الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تبييض السجون تبييض للوجوه

نور الدين بدران

2005 / 6 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


حين قرأت أنه تم أو يتم تشكيل مجلس أمن قومي،يرأسه السيد رئيس الجمهورية نفسه،ويكون في أولوياته، علاقة أجهزة الأمن بالمواطن، شعرت بارتياح كبير،لأنه لا مجال للمقارنة بين الرؤية الحضارية التي يمتلكها طبيب العيون الشاب، والممارسة القمعية التي يعتاش عليها كهول العسكر وأجهزتهم،وكنت ومازلت أعتقد أن قيادات تلك الأجهزة، أو بعضهم على الأقل وحين امتلكوا استقلالاً نسبياً عن السلطة السياسية، هم الذين وضعوا العصا في عجلة الإصلاح التي يديرها السيد الرئيس، منذ أول يوم لتسلمه السلطة، حتى أني كنت ومازلت أشك بأن السيد رئيس الجمهورية،يوافق على ما كانت تدبره تلك الأجهزة أو بعضها، سواء داخل البلاد أو خارجها، لسبب بسيط جداً وهو تناقضه مع خطاب القسم، ومع ما تلاه من خطوات عملية، على الصعيدين الداخلي والخارجي، وفي غضون تلك التناقضات لم أكن وحدي الذي تساءل من يحكم سوريا؟؟ .
يمكن النظر للإجراءات الأخيرة ، في صفوف المسؤولين الأمنيين،وغير الأمنيين، على أنها تدعيم لمركز الرئاسة، أي لمركز السياسة في التخفيف من الطابع الأمني للدولة، أي لمركز قيادة الخط الإصلاحي والتحديث، ولمنع التجاوزات التي كانت تتنافى مع هذا الخط، وتقوم بها جهات ضد الإصلاح أي ضد سوريا ومستقبلها.
لنكن واضحين جداً : إن الرئيس بشار الأسد هو من أطلق ما عرف بربيع دمشق، وتلك القوى الأمنية أو من هي بخدمتهم، هي من أحبطت ذلك الربيع، ومن المؤسف أن بعض رموز ذلك الربيع ومعظم قيادات المعارضة، انطلى عليها جوهر هذه الحقيقة، ولم تفهم أن معاداة الإصلاح كما الإصلاح نفسه،بذرتان توأمان في بنية السلطة السياسية من حيث الجوهر، وما تبقى لا يعدو أن يكون تظاهرات وأعراضاً.
يمكن أن ينظر للأمر نفسه بطريقة معكوسة،أي بان الدولة الأمنية هي التي تحاول كسب السياسة ومركزها أي الرئاسة، ولكني لا أعتقد بذلك، فهذا جرى فعلاً إبان وفيما بعد ربيع دمشق، لكن عدة أمور سياسية واقتصادية كبيرة، كانت كافية للتنبيه واليقظة، وأهمها الخروج من لبنان، والتعاطي مع الساحة العراقية، وأخيراً ما عرف بأيار الأسود.
لقد أظهرت اعتقالات أيار(مجلس إدارة منتدى جمال الأتاسي وما سبقها ولحقها) أن صوت الجنون أي صوت الدولة الأمنية انتصر، ولكن بعد قليل ارتفع صوت العقل أي صوت السياسة، وذلك بالإفراج عن بعض المعتقلين،و أعتقد أنه مازال هذا الصوت يرتفع، وأرجو أن تكون هذه آخر جولات الجنون والقمع.
ستكون بادرة عظيمة من السيد الرئيس أن يستأنف ما بدأ به، وكخطوة أولى أن " يفاجئ" الجميع، بقرار جريء يعيد لعهده بريقه الأول، ولجميع أحرار سوريا نبض الأمل، هذا القرار هو الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، ومعتقلي الرأي، مع ما يستتبع ذلك من عودة المبعدين والمنفيين للأسباب عينها.
