الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا تراجعت مصر وتقدمت تونس؟؟

نادية عيلبوني

2014 / 1 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لا يتجلى التباين بين تجربة الثورة التونسية وتجربة الثورة المصرية فقط ، في طريقة اندلاع الثورتين ، أو الأمكنة التي انطلقت كل منهما،رغم التشابه الكبير في الأهداف التي رفعتهما ، بل أن كل منهما أظهرت إلى العلن طبيعة البنية الثقافية والتراث الاجتماعي المتباينة جوهريا للشعبين التونسي والمصري عشية الثورة.
وإذا كان صحيحا القول أن كلا التجربتين قادتا في النهاية إلى حمل حركة الاخوان المسلمين إلى السلطة، فإن من الخطأ إغفال دور القوى السياسية صاحبة مشروع الدولة المدنية في تونس، وطريقة خوضها لمعركتها السياسية بين تلك القوى . فهي لم تقبل كما فعلت القوى السياسية المصرية أن تسلم قيادها إلى الجيش ، لينوب عنها ويقصيها من أخذ مهامها في التصدي لمشروع الأخوان ، بل لنا أن نرى كيف كافحت تلك القوى وثابرت بعزيمة وإرادة في التصدي لمشروع الاخوان المسلمين في تونس ، إلى أن تمكنت أخيرا بفضل تكتلها وتكافتها من انتزاع دستور مدني يعطي مال لله لله وما لقيصر لقيصر، لتفض هذا الاشتباك بين الدين والسياسة . وتمنع تحول تونس إلى دولة دينية تحكمها الشريعة، ونجحت في تعزيز مكانة المرأة التي كانت سابقا والزيادة عليها وقوننتها.والأهم أنها نجحت في هذا العمل الجبار الذي يحسب لها ، في ظل قيادة الاخوان في تونس للسلطة والمجتمع، بحيث يصير أمر التراجع عن ما حصلت عليه في الدستور الجديد في أية حكومة مقبلة أمراً صعبا إن لم يكن مستحيلا.
في مصر ، كان الأمر مختلفا ومخيبا للآمال على هذا الصعيد كليا تقريبا، فالقوى السياسية المصرية بجميع تياراتها المدنية لم توفق فيما وفق به التونسيون، ليس فقط بسبب كون تلك القوى كانت مبعثرة إلى حد كان من الصعب أن تجتمع على هدف مدنية الدولة ، بل أيضا لأسباب موضوعية كثيرة أهمها:
1- طبيعة الثقافة الاجدتماعية والسياسية السائدة في مصرية المختلفة بنيويا عن مثيلتها التونسية عشية الثورة في كلا البلدين. فتونس التي حكمها بورقيبة لم تعزل عن العالم الخارجي ، كما أن بورقيبة على الرغم من استفراده بالسلطة ، كان قد عمل على اقرار قوانين تنبع من الدساتير المدنية ،وليس من الشريعة ،وخصوصا في مجال الأحوال الشخصية، تلك القوانين صارت من ضمن المكتسبات التي حققتها المرأة والتي يجد المجتمع ، وخصوصا النساء صعوبة في التخلي عنها.فإلغاء بورقيبه لحق تعدد الزوجات ، والمزايا القانونية الكثيرة التي تحمي حقوقها وحقوق أبنائها في حال الطلاق ، كلها من الأمور التي ساعدت المجتمع التونسي على رفع سقف مطالبه ،لا التخلي عن منجزاته.في حين ظلت مصر منذ عهد عبد الناصر ووصولا للحكم العسكري الحالي تحكم من خلال قوانين مستمدة من الشريعة ، كما لا يزال دستورها إلى الآن يصر عمامة الدين على الدول وعلى اعتبار الشريعة الاسلامية المصدر الأساسي للتشريع.
الاختلاف البنيوي من الثقافية ليس هذا فحسب ، بل يتجاوزه إلى نسبة التعليم بين البلدين ففي حين سجلت مصر نسبة أمية تترواح ما بين ال45% إلى 51% وتبدو النسبة أكبر من هذا الرقم بين النساء،فإن النسبة لا تتجاوز في تونس ال 19% في ،وهذا العامل يلعب دورا مهما بالتأكيد ،وهو عامل يسهل على القوى السياسية البناء على أساس اجتماعي وثقافي قوي ومتين..
