الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في مجابهة تطلعات التلفزيون السوري نحو المهنية: بثينة شعبان والجهاد الأكبر

محمد منصور

2005 / 6 / 18
الصحافة والاعلام


شكا لي الزملاء في التلفزيون السوري، من الضغوطات التي كانت تمارسها عليهم السيدة بثينة شعبان وزيرة المغتربين والناطقة الرسمية باسم المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي في سورية، أثناء ممارسة عملهم في التغطية التلفزيونية لوقائع المؤتمر.. الذي اختتم أعماله في دمشق مؤخرا..
فالسيدة بثينة شعبان كانت ترى في المؤتمرات الصحفية المبهمة التي كانت تعقدها، أن التلفزيون السوري هو ابن الجارية... وأنها هي فقط من تحدد ما يبثه التلفزيون من تصريحاتها ووقائع مؤتمراتها الصحفية اليومية... وما لا يبثه. وقد اكتشف الزملاء في التلفزيون، أن هناك تصريحات يجب أن تكون خاصة بالمحطات الفضائية العربية.. بمعنى أن السبق يجب أن يكون لتلك المحطات.. بينما يقتات التلفزيون السوري على الفتات وعلى التصريحات التنظيرية المغمغمة التي اعتاد أن يسمعها المشاهد السوري من مسؤوليه وخصوصا على شاشة تلفزيونه المحلي.
وقد قال لي أحد الزملاء أن ما بث على شاشة التلفزيون السوري، بث دون رضا تام من السيدة الناطقة الرسمية التي كانت تربط توجيهاتها العنيفة ولاءتها دائما، بأنها مفوضة في ذلك من السيد رئيس الجمهورية.
ولست هنا في معرض تأكيد ذلك أو نفيه، ولست معنيا أيضا بالدفاع عما قام به الزملاء في التلفزيون السوري من نقل مباشر للمؤتمرات الصحفية، بطريقة خرجت إلى هذا الحد أو ذاك عن عقلية (الصفن) والتريث الحذر الذي كان يتسرب فيها الحدث من زمن الإعلام السوري دائما ليصل إلى متلقيه ومشاهديه على طريقة (يطعمك الحج والناس راجعة) لكن ما يهمني هو عقلية السيدة بثينة شعبان التي ترى في التلفزيون السوري وربما الصحافة السورية أيضا، وسائل إعلام تغطي الحدث كما يريد المسؤول، لا كما يتطلبه الإعلام، فيعرض ويذيع ما تسمح لهم فقط أن يذيعوا، في حين يكون لوسائل الإعلام العربية حرية أكبر في صناعة السبق الصحفي وفي اختيار المادة، وفي نقل التصريح الطازج، والموضوعات التي تدخل في الجوهر.. لا التي تحوم حول العام والمجرد!
والواقع أن هذه العقلية هي عقلية رسمية سائدة في مختلف المناحي.. فالصحفي الذي يعمل في مؤسسة إعلامية رسمية هو أجير وليس مشارك في نقل الحدث.. وهو لا يحق له أن يجتهد في نقل المعلومة إلا بما يرضى له المسؤول عن ذلك.. بينما المحطات الأخرى تعامل معاملة أفضل (نسبيا) لأن لها وسائلها وهوامشها في اختراق ستائر التعتيم، إن أمعنت تلك الستائر في حجب الشمس والهواء والمعلومة عن الموفدين الذين لا يقبلون إلا أن يكونوا – بنسبة أو بأخرى – صناعا للحدث ومشاركين في بلورته على شاشة محطاتهم... وهذا شيء يحسب لهم بالطبع، لكنه- بالمقابل- يحسب ضد الإعلام الرسمي إن حاول، ولو بأطره المقيدة ورؤاه المتواضعة، أن يجاري تلك الحالة الصحية في الإعلام!
إن عقلية السيدة بثينة شعبان هي مرآة صادقة لطريقة تعامل المسؤولين السوريين مع إعلامهم المحلي... فعلى العاملين في هذا الإعلام أن يرضوا بالفتات.. وأن يكونوا صوت المسؤول لا صوت الإعلام... وأن يرضوا هذا المسؤول دون أن يفكروا برضى المشاهد أو المتلقي... وأن يكونوا عين المسؤول التي ترى من الحدث ما تريد وتخفي ما تريد، لا عين الصحفي الذي قد يحلل و يستنتج و يجتهد في صناعة الحالة الحارة التي تشعر المشاهد بحرارة وأهمية الحدث.
وهكذا نكتشف، أن مشكلة الإعلام الرسمي في سورية ليست هي مشكلة صناعه وحسب، ولا مشكلة العاملين فيه، وكثير منهم يفتقد الحرفية المطلوبة أحيانا.. لكنها أيضا مشكلة العقلية الرسمية التي ترى في الإعلام خادما مطيعا، وأجيرا مياوما... لا حق له أن يناقش ولا أن يجتهد ولا أن يسعى – ولو مقلدا- للإقتداء بالحالة المهنية السائدة في المحطات ووسائل الإعلام الأخرى!
