الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية والسلوك الإجتماعي العام

محمود الزهيري

2014 / 1 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


1
غالباً ما نتحدث عن الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان بإستفاضة , ونسهب في المقارنة بين المواطنين العرب وبين مواطني دول الإتحاد الأوروبي وأمريكا وكندا واستراليا ومعهم دول كالصين واليابان , وفي حالة المقارنة تبدو النتيجة المتوقعة علي الدوام ليتحصل مواطني الدول العربية علي درجة أدني من الرسوب وأقل من درجة الصفر المطلق بمراحل ..
العديد من النخب والمثقفين والكاريزما , يرجعوا الحصول علي الصفر إلي السلوك الإجتماعي العام المتردي , وأنه في حالة إنضباط السلوك الإجتماعي علي وتيرة القيم والأخلاق فإن المحصلة الدون صفرية قد تتحول بمؤشر السلوكيات إلي درجات مرتفعة ..
2
البعض من أصحاب الرؤي المستنيرة يعودوا إلي أن ممارسة السلوك العام حسب المنظومة الأخلاقية يعود إلي تطبيق القانون من عدمه , وهذا له مردود في الواقع الإجتماعي علي وجه أقرب للصحة , ولكن هذا المنحي غير مستطاب للكثير من المنتمين لطغمة الفساد حال كونهم هم من دأبوا علي مخالفة القانون لكونهم يمتلكوا القدرة المالية علي سداد الغرامات التي قد يقضي بها عليهم , بل ومن السهولة لديهم أن يتوصلوا إلي السلطة لإلغاء هذه الغرامات أو العقوبات من المنبع , وهذا هو دأب هذه الطغمة , ومن هنا فإن القانون والسلوك العام قد يظهرا علي أنهما نقيضين في ظل هذه الظروف المرتبطة بمناخ الفساد العام .
3
أتذكر مقولة حدثني بها أحد الأصدقاء حينما كنا نستقل سيارته وكانت الإشارة مغلقة , ولم يكن أحد من المارة أو مقتادي السيارات في حالة مرور , فأشرت إليه بالعبور , وما كان منه إلا أن حدثني بلهجة فيه الكثير من اللوم , والقليل من العتاب قائلاً لي : " نحن نحترم القانون , ولانخاف منه " !!
منذ هذه الوهلة تولدت لدي فكرة أن الأقوياء في السلطة والأثرياء منهم بالطبع , يسهل عليهم أن يخرقوا القانون واللوائح والنظم المعمول بها في دولة من الدولة , خاصة إذا كان الأمر متعلق بالخوف من القانون , لأن هؤلاء لايخافوا من مخالفة القانون لما لديهم من سلطان وأموال تمكنهم من سداد الغرامات أو المخالفات ..
أما إذا كانوا علي درجة من الوعي بإحترام القانون , حتي لو كانوا ذوي سلطان وذوي ثراء فإنهم يصروا علي عدم المخالفة , وهذا هو الفارق بين من يحترم القانون , ومن يخاف منه !!
4
وبينما أتحدث مع صديقي خالد أبوجرة حول هذا الموضوع إذ أردف قائلاً , بأن أحد المصريين كان متزوج من اجنبية , وكانت قد أتتها آلام المخاض والولادة , وما كان منه إلا أن أستقل سيارته مخافة تأخير وصول سيارة الإسعاف وكان برفقته والدة زوجته , وحال عبورهم الطريق وكانت الإشارة مغلقة , إلا أنه استعد لكسر الإشارة عابراً الطريق مخالفاً القانون , فحذرته والدة زوجته التي تمر إبنتها بآلام المخاض والولادة , طالبة منه الإنتظار لحين فتح الإشارة, إلا أنه لم يرعوي لهذا الطلب , وكسر الإشارة ..
وبعد فترة , جاءته المطالبة بغرامة المخالفة , فتعجب متسائلاً أمام والدة زوجته , وقال : لم يكن أحد يعلم بهذه المخالفة !!
أجابت والدة زوجته بلطف .. أنا من أخبرت الشرطة وابلغتهم بمخالفتك لقواعد المرور , فتعجب .. ووجه الكلام لوالدة زوجته , قائلاً لها : إنني كنت أسعي لإنقاذ إبنتك .. فردت عليه بلطف : تسعي لإنقاذ إبنتي , وفي ذات الوقت تسعي لتصيب غيرك بالضرر !!
هذا هو السلوك وهذا هو القانون .. وهذا هو الفارق بين من يحترم القانون .. وبين من يخاف من القانون ..
5
بوجازة شديدة أود أن أعود بمسألة السلوك الإجتماعي العام , إلي الديمقراطية والسلوك الإجتماعي العام حينما يتم الترابط بينهما بإعتبار أن الديمقراطية أداة من الأدوات التي تنجز في النهاية إختيار مجتمعي منتقي عبر الصناديق الإنتخابية الشفافة , وبين القوانين والنظم واللوائح والتعليمات التي تسن ويتم تفعيلها في دولة من الدول , وهذه الأداة المتعارف عليها بالديمقراطية لايمكن أن يتم تفعيلها ببساطة إلا في مجتمعات تنحاز في الأساس للمواطن , وليس ببديهية الوطن , وتنحاز للإنسان المجرد من غير إعتبار لدينه أو معتقده أو مذهبه أو طائفته بجانب لغته وجنسه ونوعه ولونه ومنطقته التي ولد فيها , وبمعني موجز الإنحياز للمواطنة وتفعيل المساواة في المواطنة , وتكافوء الفرص , وتأسيس دولة القانون علي أساس وهدي مما سبق , حتي يمكن أن يتوالد تلقائياً مع هذه المفاهيم مبدأ الإنتماء , عبر منظومة الحريات الفردية والمجتمعية التي تنتج مباشرة الحقوق والواجبات التي ينظمها القانون بين جميع المواطنين , في حالة غياب للإستبداد السياسي أو الفساد المتوالد عنهما ومصاحب لمنتج الطغيان الذي تنعدم علي عتباته قيمة الإنتماء للوطن والمواطن , وتسود الفردية كظاهرة إجرامية تعمل علي ضياع المواطنة وتكافوء الفرص وتضييع الحقوق والواجبات ..
6
أري أن الديمقراطية كأداة هي السبيل لتفعيل منظومة السلوك الإجتماعي العام بإعتبارها مضاد حيوي للإستبداد والفساد والطغيان , ومنتجاتهم من الفقر والجهل والمرض الذين يضيع معه مفهوم الإنتماء كقيمة وكمبدأ , وينعدم مفهوم المواطنة والوطن !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مناظرة تبادل الاتهامات بين بايدن وترامب | الأخبار


.. انقطاع الكهرباء في مصر: السيسي بين غضب الشعب وأزمة الطاقة ال




.. ثمن نهائي كأس أوروبا: ألمانيا ضد الدنمارك وامتحان سويسري صعب


.. الإيرانيون ينتخبون خلفا لرئيسهم الراحل إبراهيم رئيسي




.. موريتانيا تنتخب رئيساً جديداً من بين 7 مرشحين • فرانس 24