2- تونس وحدة اجتماعية ودينية متجانسة ، ليس فيها طوائف ، ومجتمعها ينتمي دينيا للمذهب المالكي المعروف بعدم تشدده ، بخلاف المذاهب الإسلامية الأخرى ، كالحنبلية والوهابية المغرقة في تشددها. في حين أن مصر ليست كذلك، فهي كانت اول من احتضن حركة الاخوان المسلمين التي استلهمت فكرها وتشددها من مرجعيات دينية في غاية التشدد، وخصوصا الوهابية منها.
3- قرب تونس جغرافيا من أوربا فتح المجال واسعا لتأثر المجتمع التونسي بثقافة الحريات التي لا يفصلها عنها سوى المتوسط .وربما كان لبعدها الجغرافي عن المشرق العربي حماية لها من التأثر بالتيارات القومية والدينية ، على الرغم من تسلل بعضها الى المجتمع التونسي ، فإن هذا التأثر لم يلغي بأي حال مدنية المجتمع كما حدث في مصر. ومن المهم الإشارة إلى هذا الاحتكاك قد انتج ، إضافة إلى العوامل التي أتينا على ذكرها ، نخبا ثقافية حقيقة تجمعت في أطر ناشطة على الصعيد الثقافي، فاللائكية على سبيل المثال كانت تجذرت في تونس عبر نشاطات متعددة وأثبتت وجودها بالرغم من المصاعب ، وإذا كان صحيحا القول ان تلك النخب كانت تتجنب الاصطدام بالنظام الحاكم، إلا أنها استطاعت أن تنشر ثقافة المجتمع المدني ،وتنشر الوعي المدني ، وتعرف جمهورها على أن مصلحة الشعب التونسي الحقيقية هي في الدولة المدنية وليست الدولة الدينية.في حين أن الصورة في مصر كانت عكس هذا تماما، فمنذ عهد عبد الناصر إلى الآن، جرى عزل مصر ثقافيا عن العالم، العالم الآخر ، الأوربي الذي كان متهما دوما بالتآمر ولا ينظر إليه وإلى ثقافته إلا من باب المؤامرة والعدوان، إضافة إلى غض نظر السلطات المصرية عبر تلك الفترة عن نشاطات الاخوان والسلفيين اللذان وفقا في اعادة صياغة ثقافة المجتمع على أسس دينية ظلامية، وجعلها تتغول في المجتمع وتهدد الباحث والدارس والفنان بالقتل إذا ما تجازوا في أعمالهم ما يدعي ثوابت دينية.
4- دور العسكر في كلا البلدين. فالنظام السابق وفي كل مراحله في تونس، لم يكن يعتمد على المؤسسة العسكرية قدر اعتماده على القوى الاستخبارتية والأمنية التي قام بإنشائها وتنميتها لحماية وجوده في السلطة، في حين اعتمد النظام في مصر اعتمادا ًكبيراً وأساسياً على الجيش ، فحركة الضباط الأحرار الذي يعتبر نظام مبارك امتداد لها ، هي حركة قامت على أكتاف المؤسسة العسكرية، وهي كانت ولا تزال قوية بحيث تمكنت أخيرا، من إقصاء الاخوان المسلمين، وإقصاء كل القوى السياسية الأخرى التي كان على عاتقها تقع مهمة مقارعة الاخوان واجبارهم على التراجع أمام مطلب مدنية الدولة ،وتركت تلك المهمة للمؤسسة العسكرية ، التي أزاحت الإخوان المسلمين بالقوة ، ولتعيد من جديد ،حكم الشريعة الذي يقصي مشروع الدولة المدنية إقصائيا قد يبدو طويلا على المدى الزمني المنظور .
لهذه الأسباب مجتمعة، نجحت تونس فيما عجزت عنه مصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علماء يضعون كاميرات على أسماك قرش النمر في جزر البهاما.. شاه


.. حماس تعلن عودة وفدها إلى القاهرة لاستكمال مباحثات التهدئة بـ




.. مكتب نتنياهو يصيغ خطة بشأن مستقبل غزة بعد الحرب


.. رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي: الجيش يخوض حربا طويلة وهو عازم




.. مقتل 48 شخصاً على الأقل في انهيار أرضي بطريق سريع في الصين