الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالم بلا أصوات

فراس عبد الحسين

2014 / 1 / 11
الادب والفن


عالم بلا أصوات

جالساً على كرسيه المدولب امام مكتبه الصغير, الساعة تشير الى الثانية صباحاً, ضوء ساحر خافت يغطي غرفته, افكار مشوشة وشخصيات مشوهة تجول في خاطره أخذت تتبلور, تبرز ملامحها وتتوضح معانيها اكثر, كلمات سوداء مدنساً بها عذرية الورق الابيض.
فز وأنسكب فنجان القهوة من يده, أخذ يحدق ببياض الورقة , يقلب أوراق الدفتر يبحث عن شيء مفقود... أين ذهبت.. لماذا اختفت.
عاود الكتابة غاص في عالمه لساعات طويلة, فجأة رمى القلم مرة اخرى وأبتعد عن دفتره مذهولاً مرتبكاً يدعك عينيه بكلتا يديه, ينظر بريبة وحذر من بعيد.
بان له وجهها رفعت الخطوط بكلتا يديها للأعلى والاسفل, انزاحت كلماته وتجمعت مثل الملابس على حبل الغسيل بعد عاصفة هوجاء وتجمعت بأقصى أطراف الورقة...!
نفس الشكل والملامح التي تخيلها بعقله قبل قليل, ذات العيون الواسعة وتسريحة شعرها الاسود الطويل, لم تخف ولن تتفاجأ مثلما فعل ابتسمت فضحكت وسع فمها الصغير كأنها تعرفه من قبل.
أومأت اليه بيدها مستدعية, شبكت أصابعها الناعمة بأصابعه وسحبته بلطف وهدوء, أدخلت يده ثم جسده في الورق وتلاشى من الوجود, ولج عالمها الهلامي أبيض شفاف بخطوط سوداء وزرقاء.
الشمس, البحر, الغيوم, الازهار, الطيور, الاطفال, البنايات والشوارع, كلها من خطوط , عالم من خطوط. بلا وقت بدون أبعاد.
واقفاً بجانبها ينظر لجسمه مذهولاً لن يصدق ما ترى عيناه, ويمشي على ساقيه بدون عكازه ولا كرسيه المدولب الذي لم يفارقه منذ خمس سنوات مضت.
– ان الحياة شلال من المفاجآت منها ما هو سار ومنها ما هو مؤلم. خاطرته عن بعد دون همس بلا كلمات.
أخذته لغابات من أشجار السرو والسنديان طيور وعصافير تتناقل فوق أغصانها, تنتشر تحتها حدائق زهور توليب سوداء واسعة بأشكال متنوعة تتناقل فوقها فراشات زرق, وتسقيها جداول تنحدر من الجبال البعيدة, عالم جميل من خطوط.
تجولوا حتى وصلوا الى شاطئ بحر تغطيه طيور النورس, أمواجه من حبر أزرق تأتي مرتفعة من بعيد بلا هدير, اعتقد انها ستدمر المكان ما ان وصلت أضمحلت وتلاشت وأخذت تداعب اصابع رجليهما بلطف نعومة الحرير, بقيا هناك للمساء لحين أن احتضن البحر حبيبته الشمس بهدوء, والتحفها كأنها غائبة عنه منذ زمن بعيد, لم تعم العتمة حتى الليل هناك أبيض ...!
كان كونهم بلا أصوات يغرق بصمت مطبق , بدأ يتخيل كل أصوات الحياة الجميلة, زقزقة العصافير و حفيف الشجر, عندلة البلابل وزخات المطر, ضحكات الاطفال وهدير موج البحر. حذف من مخيلته فحيح الافاعي, نعيق البوم والغربان وأنين وجع الانسان, بدأ يسمع محيطه كما يحب ويرغب.
تمنى ان لا يصحو من نومه أذا كان يعيش حلم سعيد, شعر بسعادة غامرة في عالمه الأحادي اللون كان يفتقدها بحياته الملونة, رغب ان يتوقف الزمن وتبقى كل لحظات البهجة خالدة ابداً,.
- هذا العالم نتاج خيالك وابداع قلمك, كل كلمة تكتبها تتشكل هنا في عالمنا عالم من حبر بلا حدود بدون أبعاد.
تنهد طويلا - ليتني استطعت خلق عالمي بقلمي مثلما خلقت عالمكم.
– لكنكم تعيشون حياة الغاب ولم تتطوروا منذ الأزل, يأكل القوي فيكم الضعيف والبقاء للأقوى, عندما سيطرت الوحشية على الانسان فيكم فقد أدميته تحول لحيوان كاسر, وتبدلت حياتكم لجحيم مطلق.
حلقت معه من جديد بين الغيوم الزرقاء, أخذته لمكان آخر لعالم آخر, مكان مرعب افزعه وارهبه بحق حينما تبدل لون السماء لحبر أسود, كان أشبه بالمقبرة مكتوب فوق بابها الواسعة (مخلفات), كانوا اناساً مشوهي الوجوه, عيون بدل الاذان وبالعكس, بعضهم بلا ايدي وآخرون دون أرجل, بعضهم بلا أطراف, وهناك رؤوس بعين واحدة وآخرون بعيون ثلاث.
لاذ خلفها خاطرها بخوف من هؤلاء؟ -هم مخلفات كتاباتك..!
تكتبهم مشوهين غير مكتملين وتتركهم نصف أحياء بين الموت والحياة, تعذبهم تدمر حياتهم وكيانهم, أنت وقلمك من أوجدهم, عقلك خلقهم للوجود, عليك ان تعطيهم حقهم في الحياة, توصف اساريرهم كاملة كما هي بلا نقص, او تتركهم بلا وجود...! ها هم معوقون عاجزون يدفعون ثمن فعلتك الشنعاء.
بعد لحظات بوووووووم, تبخر البحر وذاب الشجر, اضمحلت الغابات والعصافير, بلحظة اختفت وتلاشت كل معالم الحياة, عادت الالوان مع عودة الاصوات..!
نظر للشباك من كرسيه المدولب الى غيمة دخان أسود تشبه فطر الغابات, كان عالمهم هادئ ساحر جميل, خالي من الاصوات. بلا ألم وخوف بلا قتل ودم خالي من الانفجارات...
صحا من الخيال عاد الى عالمه..
أمسك بقلمه من جديد....عاد لعالم الكلمات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس


.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد




.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد


.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد




.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا