الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في ديوان -نقطة تحول- للشاعرة فاطمة معروفي.

عبدالكريم القيشوري

2014 / 1 / 10
الادب والفن


الزمان : 8 يناير 2014
المكان : المسرح الوطني محمد الخامس .
المدينة : الرباط .

عنوان المداخلة : الكتابة بين المتعة والعنت .

الديوان الذي نحن بصدد الاحتفاء به وبصاحبته اليوم ؛ هو باكورة إنتاج الشاعرة فاطمة معروفي الثاني؛ بعد ديوانها الأول " أنين الليل ". صادر عن مطبعة كوثر بمدينة الرباط في طبعة ثانية من السنة الماضية 2013 . وهو من القطع المتوسط . يحوي هذا الديوان إضافة إلى الإهداء أربعة وعشرون قصيدة . خمسة عشر قصيدة من الفصيح وتسعة قصائد من الشعر العامي " الزجل". تتدثر جميعها في غلاف متشح بالعتمة "السواد" وهو بذلك تعبير قبلي يوحي بما يتضمنه المتن الشعري/ الزجلي ؛ الذي يتخذ البياض أديما لتشكيل قيمة جمالية في بناء النص .
قراءتي لديوان " نقطة تحول " لن تكون قراءة نقدية صرفة؛ لاعتبارات متعددة منها أن النقد له رجالاته ؛ كما له مواصفاته ومناهجه وأدواته الإجرائية وما إلى ذلك . لذا ستكون قراءتي تحت عنوان من العناوين التالية :
- قراءة عاشقة . – قراءة كاشفة .- قراءة انطباعية . – قراءة وصفية . قراءة بانورامية .. تاركا المجال مفتوحا لكل القراءات التأويلية التي يباشرها كل مهووس بفعل القراءة وكل عاشق للحرف باحث عن اللذة والمتعة في ثنايا المتن الشعري/ الزجلي ؛ مبعدا العنت عبر تحليل بنياته وتفكيك شفراته.
أول ما يواجه المتلقي/القارئ/الزائر/الضيف وهو ينظر إلى منجز إبداعي ما كيفما كان جنسه معروضا في واجهة من الواجهات المكتبية ؛هو غلافه وعنوانه. وهو العتبة الأولى التي من خلالها نتطلع ونستشرف ما يتضمنه بداخله؛ فإما يغريك ويشدك إليه؛ ويحفزك على فك رسوماته وتفسير ألوانه؛والتدرج لاستكناه محتواه ومن ثمة اقتناؤه..وإما ينفرك ويبعدك ولا يثير اهتمامك في شيء. غلاف ديوان " نقطة تحول" ونحن نسعى إلى فك رموزه وتفسير لونه؛ ندرك مدى أهميته في الإحالة على متون النصوص باعتبار اللوحة تحمل رؤية لغوية مجازية ودلالة بصرية تشكيلية تتقاطع في رسمها وتشكيلها وتبئيرها وتشفيرها ما يهيئ للعين مضمونا مباشرا يساعد على الفهم القبلي لفحوى النص الآتي. وهنا نجد أن الشاعرة فاطمة معروفي في اختيارها للون الأسود الرامز( كما هو متعارف عليه في قراءة وتحليل الألوان) للفوضى البدائية والسلطة والغموض وأيضا للتخفيض والامتصاص؛ لأن الأسود "يمتص كل شيء ضوء" قد قدمت بداية نصية لتسهم في بناء فضاء خطاب شعري/زجلي؛ مقتحم لعوالم جماليات التشكيل في شقه البصري. فلوحة الغلاف أيقونة دالة – في تقديري- لم تنشأ اعتباطا ولا للتزيين فقط بل لتنسج علاقات رمزية مع متون النصوص؛ ذلك أن صورة الغلاف بلونها-ألوانها- " قد تضيف شيئا إلى النص " إذ تظل على ظهر الغلاف قصدية بالمعنى الذي أرساه رولان بارت بصدد تحليله للصورة الإشهارية مادامت تطمح لأن تكون ترجمة ما للمحتوى الإيضاحي؛ وقد تكون لا قصدية في نفس الآن وفق التحليل النفسي كما أرساه فرويد بصدد اللوحة. فمقصدية الديوان وبؤرته الدلالية تتجسد في انغماس الشاعرة في بحر الأحزان والأوجاع والأحلام الضائعة والبحث عن السعادة في عالم السراب والأوهام الحزينة والآهات الدفينة. وهذا ما تقوله كلمات الغلاف الخارجي التي تؤسس لفعل التغير والتحول والتبدل . من خلال عنوان " نقطة تحول".
هذه "نقطة تحول " التي خطت بكتابة عريضة وبحجم كبير باللون الأبيض أسفله ؛وباسم الشاعرة الذي خط بنفس اللون ولكن بكتابة أقل حجما في الأعلى؛وأسفل العنوان وبخط أقلهم حجما بكثير كتبت نوعية النصوص الشعرية التي يتضمنها - فصيح وزجل – وتنبعث من هذا السواد الكالح الذي اجتمعت مكوناته الثلاث – زي الشاعرة وشعرها ولوحة الغلاف - بؤرة ضوء هي لوجه الشاعرة المستنير والذي أعطى نكهة كاليغرافية خاصة ؛ ستفرض حتما استقطاب عيون لرؤيته.
