الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب *ثقافة الصحراء للدكتورعباس الجراري*

محمد البوزيدي

2014 / 1 / 11
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


ثقافة الصحراء د-عباس الجراري
يعتبر هذا الكتاب الصادر سنة 1978 من أهم ما كتب عن الصحراء و ثقافتها في السبعينات من القرن الماضي، وهو في الأصل محاضرة بعنوان:" الصحراء مهد أصيل للثقافة" ألقاها الدكتور عباس الجراري ضمن فعاليات الأسبوع الثقافي الذي نظمته في نواكشوط وزارة الدولة المكلفة بالشؤون الثقافية بموريتانيا في الفترة مابين 28 مارس و4 ابريل 1975 .
ويتوزع الكتاب إلى ثلاثة فصول ،وقد استهل بسؤال وهو لماذا طرح موضوع الصحراء من خلال الثقافة ؟ ليجيب أن الصحراء كانت دائما مهدا أصيلا للثقافة.والثقافة كانت أبدا مزدهرة في هذه المنطقة ،وكانت عنصر تواصل وإشعاع على الدوام.
في الفصل الأول من الكتاب يعرض الكاتب للملامح التاريخية والثقافية و الفكرية التي عرفتها الصحراء، معضدا أقواله بنصوص كثيرة من أمهات المصادر والمراجع التاريخية المختلفة،حيث يجرد الكاتب كرونولوجيا تاريخية بدءا بالمراحل الأولى للتاريخ وما قبل التاريخ في الفترة البدائية والحضارات الحجرية والبرونزية والحديدية التي تعاقبت على الصحراء محددا بعض تجلياتها في معرفة السكان بفنون الصيد والحرب والفلاحة ، والكتابة بخط تيفناغ كما تثبته الصخور والأخاديد المكتوبة مما يؤكد الوحدة الإثنوغرافية في المنطقة ، والاندماج الذي صهر فيما بعد بين البربر الأمازيغ والعرب الوافدين ، خاصة أن القبائل الصنهاجية كانت عنصرا سكنيا في الصحراء ، وهي من فصيلة البرابرة البرانس .
ثم يتوقف عند مرحلة الفتح الإسلامي، ليؤكد أن نفوذ دولة الإسلام كان مبسوطا على الصحراء بدءا من عقبة بن نافع وموسى بن نصير وفي عهد دولة الأدارسة وإمارة المغراويين .
كما يشير الكاتب إلى أن بعض علماء الصحراء رحلوا إلى المدينة المنورة في منتصف القرن الثاني وأخذ عن مالك وعاد ينشرون مذهبه مما سيتيح للفقه المالكي أن يوحد المنطقة كلها على عهد دولة نابعة من الصحراء هي دولة المرابطين.الذين انطلقوا من قوتين :
أولهما : التحام عدد من القبائل والثانية : التفوق الاقتصادي
وفي عهد دولة الموحدين، وابتداء من ولاية عبد المومن، ولاسيما في عهد المنصور، نجد بني هلال وبني سليم وبني معقل يفدون ويستقرون في الجنوب المغربي، خاصة منهم المعاقلة الذين استوطنوا الصحراء، وبصفة خاصة بنو حسان.
ثم ينتقل في الفصل الثاني للتعريف ببعض أعلام الثقافة في الصحراء والمناصب التي تقلدوها ومؤلفاتهم الفكرية ، بدءا من داعية المرابطين عبد الله بن ياسين وشيخه وجاج بن زلو . وفي رحاب الدولة المرابطية التي رميت من خصومها بالجهل جماعة من رجالها كانوا مبرزين في العلم ، أتيح لهم أو لبعضهم أن يرحلوا إلى الأندلس أو المشرق،ذاكر منهم :
1- زاوي بن مناد بن عطية الله بن منصور الصنهاجي المعروف بابن تقسوط ،
