الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا أحلم وأمشي على رأسي

خالد ملوك

2014 / 1 / 10
الادب والفن


كنت أعيش باسبانيا ذلك البلد الجار الذي أراه من نافذة غرفتي الواقعة "برأس سبارطيل" بطنجة. تلك القمة الصخرية الجبلية الأقصى لشمال أفريقيا. كرهت المكوث هناك (أي باسبانيا) حيث تغيب أبسط حقوق الإنسان وتغتصب حرية الأفراد باسم الاسلام.
كنت أقطن ببيت صفيحي وأفترش الأرض وأحتمي بغطاء الزنك ...إن لم أقل أني كنت أستعمل فراشا بسيطا متهالكا وأنا أصارع العزلة وقساوة شتاء بارد بينما أتصفح رواية الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز "مئة سنة من العزلة". كنت دائما أعيش حالات الجوع الذي يثبط معدتي، واكتفي بسماع أغنيات كئيبة تنشد الآهات على قَدَري البئيس.
كثيرا ما تسألني دوريات الشرطة لإقليم كتالونيا المعروفة باسم "لوس موصوص دي إسكوادرا" عن هويتي بينما أجوب شوارع "السانت ماري" فأمد لهم بطاقة تعريف تحمل اسم مواطن عادي يدفع الضرائب ويأمل في العيش الكريم والتوفر على مسكن ومأكل وبيت آمن وعلى منجزات وبنيات تحتية تسهل له العيش.
فأنا أول من تأخذه النزعة والغيرة على هذا الوطن في السراء والضراء. أما أجدادي فقد عرفوا عبر التاريخ، فهم من أخرجوا المستعمر وقاوموا الى أخر قطرة دم في عروقهم. إذن، فلن أسامح حكومة "ماريانو راخوي" حين وعدتني بجنة الفردوس فوق الأرض وسوقت لي أوهاما وأيقظت أحلام الناس، القاطنين في المداشر، من مراقدها.
أريد العودة إلى وطني، فلقد كرهت معاملة أعوان الإدارة العمومية وضقت ذرعا من سخرية الأطباء بالأرواح البشرية بمستشفى "كيرون". فهناك توفيت جدتي وبعدها بأسابيع زوج عمتي. ومازلت أتذكر كل مرة أزورها وهي نائمة على سرير أبيض متسخ اختلط فيه سائل الدواء برائحة الشخص المريض ببقايا الطعام...فأصبحت رائحة المكان ممقوتة. نفس الرائحة كانت تنبعث من السرير المجاور...فاختلط الحابل بالنابل. وما أن تلج الباب الرئيس لجناح جراحة العظام حتى تشم رائحة من الصعب تحديد فصيلتها، نظرا للمزج الحاصل بين المحاليل.
سئمت البطالة ،في البلد الجار، التي تأكل جلدي كالجذري...سئمت النضال في ساحة لابورتا ديل السول (باب الشمس) التي أبت أن تشرق لتنور بيتي الصفيحي المظلم. فقررت وبعد تلك المعاناة ألا أنهي قراءة رواية "غابرييل غارسيا ماركيز" البئيسة كأيامي فوق أرض الإسبان. فشرعت في جمع أمتعتي للرحيل إلى الضفة الأخرى لعلها تخرجني من هذه التراجيديا. وهكذا كان !!!. كانت الغبطة ترسم وجهي لأني سأصبح موظفا بعدما كنت عاطلا أو معطلا كمذياع جدي. لا أعرف !!!.
ركبت السفينة على الساعة الثامنة صباحا من الجزيرة الخضراء متوجها إلى عروسة الشمال طنجة. وما أن وضعت رأسي على الأرض ورفعت رجلي نحو الأعلى لأني كنت أمشي مقلوبا وأتنفس من حذائي حتى رأيت تلك النافدة الزرقاء التي كنت أطل عبرها على بلاد الديكتاتور فرانكو.
ما أجمل مدينة طنجة ببنيتها التحتية في طليعتها المواصلات والمطارات العائمة المبنية فوق سطح الماء والقناطر المضادة للزلازل و القطارات التي تعتبر الأسرع في العالم، كما لا ننسى الطرق السيار التي تم تجهيزها بأحدث الوسائل التكنولوجية.
أنا الآن في دولة تهتم حكومتها بالبحث العلمي إذ تنفق لهذا الغرض 3.1 % من ناتجها الداخلي الخام. أو بالأحرى في بلد يقدس فيه الناس العمل ويكرهون الجلوس في المقاهي لمدة طويلة قد تصل إلى يوم بأكمله وهم ملتفون حول " براد دتاي" وأوراق اليانصيب.
تعامل إدارة الجمارك اللطيف جعلني أنسى معاملة الممرضة لجدتي وتصرف أعوان الإدارة المشئوم عند الرغبة في الحصول على وثيقة مشروعة. أحسست حينها أني فعلا مواطن له قيمة وكرامة وانتابني إحساس غريب اختلط فيه الحلم بالسبات العميق.
ظننت أن طنجة هي المدينة الوحيدة التي تنعم بكل هذه الأشياء الجميلة التي تسرق الأنظار وتسلب العقول. لذا قررت السفر إلى مدن مغربية أخرى لأثبت صحة ما أذهلت برؤيته. فكانت وجهتي إقليم أزيلال. عند الوصول إلى هذه المنطقة النائية حيث يقطن زميلي الذي فرح بقدومي لبلاد المغرب، بعدما عانيت كثيرا في الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط. كان الطريق طويلا، شعرت بعياء كبير واستسلمت بعده للنوم.
في الصباح استيقظت ووجدت رأسي فوق وسادة مقطعة ومليئة بالجوارب وأكمام الملابس القديمة...أطلت من النافدة فسمعت صراخ امرأة جاءها المخاض في الحقل المجاور...فتبخرت أحلامي ومعها سفري إلى بلاد الفردوس المفقود...وتحسرت على عدم رؤية وطني كما في الحلم العميق الذي أخذني لوهلة.
(*) أستاذ اللغة الاسبانية ومترجم
https://www.facebook.com/mellouk.khalid?ref=tn_tnmn








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-