الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اصوات مهاجرة

احمد عبدول

2014 / 1 / 11
الادب والفن


بينما كنت جالسا قبالة شاشة النت أتنقل بين صفحات الأدب والسياسة والفنون عبر اليوتيوب (الصوت والصورة ) وإذا بأمر قد استوقفني بشدة ,فقد هالني ان أقف على ظاهرة غريبة طرأت على مجتمعنا العراقي إبان السنوات القليلة المنصرمة وهي ظاهرة تشيء بدخولنا إلى مرحلة ليس فيها من تراث الآباء والأجداد الفني والموسيقي شيئا يذكر , لقد استوقفتني هجرة تلك الأعداد الغفيرة من مطربي جنوبنا الحبيب صوب مناطق عربستان وهي مناطق ذات أغلبية عربية مسلمة تعتنق المذهب الجعفري حيث يقدر عدد سكانها ب (8 ) مليون نسمة 99 ./. منهم عرب , أما على الصعيد الاجتماعي فهي منطقة تقطنها امتدادات لعشائر أهلنا في الجنوب كعشائر بني كعب وبني طرف وبنو تميم وقبائل السادة .....
لقد هالني منظر مطربي ريفنا الحبيب وهم يقيمون حفلات الإعراس وسائر المناسبات الاجتماعية بعيدا عن ديارهم وكأنهم ارتكبوا جناية تهدد الأمن وتقوض السلم .
لقد اعتاد العراقيون على ان يشنفوا أذانهم خلال مناسبات الأفراح بما خلفه الاباء والأجداد من خزين نغمي يخترق القلوب ويسحر الألباب عبر أطوار المحمداوي والغافلي والحياوي إلى اخر تلك الأطوار المحببة على الذات العراقية دونما استثناء , فما الذي حصل لكي تهاجر تلك الأطوار وتهاجر معها تلك الحناجر الجنوبية التي تروي لنا حكايات الحزن المزمن الذي استوطن ارض الرافدين منذ خمسة ألاف عام .
لا يختلف اثنان على ان طبيعة العراقيين هي طبيعة ميالة إلى الالتصاق بقيم الطبيعة الغنّاء التي تزدان بها مناطق العراق كافة لا سيما الجنوب حيث الاهوار والمستنقعات والأراضي الزراعية الشاسعة والتي كانت عاملا مهما وفعالا في بلورة ذلك الميل الفطري إلى الإنشاد والتنوع في طرق الأداء الفني منذ قرون خلت حتى أصبح مثل ذلك الأمر جزءا لا يتجزأ من نسيجنا الروحي والثقافي والاجتماعي.
فهاهن أمهاتنا اللاتي يعود لهن الفضل الكبير في تنمية قابلياتنا السمعية واللحنية عبر ما كن يحرصن على أدائه من تنهدات تمتلئ حنينا وتتفجر لوعة حيث شكلت (دللوه ) أول محطة للتزود بذلك المتاع الفني الآسر .
العراقيون كسائر شعوب العالم يعشقون الفنون لا سيما الشعبية منها والتي يجدون فيها ملاذا لتفريغ كل شحناتهم السالبة عبر الموال والبستة كما هو الحال بالنسبة للأهزوجة وما يسمى (الهوسات)إلا ان ما حصل في السنوات الأخيرة بالنظر الى ما نتمتع به من موروث فني غنائي ثقافي أصبح يقوم على اعتبار ذلك الموروث مدعاة للابتعاد عن الدين وسببا من أسباب الوقوع في المحذور .
ولا شك ان هكذا نظرة لا ترتبط بالدين والتدين بقدر ما ترتبط بسياسات وأجندة بعض أحزاب الإسلام السياسي التي ما فتئت تروج لتوجهات تقف موقفا متشنجا من الفنون عموما والغناء بوجه الخصوص .
غاب عن تلك الأحزاب الدينية - التي تحاصر رقعة الفن والفنانين لتضطرهم الى الهجرة خارج أوطانهم - ان من يريد بناء دولة امنة مستقرة تشتمل على التنوع في الفنون والثقافات مما يرتبط بهويتها ويتصل بتراثها ان يدع مجالا ويترك فسحة لهكذا فعاليات إنسانية لا غنى عنها بحال من الأحوال ,غاب عن رجالات تلك الأحزاب الإسلامية ان غياب الفنون سواء كان الغناء أو غيره من النشاطات الفنية والثقافية يعد احد أهم أسباب تنامي مشاعر الإحباط والانعزال والكراهية التي قد تنتهي في موارد معينة إلى اتخاذ مواقف وتوجهات غاية في السلبية والانحراف .
غاب عن رجالات تلك الأحزاب ، ان خلو الساحة العراقية من الموال والبستة الجنوبية أو البغدادية أو ما يتصل منها بالمنطقة الغربية يعد احد أهم أسباب التصحر داخل الذات العراقية لتلك الأجيال الناشئة وهو ما يدعو تلك الذات المثقلة بجملة من الهموم والابتلاءات إلى التوقع والانعزال لتقع فريسة بأحضان الإرهاب الفكري والعقائدي ,غاب عن تفكير هؤلاء جميعا ان خلو أي مجتمع من تلك الشريحة التي تشيع ثقافة الفرح والسرور والابتهاج سوف يمهد الطريق لانحسار مشاعر التفاؤل والإقبال على الحياة وبالتالي التقهقر والنكوص نحو مربعات السأم والكآبة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد الرافعى: أولاد رزق 3 قدمني بشكل مختلف .. وتوقعت


.. فيلم تسجيلي بعنوان -الفرص الاستثمارية الواعدة في مصر-




.. قصيدة الشاعر عمر غصاب راشد بعنوان - يا قومي غزة لن تركع - بص


.. هل الأدب الشعبي اليمني مهدد بسبب الحرب؟




.. الشباب الإيراني يطالب بمعالجة القضايا الاقتصادية والثقافية و