2- عمر بن إمام بن المعتز الصنهاجي .
3- الأمير المنصور بن محمد بن الحاج داود الصنهاجي ، الأمير ميمون بن ياسين ، أبو بكر ابن إبراهيم المعروف بابن تافلويت.
أما في العصور التالية فقد لمعت أسماء كثيرة وفي شتى فروع المعرفة، ويذكر منهم:
1- محمود بن عمر بن محمد أقيت الصنهاجي المتوفى سنة 960 هـ،
2- الفقيه المفتي الشيخ محمد بن محمد التنبكتي المعروف بـ"بغيع" (930-1002 هـ
3- أحمد بابا (ابن أحمد بن عمر التكروري التنبكتي 963-1036/ 1556- 1627 )
4- عبد الله بن محمد العلوي الشهير بابن رازكة الذي كان متفننا في فنون شتى و كان متصلا بالمولى إسماعيل وحظي عنده وأصبح من خاصة ولده الأمير محمد المعروف بالعالم .
5- سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم بن الإمام محنص العلوي .
6- محمد بن عبد الله بن رازكة .
7- سيدي محمد بن الشيخ سيدي المتوفى سنة 1284 -1867 .
8- المختار بن بون الجكني .
9- باب بن أحمد التيجاني بن باب بن أحمد لبيب المتوفى أوائل العشرة بعد الستين ومائتين وألف .
وإذا كانت لائحة العلماء الصحراويين – كما يؤكد د الجراري- أطول من أن تحصى لما تحتويه من أسماء، فإنه لا مناص من الختم بالشيخ ماء العينين وأفراد أسرته الشريفة ، الذين اشتهروا بالجهاد والعلم والأدب ، وكانوا السند الكبير والقوي للدولة في الصحراء وحققوا التواصل السياسي والفكري في المنطقة كلها ، وكانوا دائمي التنقل من الصحراء إلى أقاليم الشمال . وأن ظهائر التولية والتعيين في مناصب القيادة والقضاة وكذلك ظهائر التوقير والاحترام شاهدة على ذلك .مذكرا بالشيخ محمد فاضل بن مامين (1194-1287هـ) وبعض أبنائه كالشيخ ماء العينين محمد مصطفى الذي كان عالما أديبا وشيخا مربيا ، وهو مؤسس طريقة "أهل بركة الله" التي تعتبر استمرارا للطريقة الفاضلية . وقد خلفه ابنه أحمد الهيبة، ثم مربيه ربه فمحمد الأغضف العلامة الورع الشهير الذي يدرس في مراكش إلى حدود سنة 1330 هـ .
لكن الاهتمامات العلمية لم تكن في الصحراء مقصورة على الرجال فقط، بل كان للمرأة فيها نصيب وافر، ويذكر منهن:
1- زينب التفراوية زوجة يوسف بن تاشفين ، وقد اشتهرت بالجمال والرياسة والعلم .
2- أم طلحة تميمة بنته ، وكانت لها عناية بالأدب والشعر
3- قمر زوجة علي بن يوسف ، وكانت مبرزة في الرياسة والأدب.
4- حواء وزينب أختا أبي بكر ابن إبراهيم بن تافلويت ،
5- خناثة بنت بكار زوجة المولى إسماعيل ،
6- صفية بنت المختار ،
7- خديجة بنت المختار بن عثمان ،
8- هند زوج ماء العينين ، كانت عالمة مشاركة
9- ميمونة بنت الشيخ محمد الحضرمي ،
10- أختها ربيعة ، وهي وأختها حفيدتان للشيخ ماء العينين.
11- خديجة بنت الإمام محمد العتيق ،
12- مريم الشاعرة
13- خديجة بنت البيضاوي .
في الفصل الثالث من الكتاب يعرض د الجراري لخصائص ثقافة الصحراء من زاويتين :
الأولى: من حيث المحتوى والمضمون حيث يميز بين جانبين :
