الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بداية نهاية مرحلة سياسية

اسماعيل شاكر الرفاعي

2014 / 1 / 11
مواضيع وابحاث سياسية




تعني المرحلة هنا فترة من الزمن تسود فيها مفاهيم سياسية معينة ويمارس فيها النشاط السياسي وفق آليات تم قبولها من كل الاطراف الاساسية كناظم للعملية السياسية . وتعني النهاية هنا على غير ما تعنيه نهاية الاشياء في الطبيعة او في البيولوجيا من موت مؤكد وهمود أبدي ، لأن التفاعل في الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي يختلف عن التفاعل في ميادين الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا لأختلاف قوانينهما ، فالنهاية هنا لا تعني الموت الفيزيائي الابدي بل تعني اضمحلال تأثيرها السياسي وتراجع اشعاعها الثقافي على وعي الغالبية وبقاءه محصوراً في دوائر ضيقة من المستفيدين .
اذاً نقصد بعبارة : " نهاية مرحلة " ، تراجع تأثير مفاهيمها السياسية مثل مفاهيم المواطنة وحقوق الانسان وكفالة الحريات على وعي حامليها الاجتماعيين من البشر الناخبين .
تعكس المرحلة السياسية الجديدة التي يمر بها العراق بعد 2003 بداية نهايتها في وعي قادتها السياسيين قبل الناخبين . ومع ان عمرهذه المرحلة عشرة سنوات ، الاّ اننا نسميها مرحلة سياسية ، لأنها ابتدأت كما تبتدئ المراحل الفاصلة في التاريخ : اطفاء زاوية نظر الى الكون والحياة وحلول أخرى محلها .
ترتب على زاوية النظر التي تم اطفائها في 2003 ولادة منهج في الحكم حدد للانسان دوراً في الحياة حصره بالتضحية بالذات من أجل هدف سياسي : بناء وحدة أمة عن طريق بناء دولة شديدة المركزية . انطفأ ذلك النظام بضربة عسكرية من خارجه ، وانطفأت معه مؤسساته التي توخى منها تحقيق ذلك البناء ، لأن الخارطة الجغرافية التي اراد ذلك النظام توحيدها ، لا تتحقق ان لم يتم اعادة ترتيب خارطة العالم الجيوسياسية من جديد : بضرب مصالح الدول الكبرى التي أسست النظام الدولي الجديد بعد الحرب العالمية الثانية .
على انقاض نظام مركزية الدولة المستوحى من مفهوم : الدولة ــ الامة الاوربي ، لكن بتطبيق تميز بالشوفينية والفاشستية ، أي على انقاض زاوية نظره الى وظيفة الانسان في الحياة المستلة من نظرة البعثيين الى الكون والحياة ( وهي في التحليل الاخير لا تختلف عن نظرة الاسلاميين : المعتدلين منهم والمتطرفين ، اذ هم جميعاً يشتركون بنظرة واحدة ثابتة الى وظيفة الانسان ــ العربي بلغة القوميين ، والانسان المسلم بلغة الاسلاميين ــ في الحياة المتمثلة بضرورة هداية الامم الاخرى الغارقة في الغواية والضلالة بلغة الفقيه القديم ، والمنحلة اخلاقياً بلغة الفقيه والقومي الحديث ) ، ولدت زاوية نظر جديدة الى دور ووظيفة الانسان في الحياة ، مستلة هي الاخرى من زاوية نظر أخرى الى الكون والحياة ( فرضها المحتل الامريكي على شكل قانون اساسي ) قام عليها نظام سياسي .
ابتعدت زاوية النظر الجديدة عن المركزية : المفهوم الاساس الذي تمحورت من حوله كل الفعاليات السياسية والاجتماعية والثقافية في الفترة القومية 1968 ــ 2003 عراقياً ، 1952 ــ 2011 عربياً ، مندمجة بتيار سياسي عالمي تمثل اللامركزية فيه المفهوم الاساس : من لا مركزية الدولة ( الاخذ بمفهوم الفيدرالية وتوزيع الصلاحيات على الاطراف من الاقاليم والمحافظات ) الى لامركزية الاقتصاد ( حرية السوق وحرية التجارة ) الى لا مركزية الحزب الواحد والزعيم الواحد (التعددية السياسية والفكرية ) الى لامركزية الحقيقة ( اذ ان دورية الانتخابات تقوم على مفهوم نسبية الحقيقة ، فأكثرية اليوم قد تصبح أقلية الغد وهو ما يقود الى الاعتراف المتبادل بين الاحزاب والتيارات السياسية والفكرية ، والى التداول السلمي للسلطة واحترام ارادة الناخب )
اختلفت المهمات االملقاة على عاتق المواطن في المرحلتين :
في المرحلة القومية : انيطت بالمواطن مهمة منازلة الخارج انطلاقاً من نظرة موروثة ــ يحملها الموروث السياسي والفقهي ــ عن دار الاسلام ودار الحرب .
