الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البيزوطاج : “من تطيار الحشومة” إلى جلسات ترهيب وتعذيب لاتنتهي.

حفيظ كرومي

2014 / 1 / 12
كتابات ساخرة


كما لعملية ولوج الخدمة العسكرية ضوابطها وتقاليدها وعاداتها التي تسبق البداية الفعلية للدخول، فإن لبداية الدراسات العليا الجامعية مناخ خاص وأجواء تسبق البداية الفعلية للدراسة أيضا.

الخدمة العسكرية، كانت منذ القدم ولازالت تتسم بالصرامة والشدة وتتطلب قدرا عاليا من مستويات تحمل الصعاب والمشاق، فالجيوش العسكرية لابد لها من طقوس استقبالية من نوع قاس حتى يتمكن الوافد الجيد من الاندماج في الوسط الجديد والتعود على الحياة العسكرية.

وإذا نظرنا من الناحية المهنية فإن هذه الممارسات السادية أو ما يعرف ب”البالوتاج” تمارس على الجندي الجديد لوضعه نفسيا وجسديا في حالة تأهب للحفاظ على رباطة الجأش ورزانة العقل أمام الإهانة والمذلة التيس قد يواجهها أثناء الأسر بهدف اختيار الموت مقابل إفشاء السر المهني.

عملية “البالوتاج” لا تختلف في جوهرها عن ممارسة “البيزوطاج”، هذه الممارسة التي لا يمكن لأي طالب الانفلات منها دونما عواقب نفسية وجسدية وخيمة قد تطاله بعد حفل الإهانة، وتمريغ الكرامة، فالحياة الجامعية في بعض المدارس العليا بالمغرب اعتادت منذ مدة ليست بالقصيرة أن تستقبل طلابها الجدد بهذه الممارسات التي يقول عنها الطلبة القدامى أنها تهدف لإدماج الطلبة الجدد في المكان الجديد ومحاولة التأقلم مع الحياة الجديدة، وضمان بداية موفقة في سلم الدراسات العليا.

هذه الصورة من الإذلال والتعنيف النفسي أطلقها الفرنسيون منذ قرابة القرن في جامعة باريس بهدف تمريس الطلبة على الوسط الجديد، فانتشر هناك في بقية المدارس، وانتقل للمغرب عبر الحماية الفرنسية، وقد أصدرت الحكومية الفرنسية قانون 17يونيو 98 ضدا على الممارسات السادية للطلبة القدامى على الجدد وبعد إجبار إحدى الطالبات على المشي عارية فوق الثلج فماتت من فرط البرودة وأخريات تعرضن لهتك العرض باسم الطاعة والولاء للطلبة القدامى، ورغم ذلك استمر لكن اختلفت وتحسنت طرقه وأصبح يسمى “ويكاند الإدماج”.

قرأت في مكان ما أواخر غشت الماضي، إعلانا للمدرسة العليا للتكنولوجيا بمدينة مونتريال يخبر الطلبة بأن الاستقبال سيكون له طابع خاص عبر مجموعة من الانشطة الترفيهية والثقافية ستقام على طول شهر سبتمبر لمساعدتهم على الاندماج في الوسط الجديد، وجاء الإعلان مرفق بقائمة طويلة من الأنشطة الإختيارية مع التفاصيل الكاملة .

عندنا في المغرب، ما إن تدخل يومك الثالث من التحاقك بالمعهد حتى ترى أشباحا وأشياء أخرى ، وتبدأ أردأ حلقات جلسات الرعب والتعذيب النفسي، فقد تحولت التظاهرات الثقافية إلى مسلسلات ترهيب وتنكيل لاتنتهي بين الطلبة، بعدما كان يشرف الإتحاد الوطني لطلبة المغرب على تنظيم “البيزوطاج” في العديد من المعاهد والمدارس التي تخرج منها آلاف المهندسين والأطباء والأطر، فما وقع في المدرسة العليا الوطنية للفنون والمهن بمكناس سنة 2010 يستدعي أكثر من وقفة تأمل في الظاهرة وتدخل عاجل من الجهات المعنية خصوصا وأن الفقرة الأولى من الفصل22 من الدستور الجديد2011 تنص على أنه”لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف”، والفقرة الثانية:”لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية” بالإضافة إلى الفصل21 الذي ينص، فيما ينص عليه، على الحق في السلامة الشخصية لكل فرد وأقاربه،…؛