1- الجانب الفكري المذهبي ، وهو يسير في الخط السني القائم على عقيدة الأشعري وفقه مالك ، شأن الصحراء في ذلك شأن بقية الأقاليم المغربية والموريتانية .
2- الجانب اللغوي والأدبي ، ويتمثل في لغة رصينة متينة يعتمد أصحابها غالبا على الرجوع الدائم للقاموس وعلى حفظ أراجيز العرب ، وهم في الأدب ينطلقون من الجاهلي والأموي مما جعل ملامح العرب أدب هذا العصر- والشعر خاصة- تنطبع قوية على إنتاج الشعراء الصحراويين.
ويشير د الجراري إلى أن التراث الثقافي الصحراوي ليس مقتصرا فقط على الحيز المدرسي ، ولكنه يشمل كذلك حيزا آخر يتصل بالتراث الشعبي الذي يعطي للثقافة الصحراوية خاصية التنوع والغزارة والخصب خاصة حلقات السمر حيث تتداول القصة والحكاية والشعر والأمثال، والتسلية والإمتاع .كما يتمثل في الفنون ومختلف الصناعات اليدوية الدقيقة ، وما يتصل بالموسيقى والغْنَاء والرقص الذي تتميز فيه رقصة الكدرة المشهورة.
كما يلفت النظر إلى أن الشعر المعروف بالملحون –وهو من أغنى أنواع الأدب الشعبي- نشأ في الصحراء ثم انتقل من تافيلالت إلى الشمال ليزدهر في الحواضر ،ومن الأسماء الأولى التي لمعت فيه مولاي الشاد وعبد الله ابن احساين،وكلاهما من الصحراء ،ومن القرن التاسع الهجري .
الثانية : من حيث الأبعاد والآفاق حيث يميز بين جانبين:
الأول :أن ثقافة الصحراء كانت دائما ثقافة تواصل، حيث نجد العلماء والأدباء الصحراويين يتوافدون على أقاليم الشمال ،إما للدراسة والتدريس،وإما للاتصال بالملوك قصد مدحهم أو الكتابة لهم .ويذكر في هذا الصدد :
1. الشاعر أبو إسحاق بن يعقوب الكاتمي الذي مدح المنصور الموحدي ،
2. المختار بن الهيب الايبيري ، كان كاتبا للمولى عبد الرحمن .
3. عبد الله العلوي المعروف بابن رازكة ،
4. محمد بن سيدي محمد حفيد العلامة ابن رازكة ،كان متصلا بالمولى عبد الرحمان.
5. محمد لمجيدري بن حبيب الله الشاعر الوشاح، كانت له حظوة عند السلطان سيدي محمد ابن عبد الله .
6. معاوية بن الشد التندغي وهو "شاعر فصيح وله شعر مليح " وقد ذكر له الشنجيطي أرجوزة في مدح مولاي اليزيد بن سيدي محمد بن عبد الله .
7. محمد محمود البيضاوي الشنجيطي العالم الكبير الذي هاجر إلى مراكش ليدرس، وكان مع المقاوم الهيبة ،وقد توفي في كردوس سنة 1349.
8. أخته خديجة بنت البيضاوي .
9. محمد البيضاوي الشنجيطي .
10. محمد بابا الصحراوي (1290-1342 ه)
11. محمد سالم الصحراوي المتوفى نحو 1364 ه وهو من الذين كانوا في صحبة الشيخ ماء العينين ثم أقاموا في سوس قال عنه صاحب المعسول " هذا شاعر فطري مفوه عبقري يعرف كيف يسبك ويصوغ " .
12- الشيخ سيديا ابن الشيخ أحمدو الديماني الصحراوي (1295- 1373 هـ) .
13 – ماء العينين ابن العتيق .