في مرحلة ما بعد 2003 : انيطت بالمواطن مهمات داخلية لا خارجية كما عبّرت عن ذلك بنود دستور 2005 بوضوح ، فتم التخلي عن التجنيد الاجباري الذي كان يشمل جميع الذكور البالغين ، وهو ما تحتاج اليه زاوية النظر الموروثة التي تتطلب منازلة الخارج بحرب دائمة ، وتم استبداله بتجنيد يقوم على التطوع لسد وتلبية الحاجة الداخلية الفعلية ...
كيف انتظمت الفعاليات الحياتية : السياسية والثقافية والاجتماعية ، وما مدى تأثير زاوية النظر الجديدة الى دور ووظيفة الانسان في الحياة ــ عليها ؟
تشير تجربة العراقيين مع دستورهم الجديد الذي تتجسد فيه النظرة الجديدة الى الكون وبالتالي الى وظيفة الانسان في الحياة ، الى صعوبة نقل المفاهيم السياسية وفرضها من الخارج ، فالنظرة الجديدة تحدد دوراً للانسان مرتبطاً بالتوجه الى انتاج ضروريات حياته ، والى اختراع وابتكار التكنولوجيا المناسبة لحل التحديات البيئية والحياتية التي تواجهه ، والهدف من وراء ذلك كله يتمثل بالسعي الدؤوب والمتواصل لتحسين شروط العيش في الحياة ، وذلك ما يتطلب وجود سياسيين يؤمنون بأن نشاطهم السياسي يجب ان يتوقف عند حدود الدنيا ولا يتعداها الى الآخرة ، أي ان تكون مفردة الانجاز ذات مرتبة عليا في لغة السياسي ، وان تكون الخطة هي التعبير العملي عن الانجاز ، وان يكون المشروع الصناعي او الزراعي او الخدمي هو التجسيد النهائي لمفردة التخطيط .
فماذا حدث ؟
حلت في الثقافة العراقية في هذه المرحلة مفردات ليس لها علاقة بهذا التوجه الدنيوي الوارد كمفهوم مركزي في القانون الاساسي الجديد للبلاد ( الدستور ) ، عبرت عن فعاليات دينية تتوخى تحسين شروط دخول العراقي بعد الموت الى الجنة . وطغت هذه الفعاليات على ما عداها من فعاليات مجتمعية لدى كل الطوائف والمذاهب الاسلامية : مما تسبب بتصاعد لهيب الصراع الطائفي . لقد تحكم بهذه المرحلة وعي ديني طائفي لا يمت بصلة الى المفهوم الاساسي عن تطوير الانسان العراقي بتطوير شروط حياته من حيث التركيز على الابداع في مجالات الانتاج والخدمات ، فظل الاقتصاد ريعياً معتمداً في جانبه الكبير على ايرادات النفط .
والخلاصة :
اصبح تمييز المراحل التاريخية التي تمر بها الامم يقوم على مفاهيم سياسية ومؤسسات تتميز بها كل مرحلة ، ومع اننا وضعنا توصيفاً عريضاً للتمييز بين المرحلتين يقوم على اختلا ف زاويتي نظرهما الى دور ووظيفة الانسان في الحياة ، تجسد ذلك عبر مفهوم سياسي مركزي لكل مرحلة : المركزية في المرحلة السابقة ، واللامركزية بالنسبة للمرحلة الحاضرة ، فأن الكتلة السياسية ( وهي تحالف بين مجموعة احزاب تنتمي لقومية أو لطائفة معينة ) هي المفهوم الاساسي الذي عبّرعملياً عن مفهوم اللامركزية في المرحلة القائمة ، وهذا ما يشير الى حالة التشرذم المجتمعي وانبعاث العصبيات الطائفية والاثنية التي أخذت سياسياً شكل : كتلة سياسية . لكن هذا التوصيف لا يكون واضحاً ان لم نلق الضوء على اوجه التشابه بين المرحلتين : لم يشعر المجتمع في المرحلة السابقة بحاجته الماسة الى الاتحاد مع غيره من المجتمعات العربية ، ولم تكن مقولة الوحدة الفورية هي الغالبة على وعيه السياسي وهو يرى المجتمعات العربية الاخرى تشاركه الحالة نفسها من التخلف المريع في كل جوانب الحياة . بالمثل لم تكن الخلافات المذهبية هي الغالبة على وعي العراقيين لحظة تغيير النظام السابق . كان توق المجتمع في الحالتين مرتبطاً بطموحه الى الارتفاع بمستوى حياته ، وتحسين شروط العيش على تراب وطنه . وكما انزلقت المرحلة السابقة الى حروب خارجية ، انزلقت المرحلة القائمة الى حروب داخلية ، لم تنه وجودها المادي ولكنها سحبت من مفاهيمها عن الديمقراطية ومشتقاتها سحرها من وعي غالبية الناخبين ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة ضرب مستشفى للأطفال بصاروخ في وضح النهار بأوكرانيا


.. شيرين عبدالوهاب في أزمة جديدة وصور زفاف ناصيف زيتون ودانييلا




.. -سنعود لبنائها-.. طبيبان أردنيان متطوعان يودعان شمال غزة


.. احتجاجات شبابية تجبر الحكومة الكينية على التراجع عن زيادات ض




.. مراسلة الجزيرة: تكتم إسرائيلي بشأن 4 حوادث أمنية صعبة بحي تل