الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثلاثة في سرير واحد

أوري أفنيري

2005 / 6 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


"رئيس الولايات المتحدة ورئيس السلطة الفلسطينية!" هذا ما أعلنه المنادي في مكبّر الصوت عندما وقف الرجلان أمام الصحفيين خلال زيارة محمود عباس إلى البيت الأبيض.

جورج بوش أيضا لقّب ضيفه "الرئيس عباس"، ولم يكن ذلك بالصدفة. لقد كان هذا التوجّه حصيلة مناقشات حادّة.

اصطكت الأسنان في مكتب رئيس الحكومة وساد الصّمت. وسائل الإعلام الإسرائيلية هي أيضا، تجاهلت الأمر بصمت. ولربما كان ذلك من أهم ثمار زيارة محمود عباس (أبو مازن) إلى واشنطن.

لفهم ذلك علينا العودة إلى الماضي. في خضم المحادثات التحضيرية لمعاهدة أوسلو عام 1993، احتدم جدال حاد حول مسألة اللقب الذي سيسند إلى عرفات. طلب الفلسطينيون بأن يلقّب عرفات بـ "الرئيس"، أما الإسرائيليون فقد وافقوا على أن يكون "رئيس المجلس" فقط.

لماذا؟ لقب "رئيس" يحمل في طيّاته معان رسمية. الرؤساء للدول فقط. أما للمؤسسات العادية فهناك رؤساء مجالس فقط. لم يوافق الممثلون الإسرائيليون، بأي شكل من الأشكال، على أن تحمل السلطة الفلسطينية، التي ستقام في أعقاب الاتفاقية، أي مؤشرات للدولة.

تم التوصّل إلى اتفاق بفضل اللغة العربية فقط. فباللغة العربية (كما هي الحال في اللغة الفرنسية) لا فرق بين "الرئيس" و "رئيس المجلس" (والرئيس). فكلاهما يدعى "رئيسا" (مشتقة من كلمة رأس). ولذلك حدّدت اتفاقية أوسلو، بكل نسخها، (الإنجليزية، العبرية والعربية)، أن رئيس السلطة الفلسطينية سيدعى "الرئيس".

منذ ذلك الحين أصرّت كافة وسائل الإعلام الإسرائيلية، وكل السياسيين والدبلوماسيين على تسمية عرفات "رئيس مجلس السلطة الفلسطينية"، وهم يلصقون هذا اللقب اليوم أيضا بأبي مازن أيضا.

لذلك، حين لقّب الرئيس بوش ضيفه بلقب "الرئيس عباس"، كان ذلك بمثابة صفعة على وجه الدبلوماسية الإسرائيلية وخطوة على طريق إعلاء شأن أبي مازن والطرف الفلسطيني.

يمكن للخطوة التالية أن تكون تحديثا لتسمية السلطة الفلسطينية ذاتها. لقد طالب الفلسطينيون في أوسلو أن تسمى "السلطة الوطنية الفلسطينية"، إلا أن الطرف الإسرائيلي قد عارض ذلك بشدّة ووافق على تسمية "السلطة الفلسطينية". لقد أصرّ على ذلك بشدّة. حين قام الفلسطينيون بطباعة طوابع تحمل اسم "السلطة الوطنية الفلسطينية" وذلك خلافا للاتفاقية، اضطروا إلى إتلاف هذه الطوابع وطباعة طوابع جديدة تحمل التسمية المتفق عليها.

رغم ذلك كله، تحمل كافة المستندات الرسمية في السلطة اليوم عنوان "السلطة الوطنية الفلسطينية".

هناك نزاع مماثل يدور رحاه، منذ اتفاقية أوسلو، حول الاسم فلسطين. عندما منح الفلسطينيون مكانة "مراقب" في هيئة الأمم المتحدة، وُضع على مقعدهم الاسم "منظمة التحرير الفلسطينية". في أعقاب نضال عنيد ومتواصل، ترأسه ابن أخ عرفات الفذّ، ناصر القدوة، تم تغيير هذه اللافتة بالاسم الواضح: "فلسطين". المزيد من المؤسسات الدولية أصبحت تعترف اليوم بتلك الوحدة المسماة "فلسطين" وكأن دولة فلسطين قد قامت بالفعل.

هذا لا يحدث في إسرائيل بطبيعة الحال. رغم أن لا مفرّ لدينا أيضا من التحدث عن "دولة فلسطينية" وحتى أريئيل شارون ذاته مستعد لتسمية مجموعة القطاعات التي هو على استعداد لإبقائها للفلسطينيين في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، بهذا الاسم، إلا أنه لا يوجد أي إسرائيلي يمكن أن يتفوّه بالاسم الواضح - "دولة فلسطين". يمكن للحاخام أن يأكل لحم الخنزير بشهية قبل أن يحدث ذلك، لا قدّر الله.

