الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اغتصاب بالتراضي!!

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)

2014 / 1 / 10
دراسات وابحاث قانونية


فقط في القانون اليمني تجد أن تلك العبارة طبيعية و ليست متناقضة كون الجزء الأول منها ينفي احتمالية وقوع الجزء الثاني..و لكن بما أننا في بلاد العجائب فلا تستغربوا كثيراً لذلك التناقض..و الذي كمثال عليه سأقف مع أبرز حالة يعتبرها القانون الجنائي اليمني حالة اغتصاب "توافقية" ألا و هي اغتصاب المحارم..ذلك الاغتصاب الذي يتم السكوت عنه في اليمن ليس خوفاً من الفضيحة كما يعتقد البعض و لكن كنوع من التواطؤ مع الجاني..فالجاني في تلك القضايا مبرر له ليس فقط من أهل الضحية بل و حتى من القانون كذلك!!.

فالقانون الجنائي اليمني تجاهل -و بكل أريحية- الفكرة المنطقية التي تُعرِّف الاغتصاب على أنه علاقة تقوم على إجبار يمارسه طرف قوي على طرف أضعف منه جسدياً و عقلياً و نفسياً..و في حالة اغتصاب المحارم يكون المُغتصِب على الأغلب من ضمن المُقربين من الضحية أو حتى من الأوصياء عليها..لهذا تكون العلاقة -و حتى من دون الاغتصاب- مبنية سلفاً على تبعية الضحية للجاني و خوفها منه و إنسياقها خلفه.

لكن القانون اليمني كان متسامحاً جداً تجاه الجاني و صارماً جداً تجاه الضحية..فنجد أن القانون لا يعتبر اغتصاب المحارم اغتصاباً بل يدرجه ضمن نطاق جريمة الزنا..أي أنه و بجرة قلم بسيطة حول الضحية إلى شريك في الخطيئة و عن رضا و توافق أيضاً منها!!..و لولا بقية من تعقُل لكان نصَّ على معاقبتها أيضاً أسوةً بالجاني.

فمن المعروف -نفسياً على الأقل- أن جريمة اغتصاب الطفل تجعله يخضع نفسياً للجاني و يتضاعف ذلك الإحساس إن كان الاغتصاب تم من قبل أحد محارمه..فتصبح العلاقة مبنية بشكل شبه كامل على انقياد الضحية للجاني نتيجةً لتواجده شبه اليومي في حياته..و إن كانت الضحية فتاة أصبح هاجس الفضيحة و تلَّقي اللوم عاملاً إضافياً للسكوت و الاستمرار في الانقياد خلف رغبات الجاني الجنسية.

و بالرغم من أنه في المادة 35 من قانون العقوبات اليمني يُعتبر إكراه طرف لطرف آخر على فعل جريمة ما نافياً لفكرة المشاركة فيها لوجود واقعة الإكراه..نجد أن القانون في اليمن يرفض فكرة انقياد الضحية للجاني في جرائم الاغتصاب ليجعلهما على قدم المساواة في الرغبة في إقامة علاقة جنسية لتصبح العلاقة علاقة زنا!!.

و لم يكتف القانون اليمني بذلك و حسب..أي لم يكتف بمساواة الضحية بالجلاد بل أنه استمر في عبثيته و قام بإيجاد الثغرات الواحدة تلو الأخرى ليفلت الجاني من خلالها و كأنه هو و إياه صديقان قديمان مخلصان!!..فالمادة 269 -و التي أصبحت طوق النجاة المثالي لكل مُغتصِب- تنص على أن لو أي شرط من شروط ثبوت الزنا سقط يسقط بالتالي ثبوت جريمة الاغتصاب لقياسها عليه!!.

و هكذا نجد أن ما لدينا هو عبارة عن قانون "تبريري" كما هو حال المجتمع حقيقةً..فجريمة بفظاعة جريمة اغتصاب المحارم و التي تعني شبه إنهاء لحياة الضحية نفسياً و اجتماعياً يتم على أقصى تقدير حبس الجاني فيها لسبعة أعوام فقط..و هذا فقط في حال ثبوت التهمة عليه..أي أنه لو انتفى شرط الشهود مثلاً في عملية الاغتصاب تلك يسقط الحد و بالتالي العقوبة لتتحول إلى سجن "تقديري" حسب ما يُقدَّره القاضي وقتها..و لا أعلم هل يعتقدون أنهم سيجدون يوماً من يتم اغتصابها من قبل أب أو أخ أو خال أو عم أو أي وحش عابر و قد أحضرت معها احتساباً للأمر أربعة شهود!!.

المجتمع اليمني مجتمع يجيد بل يحترف التبرير كثيراً و هذا الأمر انعكس بالتالي على قوانينه التي يقاتل البعض لتظل موجودة و الحجة أن مصدرها المزعوم هو الشريعة الإسلامية..و تباً لها من شريعة إن كان أقصى ما تفعله هو أن تبحث جاهدةً و العرق يتصبب منها عن مخرج أي مخرج ليفلت منه المُغتصِبون أو يحصلوا في أسوء سيناريو يتوقعونه على الحد الأدنى من العقوبة.

المجتمع اليمني دائماً ينخفض برقبته -كما النعام- لأدنى مستوى عند مواجهته لأي مأزق أخلاقي مُعتقداً بذلك أنه بهروبه من مواجهته أصبح مُنتصراً..و كما تُبرر قضايا التحرش الجنسي بتصوير الجاني بصورة الشخص "مسلوب" الإرادة تجاه ضحيته يتم ذات الأمر تجاه مُرتكبي جريمة اغتصاب المحارم..فيصبح الاغتصاب زنا و تصبح الضحية متواطئة و يصبح الجاني يستحق الغفران و التبرير برغم بشاعة الجريمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزء الثاني - أخبار الصباح | الأمم المتحدة تعلق مساعداتها إ


.. أطفال فلسطينيون يطلقون صرخات جوع في ظل اشتداد المجاعة شمال ق




.. الأمم المتحدة: نحو نصف مليون من أهالي قطاع غزة يواجهون جوعا


.. شبح المجاعة.. نصف مليون شخص يعانون الجوع الكارثي | #غرفة_الأ




.. الجنائية الدولية.. مذكرتا اعتقال بحق مسؤولَين روسيين | #غرفة