الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صهيل الفرس المفجوعة فوق التل

سعد محمد موسى

2014 / 1 / 11
الادب والفن


صهيل الفرس المفجوعة فوق التل
سعد محمد موسى
في إحدى الصباحات الصيفية كانت خطى اللاجىء غارقة بالاحزان وذاكرة الجبال الموحشة والقاسية
وهو يسير بمحاذات مزرعة للخيول في أطراف قرية تمتد ربوعها الخضراء بعيداً نحو أقاصي جنوب السويد.
كان اللاجىء مثقلاً بلوحه السومري الموشوم بجراحاته وأحلام الوطن الذي تركه هنالك ينزف.
استوطن المتعب في منفاه بسلامٍ وعزلة بينما ذاكرته كانت مثقبة مثل خوذة جندي مهجورة في الارض الحرام . ثم توقفت خطاه أمام فرس صهباء كانت ترضع مهرها الوديع بطمأنينة.
...
رحلت حينها ذاكرة اللاجىء بعيداً الى وديان الجبال الوعرة والى تلال قضاء شيخان التي كان يقطنها (الايزيديين) وهو كان مقاتلاً في إحدى فصائل الانصار الشيوعيين أثناء محاصرة مفارزهم عام 1988 من قبل الجيش العراقي والمرتزقة الاكراد الذين كان يطلق عليهم تسمية (جحوش).
...
إنقطعت المؤن والامدادات عن المقاتلين، فشعروا بضراوة الجوع بعد أن نفذ طعامهم وهم مختبئين وراء سواترهم ومفارزهم.
ثم شاهد أحد الانصار فرساً مع مهرها وهما ينحدران الى واديٍ قريب من رابيتهم فتسارع المقاتلين لحصار الفرس ومهرها. فأمسك الجياع بالمهر بينما الفرس هربت مذعورة وحوافر خببها كانت تنقش فوق الصخور تضاريس الاسى والخذلان.
تسلقت الفرس تل (كيري باجي) وهي تشهد فجيعة أسر مهرها، وصدى صهيله البكر كان يخترق الفضاء منادياً " أماه أنقذيني" !!!
ثم ذبحه أحد المقاتلين بسكينه الحاد. سالت دماء المهر فوق الصخور الملتهبة .
صهلت الفرس من أعماق فجيعتها نحو عنان السماء وسالت الدموع من عينيها. شعر بعض المقاتلين بحزن المشهد فلم يكن لهم خيار وسط هذا الحصار غير قتل المهر. كما كان يظن الجميع.. بإستثناء أحد الانصار الذي رفض أن يشارك رفاقه وليمة العشاء الاثمة.
شعر الرفيق بالخيبة وحزن المساء، فانزوى وراء صخرة وأجهش بالبكاء وهو يتذكر مشهد الفرس حين كان يعلو صهيلها فوق التل . ثم داهمته ذكرى أمه أيضاً على ضفاف شط العرب حين كانت تودعه لاخر مرة بنحيبها الجنوبي الذي كان يتعقب صداه خطى أبنها الوحيد وهو يغادر البصرة شمالاً كي يلتحق باحدى معسكرات رفاقه الشيوعيون في كردستان.
...
كان بعض الرفاق يطلق تسمية الماركسي الرومانسي على صديقهم (سامي) المنحدر من إصول مندائية.
بعد أن قرر أن يكون نباتياً.
غالباً ماكان سامي يقضي أوقاته اثناء أداء واجبه في المفارز وفوق الروابي بقراءة الشعر والكتابة .
بعد سنتين قضاها بين رفاقه الانصار ، قرر ذات يوم أن يغادر كردستان ويودع الرفاق .
فكر ببناء طوافة خشبية من بقايا جذوع الاشجار والاغصان كي يعبر بها نهر الخابور من كردستان الى سوريا لغرض مقابلة الامم المتحدة هنالك في دمشق ثم طلب اللجوء الى إحدى دول الغرب.
...
بعد ان ودع سامي أصدقائه تاركاً لهم كتبه ودواين الشعر وبعض من تخطيطاته بالفحم والاحبار فوق علب السكائر والورق التي نفذها أثناء تواجده في معسكرات الانصار.
لم يجلب معه سوى حقيبة صغيرة كانت تحتوي على قليل من الملابس وحاجيات صغيرة وزوادة طعام.
أبحرسامي بطوافته الخشبية في ليلة معتمة بعد أن غادرها القمر خلف سواتر الغيوم، كي لايوشي به الضوء فيفتضح أمره الى العسس المتربصين فوق رابية مثلث الموت والذي كانت تتشاطره قناصات وفوهات بنادق الجنود الاتراك والعراقيين والسوريين.
لوح سامي بيديه لرفاقه المودعين على جرف النهر. ثم جدف بعمودين خشبيين وهو يدفع بالطوافة وحين إبتعد قليلاً أخذ يجدف بحذرٍ شديد بعد أن تمالكه القلق ونشوة الحلم صوب ضفاف الشام.

استغرقت الرحلة المرعبة بشق الانفس فوق طوافة الخشب الى ضفاف سوريا أكثر من ساعتين حتى وصوله الى الضفة الاخرى من نهر الخابور ثم تسلل من هناك الى قرية سورية واختفى في اعماق الليل مابين البساتين والبيوت الطينية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أين ظهر نجم الفنانة الألبانية الأصول -دوا ليبا-؟


.. الفنان الكوميدي بدر صالح: في كل مدينة يوجد قوانين خاصة للسوا




.. تحليلات كوميدية من الفنان بدر صالح لطرق السواقة المختلفة وال


.. لتجنب المشكلات.. نصائح للرجال والنساء أثناء السواقة من الفنا




.. بطريقة كوميدية.. الفنان بدر صالح يوضح الفرق بين السواقة في د