تصل المعركة أحيانا، حول مؤشرات الرسمية الفلسطينية إلى ما يفوق الخيال. لقد تناقشوا في أوسلو لساعات طويلة حول مسألة كيفية تسمية الوثيقة الفلسطينية - "وثيقة عبور" أو "جواز سفر"؟ لم يوافق الإسرائيليون بأي شكل من الأشكال على التسمية "جواز سفر" لأن جواز السفر يمكن أن يكون في الدول فقط. إلا أن الفلسطينيين أصروا، وفي نهاية الأمر تم التوصّل إلى تسوية: سيكتب في الجهة العليا من الوثيقة "وثيقة عبور"، وفي الجهة السفلى منها "جواز سفر". حاول الفلسطينيون أن يكونوا حذقين في ذلك وقاموا بطباعة الوثائق بترتيب معكوس، وفي هذه المرة أيضا اضطروا إلى إعادة طباعاتها.



ماذا قدّم بوش أيضا لأبي مازن، إضافة إلى الاعتراف باللقب؟

كثير جدا وقليل جدا – هذا متعلق بالزاوية التي ننظر منها إلى ذلك.

حاشية رئيس الحكومة محقة حين تدّعي بأن بوش لم يقدّم له شيئا جديدا. كل هذا قيل من قبل. ولكن عندما يكرّر بوش ما قيل في الماضي في العديد من المناسبات، ويشمل ذلك في إطار واحد، فإن الأمر يحمل معنى جديدا. يتحوّل الكَم إلى كيف، كما قال كارل ماركس.

حسب رأي بوش فإن دولة فلسطين ستقوم لا محالة. متى؟ هذا الأمر لم يُذكر. ليس هناك جدول مواعيد.

بوش يتحدّث عن "غزّة، الضفة الغربية والقدس". شمل القدس هو ضربة قاضية لشارون، الذي أعلن في الوقت ذاته تقريبا أن القدس كلها ستبقى بين يدي إسرائيل "إلى أبد الآبدين". ليس إلى الأبد فحسب، بل "إلى أبد الآبدين". (لقد قال ذلك في الماضي عن نيتساريم وكفار داروم، المقبلة على الإخلاء بعد ثلاثة أشهر. أبد قصير جدا، نوع من "ميني-أبد").

سيتم رسم الحدود بين إسرائيل وفلسطين، حسب ما يقوله بوش، في إطار المحادثات وبالاتفاق المتبادل فقط. كيف يتماشى ذلك مع وعده المكتوب لشارون والقائل بأن أمريكا ستؤيّد إبقاء "الكتل السكانية الكبيرة" (أي: المستوطنات الكبيرة) بين يدي إسرائيل؟ ربما لا يكون هناك تناقض: سيتم رسم الحدود في إطار المحادثات، إلا أن الولايات المتحدة ستؤيّد مطالب الطرف الإسرائيلي.

هل يوجد حل لذلك؟ ربما. قال الفلسطينيون في مناسبات مختلفة أنهم مستعدون لتبادل محدود للمناطق، شريطة أن يتم ذلك على أساس 1:1.

بوش لم يفصّل – لا على مسامع أبي مازن ولا على مسامع أبي عومري (شارون) - أية "كتل سكانية" يقصد. يذكر شارون دائما معاليه أدوميم، أريئيل، غوش عتسيون (الموسّعة) وغيرها. يمكن أن نفهم من أقوال متحدّثين أمريكيين أن بوش لا يقصد معاليه أدوميم التي سيبتر ضمها الضفة الغربية إلى جزئين، ولا أريئيل، التي تتواجد على بعد حوالي 25 كم في عمق الضفة الغربية. ولكنه يقصد بلدات مثل ألفي منشيه، موديعين عيليت، إفرات وبيتار عيليت، المحاذية للخط الأخضر، التي من شأن وجهة النظر الأمريكية أن تشملها.

أضاف بوش ملاحظة مثيرة للاهتمام: أن هذا الموقف الأمريكي سيكون ثابتا طيلة المحادثات. ماذا يقصد؟ هل سيلزم هذا من سيخلفه، أو هل سيؤدّي إلى إنهاء المحادثات حتى نهاية عام 2008، وهو وقت انتهاء مدة توليه لمنصبه؟

يقولون أن النغمات هي التي تصنع الموسيقى. أذنا أبي مازن استساغتا نغمات بوش. ولكن وقعها كان مؤذيا لأذني شارون.

يتواصل في هذه الأثناء بناء الجّدار الفاصل، ضم الأراضي وتوسيع المستوطنات. ولكن حين تتبدّل الموسيقى التصويرية، فيمكن للحقائق أن تتبدّل هي أيضا بالتدريج وأن تلائم نفسها لما هو جديد.

رئيس حكومة إسرائيل يواجه حالة من الإحراج، كرجل ينام مع زوجته في السّرير ويكتشف فجأة بأن هناك رجل آخر، وليس أي رجل بل هو رئيس.

إنه سيفعل، بطبيعة الحال، كل ما في وسعه لطرده من هناك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يرحب بالتزام الصين -بالامتناع عن بيع أسلحة- لروسيا •


.. متجاهلا تحذيرات من -حمام دم-.. نتنياهو يخطو نحو اجتياح رفح ب




.. حماس توافق على المقترح المصري القطري لوقف إطلاق النار | #عاج


.. بعد رفح -وين نروح؟- كيف بدنا نعيش.. النازحون يتساءلون




.. فرحة عارمة في غزة بعد موافقة حماس على مقترح الهدنة | #عاجل