في بعض المدارس العليا للتكنولوجيا تمنع الإدارة هذه الطقس الإحتفالي الرهيب بموجب قانون داخلي، لكن تسكت عنها القوانين المنظمة للإيواء في الإقامات السكنية التابعة لهذه المدارس، فبسبب هذا الفراغ القانوني، عدد من من الطلبة الجدد أجبروا على شرب بول طالب آخر قديم، وكم من طالب ظل يهلوس لأيام بسبب حصة من الترعيب والترهيب النفسي، وعدد من الطالبات كاد عقلهن يطير من فرط الممارسات التعذيبية والتي وصلت لحد در “البزار ” في العيون والإجبار على استنشاق مسحوق الدقيق، وآخر كاد يجن وهو يتعرض لحصص متوالية من “التعلاق” والإهانة بتمثيل مشاهد إباحية أمام أنظار أقرانه.

إن شساعة الفرق لاتجيز المقارنة،إذا كانت هذه الطقوس قد اتخذت لها طابعا تنظيميا وبإشراف مسؤولين في الدول المتقدمة، فأصحاب القرار عندنا لم ينبسوا بعد ببنت شفة تحديدا في هذا الموضوع، وكأن الأمر يتعلق برقعة جغرافية وطلبة علم لاعلاقة لهم بهذا الوطن.

لتفسير المكنون العنفي الجنسي لدى الطالب المغربي لابد من العودة للترسبات النفسية في مراحل وفترات سابقة عبر جرد الازمات الحادة التي تعرض لها، وإذا كان فرويد مؤسس مدرسة التحليل النفسي قد قدم أهم طرق تصريف المكبوت الجنسي عند الشخص هو التحويل عبر ممارسة الرياضة أو الإندماج داخل العمل الجماعي عبر تحويل الطاقة الجنسية لطاقة ناتجة وتصريفها بشكل إيجابي يعود بالنفع على المجتمع الذي يضمن توازنه النفسي داخله، فإن بعض طلبة مدارس ومعاهد التعليم العالي يجدون في بداية كل سنة مرتعهم لممارسة سلوكاتهم الشاذة جنسيا واستعراض العضلات الجسدية والمعرفية على الطلبة الجدد، فالتجاوزات الأخلاقية والمجتمعية في هذه الفترة في هذه الأماكن خاصة، قد ضربت أطنابها، مشادات كلامية، كلمات نابية، عنف نفسي، جسدي، احتكاك بالطالبات، إذلال واحتقار بكل الألوان، والأمر من هذا، هو التوعد الذي يطلقه الطالب “القديم” في حالة امتنع أحدهم عن الخضوع التام واللامتناهي لرغباته السادية وأعلم عن حالات حكم على الطالب المتمرد ” حصار ونبذ اجتماعيين” وآخرون حكم عليهم في البداية بقضاء أكثر الليالي رهبا وفزعا في ترقب حاد من أي هجوم قد يأتي من أحد منافذ الغرفة، بينما أفضل عقاب قد يواجهه “المتمرد” حسب القوانين المزاجية للطلبة القدامى الممارسين لهذه الطقوس هو نصب كمين عند تنقلك في أرجاء الإقامة دون أن تتمنى أن يخطئك، وذلك الطالب الكامني يعرف تماما درجة تمردك ويحدد لك عقوبة على مقاسك كي تتعود على خفض عينيك فيما يأتي من الأيام، ومن فرط ترقبك وحذرك الشديد طيلة اليوم تعود لعد أصابع يدك عندما تقوم بمصافحة أحدهم.

فقط لأنهم أقدم منك في التعليم العالي يتصورون أنفسهم مهمين، فأغلب ممارسي هذه الطقوس ينتظرون هذه الفترة ببالغ الشوق كي يظهرون أنفسهم “فشي شكل ” و “كووول” طمعا في أي تقارب ممكن مع الطالبات ورغبة في تصريف كل مكنون عنفي في الطلبة.

لقد آن الأوان لتتدخل إدارات مؤسسات التعليم العالي بشكل مباشر لمنع هذه الممارسات وصد أي محاولة جماعية للتمرد على الأنظمة الداخلية للإقامات السكنية للطلبة، فإذا كان العديد ممن تعرضوا لهذه الأنواع من التعذيب قد أصيبوا بكسور أو جروح متفاوتة الخطورة أو عقد نفسية لن تشفى بعامل الزمن، فلتتجند المؤسسات لتحمل مسؤولية أية وفاة فد تنجم عن هذه الطقوس السادية غير المستندة على أي حامل قانوني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي




.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو