الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سياسات متناقضة والنتيجة واحدة

عفيف رحمة
باحث

2014 / 1 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


ها قد مضى على ماساة الشعب السوري ما يقارب الثلاثة أعوام وهو ما زال يعاني من السياسات الإقليمية والدولية المتضادة والمتناقضة التي لم تقدم له سوى المزيد من القتل والتشريد والدمار، بدلاً من مساعدته في الوصول إلى حقه المشروع في العدالة والكرامة والحرية الوطنية.
في ظل هذه السياسات ضاع الإنسان السوري بين سياسة القتل السريع التي أعلنتها الولايات المتحدة الأميركية لمعالجة المسألة السورية ثم تراجعت عنها خوفاً من تكرار نتائجها الكارثية التي عرفها العالم في المسألة الليبية، ونهج القتل البطيء الذي إختارته قيادة جمهورية روسيا الإتحادية بذريعةعدم التدخل بالشأن الداخلي لدولة ذات سيادة.
ضياع تبعه ضياع بين أحكام النظام السياسي الذي حُكمت سوريا بموجبه مدة أربعة عقود حيث تَم تقسيم المجتمع إلى شرائح وفئات وزعت عليها ثروات الوطن حسب درجة ولائها للنظام والسلطة، وأحكام معارضة النظام التي غاصت في التفصيلات الهامشية للأزمة دون أن تتمكن خلال السنوات الثلاث من نقل المسألة السورية من مستواها السياسي إلى مستواها الوطني.
في ظل هذه التناقضات ليس من الممكن تجاهل تناقضات الرؤى السياسية للمعارضة بفرعيها المتناحران، الفرع الأول الذي نادى بالحل العسكري مقدماً للسلطة المبررات القانونية والأمنية لإستخدام ذات الأدوات في مواجهته والتعامل معه، والثاني الذي نادى بالخيار السلمي من موقعه النخبوي دون أن يتوجه إلى الشارع الثائر ليحتويه ويجعل منه قوة التغيير الحقيقية لنظام اختارت فيه السلطة العنف والفساد لتثبيت وجودها بدل اعتمادها على التنمية البشرية والإقتصادية كمنصة لإستكمال عملية التحرر الوطني.
أمام كل هذه المتناقضات جاءت سياسات الإحتواء الإسلامي للأزمة الوطنية لتزيد من مأساة ومظلومية الشعب السوري، حيث تنافس فريقي المذهبية الإسلامية على تجاذب المسألة السورية كل في إتجاه مصالحه السياسية والإستراتيجية غير مبال بالدم السوري، مصالح تعود بشرعيتها المكتسبة من منهج التبعية السياسية والمراهنات القومية التي دخلت بها السلطات المتعاقبة على حكم سوريا.
خلال تاريخ سوريا الحديث ارتهنت أنظمة الحكم المتعاقبة، بما فيها "القومية الإشتراكية"، للسياسة والدعم المالي السعودي ليتطور نهجها خلال العقود الأربع الأخيرة ويتحول إلى سياسة المفاضلة بين منظمة دول التعاون الخليجي والنظام الإسلامي في إيران، حيث تأرجحة المفاضلة بين المال النفطي الخليجي والعروض والإغراءات السياسية والعسكرية الإيرانية.
إن من أخطر ما أنتجه النهج السياسي في سوريا إقحام القيم والمؤثرات الدينية في معالجة الشأن الوطني ناهيكم عن الشأن العام، ممارسة ادخالت القضية الوطنية في صراع وجود وصراع هوية نرى إنعكاساته اليوم فيما تحمله لنا الدولتان من ممارسات سياسية إقليمية، لا تضييق على أفق حل المسألة السورية فحسب بل تجر المنطقة نحو حالة انقسام وتمزق ودمار لا تخدم سوى مصالحهما الداخلية أولاً والإقليمية ثانياً.