إن المسؤولين السوريين الذين ينتقدون الإعلام السوري في العلن ويشكون من قصوره بمناسبة وبغير مناسبة، هم أنفسهم الذين يمارسون عليه كل القيود والضغوطات في الكواليس كي يستمر هزيلاً مريضاً، حاله لا يسر صديق، ووضعه يصعب على الكافر!
وهم بذلك منسجمين تماما مع سياسة الدولة ومع وجهة نظر الأجهزة الأمنية التي تحتقر الإعلام كذلك، وتفرغه من كوارده المهنية مفضلة المخبرين والوشاة لأنها تريد من هذا الإعلام أن يكون عبدا لا شريكا أو مساهما في دولة تقوم على مبدأ احترام المؤسسات... وتكافل عمل تلك المؤسسات من أجل صنع صورة منسجمة للوطن حتى تحت راية أيدلوجيا معينة أو توجه معين.
ناهيك عن أن هذا الاحتقار للإعلام الرسمي ثم مطالبته بأن يفعل المعجزات.. هي صورة عن الاستهانة بحق المواطن السوري في المعرفة... فبعد انصراف معظم الناس عن الإعلام المحلي.. فقد هذا الإعلام وظيفته الأساسية في التلقين والتوجيه والتعبئة الثورية.. أما دوره الحقيقي باعبتاره مصدر معلومات فقد جمّد، وهمّش، وشوه.. إذ لا أحد يريد أن يكون هذا الإعلام مصدر معلومات، بل مصدر تلقين وتوجيه فقط... وعلى من يريد المعلومة أن يبحث عنها في المحطات التي تحترم حق المشاهد في المعرفة.. وهي قادرة على أداء هذه المهمة، لأن من يقف ورءاها وعلى رأسها هم أصحاب عقول إعلامية.. لا جهات أمينة أو مسؤولين يتسم سلوكهم بالزجر والنهي كالسيدة بثينة شعبان وسواها!
ما حدث في المؤتمر الصحفي مع الزملاء في التلفزيون السوري أثناء محاولتهم مجاراة أدنى درجات المهنية في التغطية المباشرة.. ذكرني بحوادث أخرى تندرج في السياق نفسه... فمنذ سنوات قام الزميل ابراهيم ياخور في برنامجه التلفزيوني الشهير (ملفات حارة) بتصوير تحقيق تلفزيوني عن حالة طفل بترت يديه لأنه كان يلعب في حديقة عامة فيها خزان كهرباء توتر عالي.. وكان الخزان غير مقفل جيدا بسبب إهمال الجهات المعنية، ما أدى إلى تسلل الطفل غير المقدر لعواقب الأمور وبالتالي إصابته تلك الإصابة الخطيرة!
البرنامج أثبت بالصورة التلفزيونية وقائع الإهمال، ثم محاولات الجهات المعنية للكذب والقول بأن الخزان كان مقفلا.. وكانت النتيجة أن منعت الحلقة من البث، وقمنا بنشر تفاصيلها كاملة في العدد الأخير من جريدة (الدومري) الذي منع بدوره وسحبت رخصة الجريدة بسببه!
أما بيت القصيد الذي أريد أن أصل إليه من هذه الحادثة، هو أن قراراً صدر بعد ذلك وما زال ساري المفعول بمنع دخول الكاميرات التلفزيونية، حتى للتلفزيون السوري الرسمي، أي حديقة عامة أو التصوير فيها إلا بإذن رسمي من محافظ مدينة دمشق...
كنت أفكر أن قرار منع التصوير في الحدائق العامة هو قرار تعسفي إذا كانت تلك خلفيته، وقرار جائر ومهين بحق الإعلام إن لم تكن تلك خلفيته.. وأن المعيب حقا أن أحدا من مسؤولي الإعلام لم يعترض عليه.. فكيف يمكن لبرنامج آخر أن يكتشف خللا ما كالخلل الذي اكتشفه برنامج ملفات حارة، لو أنه أراد أن يأخذ إذنا من المحافظ قبل التصوير.. وعادة ما يتحول الإذن في هذه الحالة إلى فسحة زمنية للتزوير والتنظيف والتجميل!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمكة الجنائية الدولية : ما مصير مذكرات التوقيف ؟ • فرانس 24


.. ما خطط جنازة رئيسي ومن قد يتولى السلطة في إيران؟.. مراسل CNN




.. قتلى وجرحى بحادث سقوط حافلة في نهر النيل بمصر | #مراسلو_سكاي


.. قبل الحادث بأشهر.. ليلى عبد اللطيف تثير الجدل بسبب تنبؤ عن س




.. نتنياهو وكريم خان.. تصعيد وتهديد! | #التاسعة