وهنا نكتشف أهمية بنينة البياض في فضاء كالح؛ بمعنى إدخال بياض العنوان واسم الشاعرة في بنية النص لتسجيل سمة من سمات الأداء الشفهي أو تجسيد دلالة الفعل بصريا. فالبياض إن كان بياض الصفحة أو بياض الكتابة فهو عند الشعراء يمتلك قيمة جمالية تتيح للشاعر التصرف في عناصر بناء القصيدة وفي نواح متعددة. البياض هذا ينهض بصورة أساسية على العنصر التشكيلي للمكان الذي يحتله السواد؛ متخليا في ذلك عن مساحة معينة للبياض. ويعد في التجربة المعاصرة وسيلة من وسائل توفير الإيحاء وتوصيل الدلالة للقارئ. وهذا الأمر يحيلني على التجربة المميزة للفنان التشكيلي مصطفى النافي على اعتبار أنه يعتمد اللون الأسود كأرضية لتشكيل أعماله الفنية التي تمتح قوتها الإجرائية من سلطة الأسود؛ بخامات تنتج الأبيض متخيلا لها. "فالرسم عنده بلا لون؛ والتشكيل من فراغ "كما قال عنه الناقد التشكيلي سعيد العفاسي.وأنا أقول : "الكتابة عند فاطمة بحرف؛ والمعنى من كلمات ".
"نقطة تحول" إذن عنوان الديوان؛ وقصيدة مبتداه ومنتهاه . إذا تأملناه نجد أنه يتكون من جملة اسمية مبتدؤها محذوف تقديره هذه ؛ وخبرها جملة الإضافة؛ بمعنى أن عنوان الديوان هو : " هذه نقطة تحول". يبقى السؤال المطروح عن ماهية هذه النقطة - التي أفاضت الكأس- للتحول. تحول من ماذا ؟ ومن أين؟ وإلى أين ؟.
في قصيدة الافتتاح والتي وسم بها الديوان يمكن اعتبارها الفكرة المحورية التي تجمع شمل شتات قصائد الفصيح والزجل؛ حيث تضع الشاعرة فاطمة بصماتها ورؤيتها في ثنايا شعرها / زجلها عن طريق طرح معاناتها بصورة فنية تستقطب لها القارئ بدوره لينفث فيها من روحه باعتباره منتجا مشاركا للأثر الأدبي؛ وباعتباره أيضا تنعكس عليه الصورة القاتمة في فهم ميكانيزمات سيرورة الحياة. فالصورة الشعرية في القصيدة "عند فاطمة" مستوحاة من مأساة الذات ومن التجريد الحلمي الذي تبتغيه وترتضيه؛ حيث الإكراهات تتعدد وسط دوامة من الخيبات ..فهي لاتدري أية وجهة تقصد؟ هي بين مطرقة الحياة وسندان الموت؛ بين شد وجذب ؛ بين مد وجزر؛ بين نقطة البداية ونقطة النهاية.
تقول في ص9 : لا أدري إلى أي نقطة سأتجه ؟ نقطة البداية أم نقطة النهاية ؟ دوامة تجرفني..تسحرني.. تدور بي في أعمق الهواجس..
هذا الارتباك الجواني الذي تعبر عنه الشاعرة والناتج عن مخاض جدالي بين عالمين .عالم مادي وآخر روحي. عالم محسوس وعالم ميتافيزيقي؛ عالم دنيوي وعالم أخروي.. خلف لديها قناعة الحلم بحياة في العالم الآخر؛ عالم الماوراء الطبيعة؛ لذا نجدها تهيء نفسها لذلك بقولها :
سأرتدي وشاحي البلوري. وأكمل مراسيم الوجد. على نغمات القانون. أراقص حلمي العلوي. برقصات أبجديات حور عين. وأنهار الروح تجري مخلدة. يكسوها لحن الخفاء والتجلي. نفس ص9
هناك تقاطع في الطرح على مستوى قصيدة الفصيح " نقطة تحول" وقصيدة الزجل المعنونة بـــ : "أحلام مهدومة" حيث الخيط الناظم لهما يشكل وحدة موضوع - مع وجود الفارق طبعا- والمتجلي في رؤية الشاعرة للحياة حيث تطغى مسحة التشاؤم على الواقع المعيش؛وتبدو جلية في قول الشاعرة/ الزجالة : مطارق الراس كثيرة. وفي الدنيا . ياناس ما لقيت حيلة. ياربي وعلى ربي. شفت فلمري. لقيت عمري يجري. ..
خطوط ليام مرسومة. كل خط يلومني بلومة. تبعت سواقي مسمومة . وجاريت احلام مهمومة. ص 59
كما أن هناك تماس أيضا بين قصيدة "صبر" الفصيحة و " الروح مبلية"الزجلية .