إن هذا القرار وهو من استحقاقات سوريا، سيؤكد منطق العقل وتفوق السياسة، وسيسحب البساط من تحت أقدام كثيرة متباينة ومختلفة الاتجاه والمقاصد، داخلياً وخارجياً، ولا يجمع كل هذه الأضغاث سوى ذلك البساط المهترئ، فليس كل المطالبين بالإصلاح والحريات صالحين وأحراراً،ولا أشك بأن كثيرين بكلامهم الحق عن الإصلاح عموماً وعن الحريات خصوصاً وعن المعتقلين بالذات، يريدون باطلاً، ومن هؤلاء(مثلاً لا حصراً) السيد رفعت الأسد الذي أعلن اليوم أنه فقد الأمل بالإصلاح، ولذلك فإنه سيتحرك في اتجاه عزل النظام، كخطوة نحو إسقاطه سلمياً، ودون أن أعرف ما هو بديل السيد رفعت، فإني أعلن وبثقة: أنه أسوأ من الوضع الحالي حتى لو بلا إصلاحات، وحسناً أن يكون رفعت الأسد مطلوباً للقضاء، وألا يدخل سوريا إلا بهذه الصفة، لأنه فعلاً أحد كبار المرتكبين بحق سوريا وشعبها، وأرجو أن يكون أمثاله مطلوبين أيضاً إلى قفص القضاء، وأن يعيد هذا الأخير وأمثاله وبقوة القانون الحقوق المسلوبة، والأموال المنهوبة، وهي كافية لنهضة تنموية حقيقية، لأنها فعلا ثروات خيالية.
إن قراراً جريئاً بتبييض سجون سوريا، والقبول بوجود رأي آخر،كفيل بتصويب اتجاه السلطة والمعارضة على حد سواء، وغربلة السلطة والمعارضة أيضاً، حيث كلاهما تعانيان من أزمة القوى غير المتجانسة، وإذا كانت السلطة في مؤتمر حزب البعث الأخير، قد تخففت من بعض الأثقال المجانية والمعيقة، فإن المعارضة إزاء هذا القرار ستتخفف أيضاً من كثير من الأعباء،أشخاصاً وشعارات.
ستقدم السلطة بقرار كهذا درساً سياسياً تاريخياً ذا مصداقية، بأن لا عصا سحرية، وأن رحلة الألف ميل الإصلاحية تستأنف مسيرتها، وأن العقل والسياسة هما الحاكمان، وأن الدولة الأمنية تمضي القهقرى وبلا رجعة.
ربما بهذه الخطوة الأولى وما سوف يتلوها،ستفهم المعارضة أيضاً مسؤوليتها،في إعاقة الإصلاح وفي تقدمه إذا شاءت، وهي ضالعة بذلك سابقاً ولاحقاً، وسواء وعت ذلك أو لم تعه،ربما ستفهم كيف عليها أن تدعم الخطوات الصحيحة، وتكف عن مراهنات بائسة، على قوى داخلية لا علاقة لها بالديمقراطية، بل هي نقيضها،كالإخوان المسلمين، أو خارجية لها حساباتها الخاصة، ربما (وأعني حصراً المعارضة الديمقراطية والعلمانية) تتخلص من عقدها المزمنة،وتتعلم كيف تقدم مطالبها، واحداً تلو الآخر وليس على طريقة المحفوظات المدرسية، حيث تعجز هي نفسها عن تطبيق خمسها فيما لو استلمت السلطة اليوم، أي أن تعي أن هذه الاستحقاقات عملية اجتماعية، وليست كتابة بيان.
إن تبييض السجون كخطوة أولى، سيفتح صفحة جديدة بين السلطة والمجتمع، بين المجتمع والمعارضة، وبين السلطة والمعارضة، إنه سيفتح صفحة جديدة لوحدة وطنية على الأرض، وليس في الخطابات، صفحة جديدة بين سوريا والعالم، وسيفتح المجال أمام حوار بين عقلاء يصغون لبعضهم، وسينهي حالة الضجيج الصادر عن مجانين طرشان معروفين أو مجهولين،لكنهم بالتأكيد متواجدون بين الفريقين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل قامر ماكرون بحل الجمعية الوطنية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. حل الجمعية الوطنية، سلاح ذو حدين محفوف بالمخاطر




.. كولومبيا تقرر وقف بيع الفحم لإسرائيل حتى وقف الإبادة الجماعي


.. قوات الاحتلال تنشر فرق القناصة على أسطح وداخل عدد من البنايا




.. فيضانات تجتاح جنوب النمسا والسلطات تناشد السكان بالبقاء في ا