لكن خط التواصل لم يكن يسير في اتجاه واحد كما يؤكد د عباس الجراري، بل كان يقابله خط آخر يسير من الشمال إلى الجنوب ، ويتمثل في الرحالة الذين اتصلوا بالصحراء وكتبوا عن أقاليمها ، كابن بطوطة في منتصف القرن الثامن الهجري ، وأبي سالم العياشي (ت. 1090 ه) صاحب رحلة "ماء الموائد" ، ومعاصره أبي عبد الله محمد بن أحمد القيسي الشهير بالسراج صاحب رحلة " أنس الساري والسارب من أقطار المغرب إلى منتهى الآمال والمآرب سيد الأعاجم و الأعارب" .
كما يتمثل في الوفود الرسمية التي كانت تزور أقاليم الصحراء ، وفي طليعتها الوفد الذي زار الساقية الحمراء، وكان بعثه المولى عبد العزيز لاستخلاص طرفاية من الانجليز سنة 1313 هـ . كما يتمثل هذا الخط الذي يسير من الشمال إلى الجنوب في الشعراء الذين مدحوا الشيخ ماء العينين كالطاهر الإيفراني وأحمد بن المواز وعبد الرحمن ابن زيدان وأحمد البلغيتي وأحمد سكيرج وعبد الله القباج وغيرهم ممن تكفلت بذكر قصائدهم كتب ودواوين كالمعسول للمختار السوسي والأبحر المعينية لجامعه محمد بن ماء العينين .
وتتجلى ميزة التواصل بعد هذا في التبادل العلمي المتمثل في أكثر من مظهر، ومن أهمه تبادل الانجازات العلمية على حد ما حدث بين محمد بن محمد بن أبي بكر التواتي المتوفى سنة 1010 هـ وأحمد بن القاضي الذي قال عنه : تدبجت معه إجازتي وأجزت له وأخذ عني الحساب والفرائض بمراكش ".
الثانية : عناية الملوك بطبع إنتاج علماء الصحراء منذ دخلت المطبعة إلى المغرب في منتصف القرن الماضي ، حيث يذكر العديد من المؤلفات التي طبعت لكل من: أحمد بابا والمختار بن بون الجكني و عبد القادر بن محمد بن محمد بن سالم الشنجيطي ومحمد بن الصغير الشنجيطي ومحمد النابغة الشنجيطي ومحمد فال بن محمد بن أحمد العاقل الديماني و عبد الله بن إبراهيم العلوي الشنجيطي ومحمد بن حبت الشنجيطي .
أما ما طبع من إنتاج علماء أسرة ماء العينين فأكثر من أن يحصى وأشهر من أن يخفى ، خاصة للشيخ ماء العينين ولمحمد مصطفى بن محمد الفاضل ولمحمد تقي الدين بن محمد مصطفى .
وفي الأخير يؤكد الكاتب أن ثقافة الصحراء تحتاج إلى كثير من البحث والتنقيب للكشف عنها في صورتها المتكاملة ، وتحتاج بعد ذلك إلى مزيد من الدراسة والتحليل، انطلاقا من التواصل الذي ربطها بالحركة الثقافية في المغرب وموريتانيا ، وعلى اعتبارها تراثا مشتركا بين البلدين ، فهي مسؤولية جماعية
ويتميز الكتاب الذي يوجد بخزانة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط ،ولا تتوفر المكتبة الوطنية بالرباط على أي نسخة منه –للأسف- بجرد حقائق تاريخية وأدبية معضدة بمصادر ومراجع غربية وتاريخية عربية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يمكن قراءة تصريحات بايدن حول اعترافه لأول مرة بقتل قنابل


.. بايدن: القنابل التي قدمتها أمريكا وأوقفتها الآن استخدمت في ق




.. الشعلة الأولمبية.. الرئيس ماكرون يرغب في حقه من النجاح • فرا


.. بايدن: أعمل مع الدول العربية المستعدة للمساعدة في الانتقال ل




.. مشاهد من حريق ضخم اندلع في مصنع لمحطات شحن السيارات الكهربائ