فالشاعرة/الزجالة تعبر عن نفاذ صبرها بعد غدر الزمان لها . كرهت الصمت؛ وثارت ثورتها على كل الاعتيادات التي تركت ندوبا عميقة في نفسيتها من وجع ودمع وألم..تأهبا للرحلة الكبرى التي – في اعتقادها- ستنقلها من عالم المادة إلى عالم الروح. تقول في ص14 :
راحلة أنا
والرحلة على وشك الانتهاء.
لتسلك معابر السماء..
في مقابل ذلك نجدها في القصيدة الزجلية المعنونة بـــ " الروح مبلية" ص 55 والتي تقدم من خلالها صورة عن التقلبات الحياتية التي يعيشها المرء وفق ترتيبات تسير في اتجاهات غير تلك التي يرتضيها ويخطط لها؛ مما تنعكس آثارها سلبا على وجدانه ونفسيته.. فيصبح يعيش الويلات. فنشدانا للراحة النفسية التي افتقدت في زماننا هذا؛ يتوسل المرء بسلاح " من لا قوة له" وهو سلاح الصبر؛ إلى أن تنفذ طاقته وقوته..تقول :
عييت بالصبر.
حتى فاض جهدي وما خديت
غير الهم وحريق الدم.
وتقضى...
جهد المبحوح
ومازال بهمي النوح .
لقد أحسنت الشاعرة في إيمائتها في كثير من المناسبات التي دفعتها إلى إبداعها؛ لكونها بمثابة نور كاشف للمعنى والتجربة التي تعبر عنها. فالمتلقي سيلمس بجلاء البعد الإنساني في الديوان؛ حيث تجسدت التلقائية في التعبير؛استنادا إلى تجربة شعر الانكسار أو ما يسمى بالشعر المنثور أو الشعر الحر والتعامل ببساطة مع النغم والموسيقى ..فالمتلقي يحس أنه أمام شاعرة لا تعنى بالجماليات الفنية التي أتعب الشعراء قراءهم كي يتقنوها. إنها تجسد في شعرها - كما أشرنا – البساطة التي تكشف عن رؤية مؤداها إيصال رسالة إلى المتلقي.
تمثل القصائد العاطفية والوجدانية السمة الأبرز في الديوان؛ لكنها عاطفة متزنة؛ توزعتها الأشواق والأحزان بما يتصل بذلك من مناجاة طيف أو مناجاة حبيب.. يظهر ذلك جليا من خلال عناوين بعض القصائد كــ : اقترب لأسكن إليك – و-غاليتي – و- دثرني..وغيرها. كما أن المعجم الوظيفي الذي اعتمدته الشاعرة يمتح من آي القرآن الكريم كما ورد في ص 14 "رحلة الشتاء والصيف" و" ريح صرصر عاتية" ص 15 و " سبحانك ربي مالك الملك ذي الجلال والإكرام" ص 16 و " بردا وسلاما " ص26 و"النفس الأمارة بالسوء" ص ؛ 33
وبعض الأقوال المأثورة كما جاء في المقطع المجتزء من خطبة الحجاج الشهيرة بقليل من التبديل في ص 18 حيث تقول الشاعرة : شاع الخبر..الرمادي منثورا
بالسماء السبع صواعقا
على رؤوس من تراب قد أينعت. وحان قطافها.
والحق أن الديوان معاناة ذاتية تتخذها الشاعرة فاطمة معروفي شكل حلم فني لهموم وجدانية؛عاطفية؛ اجتماعية..ترتكز على رسم خطوط الأمل للواقع المر؛ واستشراف الآتي مبرزة سمات الخضوع والضياع والزيف.. بالأبجدية التي لا زالت تنثر نحيبها الأزلي حزنا على الإنسان منذ آدمه الأول حتى آدمه الأخير المخبوء في رحم الغيب. مازال الشعر هو المترجم الأبلغ لجوهر هذه المعاناة؛ لذلك قد يتلاقى الشعراء على ضفاف الألم ذاتها؛ لكن تبقى لكل شاعر طريقته في فلسفة ذلك الألم وإعادة صياغته في قالبه الخاص؛ ثم تصفيته في مصفاة الروح وإعادته إلى الناس في شكل مفعم بالأناقة البريئة.
الشاعرة فاطمة معروفي رمت بحصى صغيرة في بركة ماء الشعروالزجل؛ نتجت عنها دوائر صغيرة من خلال إنتاج منجزها الإبداعي الأول ديوان " أنين الليل" ؛ ورمت اليوم بحصى أكبر من الأولى من خلال إصدار ديوانها الثاني " نقطة تحول" فاتسعت الدوائر وكبرت؛يبقى السؤال المطروح. هل العبرة بالكم أم بالكيف؟ دمتم لفعل القراءة حريصون؛ ولفعل الإبداع مشجعون. وللثقافة منتمون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة


.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا




.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم


.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا




.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07