الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عائد إلى القرية

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2014 / 1 / 12
الادب والفن



كان يتصفح الجريدة، وكان في قلبه حنين إلى ومضة نور التي هزت وطنه منذ ثلاث سنوات ؛ كان يقرأ سطرا تلو الآخر، وفي كل قراءة قرأ الأفول، لكنه يثق بميلاد البعث والنشور .
ركب الحافلة المتجهة إلى دواره ؛ كانت خالية خلو قلبه من العاطفة، انهمك في قراءة الجريدة، ومن حين لآخر كانت تتسلل بقايا رائحة الكيف إلى أعماقه، لم يكن يدخن، ولا فكر يوما في التدخين، وكانت والدته القروية تحذره من تبعاته، وفي نفس الوقت تضع خطا أحمرا بين تطلعه الدراسي، وبين الإدمان عليه، ففضل أن يتابع دراسته، وأحب العلم حد الشغف، فلم يفارق يوما كتابا أو مجلة أو جريدة...
كان الكتاب بالنسبة إليه قنطرة لفهم واقعه القروي، ولم يجد كتابا إلا ودفعه الفضول إلى القراءة، خاصة إذا تعلق بالقرية، كما أنه لم يبرح مكانه، وكان على الدوام مشاركا في الاحتجاج، ومؤمنا بالتغيير ؛ مضت الآن ثلاث سنوات على الحركة المجيدة التي اسمها : 20 من فبراير ؛ كانت تشكل بالنسبة إليه تجسيدا لأمانيه وأحلامه، لكن تلاشيها لا يعني موتها، بل هي حية بحياة هذا الشعب، وطالما هو يتعرض للإذلال والتجويع والتفقير، فإن حركة كتلك لن تخبو، ولن تموت، فمهما قهر الإنسان، ففي داخله حياة، وشيئا فشيئا تكبر كلما ضاقت السبل .
تخطو الحافلة، وبينما هو منهمك بين أسطر الجريدة، حتى يفاجئه رجل سبعيني بالقول :
- هذا أنت ! كيف حالك يا أستاذ .
رد عليه :
- أنا بخير وأنت كيف حالك يا عمي الحاج ؟
وبالقرب من الرجل، تقبع امرأة ثلاثينية تدعى يامنة، ولما رأته صاحت :
- عبد الإله ! لاباس
فأجابها :
- لاباس . كيدايرة يامنة لاباس عليك .
خرج من جو جريدته، وراح يتأمل من النافذة أحوال القرى المتناثرة، والمنازل المتكومة، ومن حين لآخر كان يتصفح وجوه الركاب، كانت الأمطار قد تأخرت، وكان وضع القرية كئيبا، بينما الركاب يطلقون حشرجات ملؤها الحزن والخيبة، وصاح رجل خمسيني :
- الله يرحمنا
فرد عليه الرجل السبعيني :
- البارحة قاموا بصلاة الاستسقاء حتى عرفوا أن الأمطار قادمة، وكل ما أخشاه أن يطرد نفاقهم الرذاذ الذي راح يتساقط ليلة أمس .
أطلق تقطيبة مبتسمة، واستشعر بذرة الوعي القروي، وربط بين ما قرأه في الجريدة، وما سمعه من أفواه القرويين الحانقين، وخلص أن الميلاد قادم . توقفت الحافلة، ونزل على عتبة قريته، وشهق شهقة عميقة، وبات ينظر بعيدا، ومن هناك تراءت له صخور منتصبة، ونباتات لم تفارق الأرض، أحس بجو مرح، فاستقبلته القرية كالشمعة المنبثة في ظلام بهيم . رفع محفظته، وأمسك بجزمته، وانطلق مع الطريق المتربة العابرة للدوار .
الطريق مازالت كما هي مثلما تركها آخر مرة، كان يمشي بين المساكن القروية، ومن حين لآخر يقترب من منزلهم الريفي، وكلما اقترب يكبر في عينيه مثلما يكبر في قلبه وهو بعيد عنه .
الطريق ليست طريقا نحو الريف المثخن بالجراح، بل هي طريق نحو الحرية والعدالة ؛ لم يسر يوما عبر تلك الطريق، إلا وفكر في جروح القرية وآلامها، وما أحوجه الآن أن يعود إليها، ولكن ليست عودة فقط، بل هي عودة للذهاب ثانية .
اقترب من جدول مائي صغير، وانعرج في منعطف من منعطفات قريته، فخرج طفل صغير وتوجه نحوه، وقف وقفة ملؤها الجلال حيال الطفل، وراح يقبله ؛ وقف الطفل لبرهة، ولم يتسن له لكي يداعبه على خدوده ؛ نظرا إلى بعضهما البعض، فواصل هو سيره، بينما الطفل واصل سيره في الجهة المقابلة .
نظر إلى الخطاف الرابض على السلك الكهربائي، افتتن به، التفت إلى الخلف، فرأى الطفل انطمر في الطريق، أما هو فقد هام بين الرعاة، وانغمر في عمق الريف على إيقاع صمت رهيب .
عبد الله عنتار / 11 يناير 2014 /
بنسليمان – المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان وهران للفيلم العربي يكرم المخرج الحاصل على الأوسكار ك


.. محمود حميدة يحمل الوهر الذهبي من مهرجان وهران للفيلم العربي




.. تفاصيل أول زيارة لمصر من الفنان العالمي كامل الباشا?? #معكم_


.. خطبة باللغة العربية.. ما الرسائل التي أراد المرشد الإيراني إ




.. تاريخ كبير للفنان الفلسطيني???? كامل الباشا ?? #معكم_منى_الش