءًعلى الموقف من مؤتمر جنيڤ-;- والحل السياسي ، وقد ينجم عن ذلك انشقاقات في التشكيلات السياسية ، وظهور تحالفات جديدة .. وينسحب الموضوع على الفصائل والمحموعات المسلّحة والاصطفافات والتموضعات داخلها ، وفيما بينها .. كما سيساعد على عزل المجموعات الوافدة بمختلف تسمياتها ، ويقلّص دائرة الحاضنة الشعبية لها ، ويُبطئ عمليّة رفدها بعناصر جديدة .. وهذا كلّه ، سيساعد على إنقاص العنف في بعض المناطق ، وزيادته في مناطق أخرى بشكلٍ يتناسب طردا مع قوّة وضعف المجموعات المتشدّدة المتواجدة فيها وشراسة وبطش النظام  ... 
د - إنّ مجرّد عقد مؤتمر جنيڤ-;- 2 سيترك انعكاسات إيجابية على نفوس المواطنين السوريين ، ويمدّهم بطاقة معنويّة للصبر والصمود ، ويساعد المتردّدين منهم على الاصطفاف الواضح مع الحلّ السياسي ، ورفع الصوت عالياً ضدّ العنف من أيّ مصدر كان ، والانخراط في الحراك الشعبي والسياسي بحيويّة أكبر .. كما سيخفّف بعض الشيء من ويلات الأوضاع الاقتصادية المتدهورة ، ويُنقص من نزف الكوادر السورية والتفتيش عن مصادر الرزق في الخارج ، ويُبطئ فرار وتهريب رؤوس الأموال وما تبقّى من مصانع إلى بلدان أخرى ... 
ه - إنّ التحرّك باتجاه الحلول السياسيّة سيُنتج مفاعيل إيجابية على شرائح من المسلّحين السورييّن كيفما وأينما كانت اصطفافاتهم وانتماءاتهم ، ويجعلهم أكثر استجابة لوقف العنف ممّا يساعد على تخفيض وتيرة أعمال القتل والخراب والدمار ..  .. 
ملاحظات واستنتاجات : 
- إنّ أي مماطلة في عقد مؤتمر جنيڤ-;-2 أو تأجيله لمدّة طويلة  ، سيُسيء لمصداقية الروس والأمريكان ، ويزيد من تأجيج الحرب المجنونة في سوريّة وما حولها . 
- إنّ السعي لحصر مهمّة مؤتمر جنيڤ-;-2 في مكافحة الإرهاب هو تهرّب من معالجة  جذور الأزمة في سورية المتمثّلة بحتميّة الانتقال من النظام الديكتاتوري الحالي إلى نظام ديمقراطي تعدّدي ، والتفاف على تفاهمات جنيڤ-;-1 ، وتملّص من استحقاقاتها الصحيحة ... 
- واهم مَنْ يعتقد أنّ النظام المستبدّ قد وصل إلى مرحلة الاستسلام ، وأنّ مؤتمر جنيڤ-;- سيعدّ ويقرّ وثيقة إذعانه لمشيئة المعارضة ، والمجموعات المسلّحة ... وفي الوقت نفسه ، مكابر وواهم مَنْ يعتقد أنّ المعارضة ذاهبة لمؤتمر جنيڤ-;- لتقديم ولاء الطاعة والرضوخ لمشيئة النظام والقبول بشروطه ورؤيته للخروج من الأزمة ...
- إنّ عقد مؤتمر جنيڤ-;-2لن يكون المحطة الأخيرة لمعالجة الأزمة في سوريّة ، وسيحتاج الأمر إلى جولات جديدة ومتكرّرة ، وصبر وأناة وحكمة حتى يعطي ثماراً ناضجة ..وأيّ فشل له سيسرع الخطا نحو الهاوية التي لا قرار لها ولا مفرّ منها  ... 
ومن هنا ، نستطيع القول : إنّ هدف التفاوض في جنيڤ-;- يجب أن يتركّز على إيجادالآليّة والطرق الصحيحة لتنفيذ بنود تفاهمات جنيڤ-;-1 بهدف إنقاذ سوريّة من محنتها المأساوية الراهنة ، وإيصالها إلى برّ الأمان...  مع الحذر كلّ الحذر من الوقوع في مطبّ المحاصصات الطائفية والقومية الكريهة .. وأخيراً ، إنّ الشعب والتاريخ لن يرحما أحداً قد يقف في وجه هذا الحلّ أو يتهاون في العمل من أجل تحقيقه ... 
في : 9 / 1 / 2014 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صور أقمار اصطناعية تظهر النزوح الكبير من رفح بعد بدء الهجوم


.. الفيفا يتعهد بإجراء مشورة قانونية بشأن طلب فلسطين تجميد عضوي




.. مجلس النواب الأمريكي يبطل قرار بايدن بوقف مد إسرائيل ببعض ال


.. مصر وإسرائيل.. معضلة معبر رفح!| #الظهيرة




.. إسرائيل للعدل الدولية: رفح هي -نقطة محورية لنشاط إرهابي مستم