الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإقتصاد المصري القديم, والمستقبل

سامي حرك

2014 / 1 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


دَرَجَ كُتاب التاريخ على ان يتحدثوا عن مراحل تطور الإنسان القديم وكأنه كيان واحد, إنتقل من العصر الجليدي ثم إلى العصر الحجري فالبرونزي فالحديدي ... إلخ, وفي رأيي أن في ذلك مجافاة للواقع الحضاري والمنطق الطبيعي!
كانت "الكنانة" – كما وصفتها في مقال سابق, وعنوان كتابي القابع بالمطابع – ولأسباب علمية موضوعية تمامًا, هي المعمل الحضاري الإنساني, تفرخت فيه وتفرعت منه أسس ومبادئ المظاهر الحضارية الأولى للوجود, وبالتالي لا يجوز ولا يُعقل رصد التطور الإقتصادي والسياسي لتلك الجماعة الرائدة وكأنه موازٍ ومساوٍ لتطور الحياة في كهوف أوربا أو صحاري وجبال آسيا أو غابات أفريقيا!
نجح إنسان الكنانة في تسخير النهر العظيم, بترشيد إندفاعة مياهه في فروع ومخارج عديدة, وتنظيم إستخدامها بالسدود والقنوات, وبالتالي تأسيس أول منظومة زراعية, ومن ثم سلوك خطوات تطور سياسي وإقتصادي خاصة بتلك المنظومة النهرية الزراعية!
غني عن البيان والتفصيل أن ذلك النجاح لم يكن وليد عمل فردي, بل هو بالأساس عمل يستحيل إنجازه إلا بقوة منظومة جماعية, عبَّر عنها ملوك محاولات التوحيد المبكرة برفع علامة الـ "مر" المميزة, والمفروض أنها ليست إلا أداة زراعية تستخدم في تطهير مجاري المياه, بينما يشير إستخدامها الملكي رمزًا للإنتصار في إزالة عوائق سيولة النهر, إذ أن ذلك كان عملاً قوميًا مصريًا, تحركت من أجله الجيوش!
صار الإقتصاد المصري القديم في ذلك الزمان الكناني وما تلاه لعدة آلاف من السنين, هو القوة الإقتصادية الكبرى في الوجود!
إحترام الخصوصية وتشجيع المبادرة الفردية, مفهوم وموجود, مصان ومرعي, وبه إزدهر الفن والإبداع, إلا أن تلك الفردية كانت محددة ومسورة بسياج عالية, هي المصلحة العامة, والملكية الجماعية للمصدر الأول للإنتاج, وهو النيل, وبالتالي حتمت الضرورة وجود ممثل قوي لتلك المصلحة العامة وذلك العقار الشائع, يوظف لحسابها طاقة الفرد, ويحميها من نوازع الغرائز وزلات الطموح الشخصي!
لا يستطيع أي عالم مصريات أن يُكابر في حقيقة ملكية الدولة المصرية القديمة, ممثلة في مؤسستها الملكية, لأهم وسائل الإنتاج! كذلك في إلتزام تلك المؤسسة بأوجه الإنفاق العام!
وعلى هذا نستطيع بناء معادلة رياضية تقول أن:
قوة وإزدهار الإقتصاد المصري القديم = قوة ووحدة المؤسسة السياسية!
وبنفس المنطق تنشأ معادلة عكسية, هي:
ضعف الإقتصاد المصري القديم = قوة النزعات الفردية والتطلعات الشخصية!
هكذا كان الحال في الزمن المصري القديم بعد أكثر من ثمانية وعشرين ألف سنة كنانية:
• قوة وفورة حضارية بين زمن التوحيد الثاني (4500 ق.م), أو ما يُعرف بحضارات نقادة الأولى والثانية وجرزة والمعادي لحوالي ألف ومائتي سنة, تلتها عشرات من سنين الضعف السياسي والإقتصادي.
• قوة وإزدهار إستمر ألف سنة كاملة, من زمن مينا موحد القطرين (3200 ق.م), حتى نهاية الأسرة السادسة (2200 ق.م), تلتها مائة وأربعون سنة مقسمة على أربع أسرات مفككة, أرهقت الدولة ونظاميها السياسي والإقتصادي.
• عودة القوة والإزدهار للسياسة والإقتصاد بداية من الأسرة الحداية عشر (2060 ق.م), ما يقرب من خمسمائة سنة, ثم بدأ السوس ينخر بتضخم النزعات الفردية, بسبب الإيواء الفردي للهمج الهكسوس ورعونة الإستجابة الخنوعة لتوسلاتهم الخبيثة, حيث أعطى من لا يملك لمن لا يستحق, مما ألحق أضرارًا جسيمة بالبلاد!
• بطرد الملك "أحمس" للهكسوس (1580 ق.م) تعود القوة إعتبارًا من الدولة الحديثة لألف سنة جديدة, ولا تنقطع إلا بمعاودة تضخم الذوات الفردية, مما سهل مهمة الغزاة, فرس وآشور وإغريق ورومان وعرب وترك!
هكذا يمكننا رصد حال الدولة المصرية القديمة, وتطبيق معادلتنا الرياضية على مراحلها المختلفة, بما يستدعي كل الإنتباه في المستقبل, هاهي دروس إقتصادية مجانية, مصرية خالصة, قدمتها لنا خبرة آلاف السنين, فإن نسيناها أو تناسيناها تحت أوهام الحداثة, إشتراكية أو رأسمالية, من الشرق أو الغرب, فسيكرر التاريخ دروسه وعقوباته المؤلمة.
• الحد من تضخم ثروات الأفراد, بتطبيق من أين لك هذا؟ وبالضرائب التصاعدية!
• تجريم إقامة كيانات موازية للدولة, وإعتبار من يفعل ذلك مرتكبًا للخيانة العظمى!
لا بديل عن قوة الدولة, وإمتلاكها للمصادر الأساسية لأدوات الإنتاج, ولابد من وضع حدود حازمة وكوابح مانعة للجنوح الفردي, الإقتصادي والسياسي!
نُدرة الكفاءات والفساد البيروقراطي في مؤسسات الدولة الحالية حقيقة مفزعة, يجب مواجهتها, ويبدأ الحل من تحجيم عدد العاملين فيها وعدم تجاوز المعدل العالمي للإقتصاد الجيد (1% من عدد السكان), إنما لن يكون ذلك بالتفريط وهدم المؤسسات أو خصخصتهم جميعًا, على طريقة قتل الأم والأب والجنين من أجل مصلحة الطبيب!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاستثمار الخليجي في الكرة الأوروبية.. نجاح متفاوت رغم البذ


.. رعب في مدينة الفاشر السودانية مع اشتداد الاشتباكات




.. بعد تصريح روبرت كينيدي عن دودة -أكلت جزءًا- من دماغه وماتت..


.. طائرات تهبط فوق رؤوس المصطافين على شاطئ -ماهو- الكاريبي




.. لساعات العمل تأثير كبير على صحتك | #الصباح_مع_مها