الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحركة الاجتماعية بالريف بالمغرب بين الماضي و الحاضر

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2005 / 6 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


عرف الريف بالمغرب( المنطقة الشمالية) عبر تاريخه الطويل حركة اجتماعية متميزة نظرا لموقعه الجيو- سياسي ، فمنذ الغزو الروماني لشمال أفريقيا و المنطقة تعرف تفاعلات سياسية و عسكرية حولتها إلى موقع ذي مظاهر سوسيو- ثقافية ذات أبعاد ثورية ، فمع غزو القوتين العسكريتين الكولونياليتين الفرنسية و الإسبانية لشمال المغرب في العقد الثاني من القرن العشرين و المنطقة تقاوم التدخلات الأجنبية ، و تعتبر ملحمة " أنوال " بقيادة الشهيد محمد بن عبد الكريم الخطابي أروع ما أنجزته الريف من بطولات تاريخية ، أبهرت الدارسين لتاريخ مقاومة الشعوب للإحتلال العسكري الإستعماري و أصبحت من بين التجارب الإستراتيجية العالمية في مجال حركة التحرر الوطنية ، و هي التي ركزت بعد المقاومة الشعبية ضد اضطهاد الدولة بالمغرب مع تأسيس " جيش التحرير " بالشمال بقيادة الشهيد عباس المساعدي ، و الذي لعب دورا أساسيا في مقاومة الإستعمار المباشر الفرنسي والإسباني للمغرب ، و لم تقف ثورة الريف عند هذا الحد بل لها امتدادات حتى في مرحلة الإستقلال الشكلي مع الإنتفاضة ضد استبداد النظام المخزني في 1959 و التي تم قمعها بالحديد و النار ، و نهج النظام المخزني سياسة التهميش ضد الريف التي يعرف أن لها دورها الأساسي في استقرار و زعزعة الأوضاع السياسية بالبلاد .
إن الاوضاع الاقتصادية و الاجتماعية المزرية لأهل الريف ما هي إلا نتيجة للسياسة المخزنية المتبعة ضد امتدادات حركة التحرر الوطني بالمغرب ، هذه السياسة التي حولت المنطقة إلى بؤرة لترويج المخدرات و السلع المهربة من أوربا و تصدير الطبقة العاملة الرخيصة إلى دول أوربا الغربية ، و انتشر الفقر و الأمية في صفوف الريفيين الذين بدورهم يقاومون هذه السياسة بالصمود في وجه النظام بالتشبث بالخصوصيات الإثنو- ثقافية ، التي تعتبر الأمازيغية الركيزة الأساسية لها و التي تعطي لمبدأ المقاومة بعدا تاريخيا يتحدى هجوم النظام المخزني و تهميشه للمنطقة ، إن الصراع التاريخي بين الريف و النظام المخزني بالمغرب لا يمكن تحليله بمعزل عن الصراع التاريخي للريفيين ضد التدخل الأجنبي و من أجل التحرر و تقرير المصير ، و سيبقى صراعا مفتوحا ما دامت مظاهر التدخل الأجنبي قائمة و لن يهدأ إلا عند نفي هذه المظاهر التي أصبحت عائقا أمام استقرار الأوضاع بالمنطقة .
إن الأوضاع المزرية التي تعيشها الجماهير الشعبية بالريف بعد كارثة الزلزال يوم 24 فبراير 2004 ما هي إلا وجه آخر من الأوجه المظلمة لسياسة النظام المخزني بالمغرب ، و الذي يعبر عن استمرار السياسات المتبعة اتجاه الحركات الاجتماعية و الاحتجاجية للريفيين منذ أمد بعيد ، ففي الوقت الذي يحاول فيه النظام المخزني الظهور بمظهر المعني بالأوضاع الريفية يجد فيه نفسه بعيدا كل البعد عن هموم الريفيين و تطلعاتهم ، و وجد نفسه متورطا أمام مطالب الريفيين التي فاقت المنظور المخزني الضيق لكارثة الزلزال التي حاول استغلالها لفتح باب " التصالح " مع الآخر / النقيض التاريخي ، و كعادته حيث يحاول النظام المخزني استغلال جميع الأحداث في الأفراح و الأطراح لإبراز وجهه بحثا عن الشرعية التاريخية التي افتقدها في سنوات القمع الأسود، حاول فاشلا استغلال محنة " زلزل الحسيمة " للظهور بمظهر البريء متجاهلا بصمات الماضي الأسود التي مازالت موشومة في ذاكرة الريفيين معقل ثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي .
إن أرض الثورة لا يمكن أن تبقى عاقرا حيث الخصوبة لا تنقطع خاصة في ظل التشبث التاريخي بالخصوصيات الإثنو ـ ثقافية في أبعادها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ذات الشرعية التاريخية ، و كانت الكارثة الأليمة لزلزال الحسيمة مناسبة لتعرية وجه النظام المخزني مرة أخرى حيث وجه بحركة مجتمعية متقدمة تجاوزت أساليبه المعهودة ، فكانت حركة المجتمع المدني بالحسيمة أروع ما أنجبته الريف في الآلفية الثالثة و التي تعتبر الإستمرارية التاريخية للثورة الريفية ، لكن إرادة النظام المخزني في الهيمنة على الأوضاع بقوة السيادة المهيمنة وضعته في صراع مع القوى البشرية بالريف التي لم يستطع احتواءها ، و التي لها المبادرة في الحركة و التدخل ليس فقط أثناء كارثة الزلزال بل في كل المناسبات التي يتم فيها تهديد كيان الريفيين ، و تراجع النظام المخزني أمام دينامية حركة المجتمع المدني بالريف محاولا الحفاظ على ماء الوجه في نفس الوقت الذي يضرب فيه ألف حساب و حساب لمواجهة الموقف .
و بقيت الأوضاع على ما هي عليه دون أن يصل النظام المخزني إلى هدفه في احتواء حركة المجتمع المدني التي فاقت تطلعاتها ما يطمح إليه من هيمنة ، فكان لابد من الاصطدام و كعادته تدخل بكل عنف أمام المطالب المشروعة لحركة مجتمعية حضارية تواجه كارثتين : الطبيعية و المخزنية ، و في ظل صمت ما يسمى بالمجتمع السياسي الذي لا يستطيع الخروج من دائرة الطاعة المخزنية في وقت يتم فيه محاولة تمرير قانونين خطيرين ، الأول قانون الأحزاب الذي يسعى إلى تحويل هذه الكائنات إلى منافسين حول التفوق في تنفيذ برامج النظام المخزني ، و الثاني قانون منع الإضراب الذي يكبل أيادي الطبقة العاملة و يصادر منها آلية من آليات الدفاع الذاتي المشروعة التي تم تحقيقها عبر نضالات تاريخية مريرة تم فيها إراقة دماء العاملات و العمال ، و كان لابد للنظام المخزني من التدخل بالقمع المعهود ضد حركة المجتمع المدني بالريف و اعتقال المناضلين وإقامة محاكمات صورية لهم لتجسيد كيانه كنظام تناحري .
و لم تقف الإحداث عن هذا الحد الذي يعتبر بداية مواجهة معلقة إلى حين ، و كان لامتدادات حركة المجتمع المدني بالخارج صدى كبيرا فاق توقعات النظام المخزني حيث تواجد الريفيين بأوربا و هم منخرطون في حركة اجتماعية متقدمة ، كان لها وقع كبير في مواجهة كارثة الزلزال و هجوم النظام المخزني على مناضلي حركة المجتمع المدني بالريف ، و كان الإنتصار الأول بإطلاق سراح المعتقليين و الثاني بتأجيج الحركة الإجتماعية ضد التدخل المخزني و مع رفع شعار إعمار الريف الذي تعرض طيلة تاريخه الطويل للتهميش و التفقير ، و كان لتطور أساليب التعبير و المواجهة وقع عظيم فاق التصورات بعد تنظيم مسيرة احتجاجية بين إمزورن و الحسيمة على مسافة 35 كلم ، و تستمر المسيرات بإعلان مسيرة تماسنت على بعد 28 من الحسيمة ليوم 19 ماي 2005 و قافلة المساندة من طنجة إلى تماسينت ، الشيء الذي أثار غضب النظام المخزني في الوقت الذي لم يستطع فيه احتواء حركة اجتماعية حضارية تعبر بالفعل عن دور المجتمع المدني في تطور الحركة الإجتماعية .
و كان لابد مرة أخرى من التدخل المخزني بالقمع المعهود بعد اعتقال رئيس جمعية تماسينت و عضوين آخريين يوم 11 ماي 2005 و نقلهم إلى السجن بالناضور بعد احتجاجات متتالية للريفيين بتماسينت و مناطقة أخرى ، و كان لأصرار الريفين بتماسينت على تنظيم المسيرة وقع كبير على رغبة النظام المخزني في التدخل بالقمع المعهود يوم 19 ماي 2005 لتفريق المتظاهرين بالعصا الغليظة ، التي لا تفرق بين المرأة و الرجل و الطفل و الطفلة و العجوز و مطاردة الريفيين في الجبال بشتى آليات القمع المعهودة ، و كان لابد من الصمود و التحدى لمواجهة " الزلزال كظاهرة طبيعية و القمع كظاهرة مخزنية " ، ذلك الشعار المرفوع من طرف الريفيين و الذي لن يتم إزالته إلا بإزالة أسباب وجوده و التي تتجلى في التدخل المخزني في شؤون الريفيين ، و كان لتنظيم قافلة التضامن يوم 29 ماي 2005 مع تماسينت وقع كبير على تجديد دماء الحركة الإجتماعية التضامنية مع إعلان اليوم الوطني التضامني يوم 12 يونيو 2005 ، الذي أعطى للقضية بعدا وطنيا حيث تنظيم الإحتجاجات في عدد كبير من المناطق عبر البلاد.

تارودانت في : 17 يونيو 2005

امال الحسين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طارق متري: هذه هي قصة القرار 1701 بشأن لبنان • فرانس 24


.. حزب المحافظين في المملكة المتحدة يختار زعيما جديدا: هل يكون




.. الرئيس الفرنسي يدعو إلى وقف الأسلحة نحو إسرائيل ويأسف لخيارا


.. ماكرون يؤيد وقف توريد السلاح لإسرائيل.. ونتنياهو يرد -عار عل




.. باسكال مونان : نتنياهو يستفيد من الفترة الضبابية في الولايات