العربية السعودية الدولة التي تعتمد في اقتصادها الريعي على تصدير النفط والسياحة الدينية، وبحكم موقعها الديني ونظامها السياسي-الديني يريد حكامها الإيحاء والإيهام بتمثيلهم "للفرقة الناجية" وتمثلهم بها كعباءة دينية لتوفير الحماية اللازمة لمصالحهم المالية والسياسية؛ ضمن هذا الإطار سعت (وستسعى) المملكة لتحصين موقعها السياسي والإقتصادي في المنطقة بالعمل على نشر مراكز دفاع لها لكن بعيداً عن حدودها.
وفق هذه الستراتيجية قامت وتقوم وستقوم المملكة بتقديم الدعم الإقتصادي والسياسي للأنظمة التي تقع على محيطها الجغرافي لكن دون توفير شروط استقرارها، ودعم بعض التنظيمات الدينية في هذه الدول لكن دون تقويتها وتعزيز قدرتها على الإنتشار والاستقلال، وما شهدناه من علاقة المملكة مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر ودعمها للجماعات الإسلامية في سوريا إلا مثال عن هذه الستراتيجية السياسية التي لا ترى بالتوسع الجغرافي ضرورة أو حاجة.
إيران الدولة التي سعت لأن يكون لها حضور إقليمي منذ عهد الشاه محمد رضى بهلوي، استمرت بهذه المساعي بعد ظهور الجمهورية الإسلامية، وهي كدولة تملك من احتياطي الثروات الطبيعية (النفط والغاز وانواع المعادن والفلزات الطبيعية) والشروط البيئية والمناخية ما يكفي لتأمين استقرارها وضمان حضورها وتأثيرها الاقتصادي على الصعيد الإقليمي والدولي.
بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران، أراد النظام الجديد تعزيزهذا الطموح الموغل في عمق التاريخ، مستفيداً من عقيدته الدينية السياسية (ولاية الفقيه) لتوسيع حلقة نفوذه وذلك ببناء أذرع سياسية وعسكرية في محيطه الجغرافي بحيث تكون جزء من مشروعه السياسي.
وخلافاً للستراتيجية السعودية التي تعتمد على تحصينات ودفاعات غير مستقرة خوفاً من إنقلابها عليها، فإن إيران الإسلامية لا تقلق من تنامي قوة حلفائها ولا تخشى من تطور نفوذهم، لأن قوتهم لا تتعارض ولا تتناقض مع ستراتيجيتها، ولا يمكن إلا أن تكون جزء مكملاً لمشروعها الإقليمي والدولي.
مأساة الشعب السوري خلال أزمته الوطنية أنه وقع بين فكي مذدوجة سياسات داخلية وإقليمية ودولية متناقضة شكلاً لكنها متآزرة فعلاً، وخلاص الشعب السوري من مأساته هذه لن يتم إلا بإجتماع وتجمع القوى المدنية الديمقراطية لخلق معارضة داخلية وطنية مستقلة، لا تعيش في ظلال الدول ذات المصالح والنفوذ، ولا تجد روح ظلها في مرآة المعارضة الخارجية.
معارضة مدنية وطنية وديمقراطية تجد امتدادها في الأزقة والحارات والبلدات السورية، معارضة تعرف ما تريد وتترجم ما تريد ببرامج عمل لتحرير الإنسان السوري من هيمنة نظام سياسي سلب الدولة بمؤسساتها الدستورية وابتعد عن مصالح وطموحات الغالبية الكادحة خلال عقود حكمه الأربع جاعلاً من موقع السلطة منصة لتحقيق مصالح نخبه ورموزه، معارضة تدرك أن جنيف 2 لن يكون أكثر من مؤتمر تسويات وتوازن مصالح وأن عليها بعد المؤتمر مهمة اساسية وهي إسترداد دور القيادة في مشروع استكمال عملية التحرر الإنساني والوطني لبناء الدولة المدنية، دولة المواطنة والقانون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موقف التنظيمات المسلحة الموالية لإيران من التصعيد في رفح| ال


.. إسرائيل - حماس: هل ما زالت الهدنة ممكنة في غزة؟




.. احتفال في قصر الإليزيه بمناسبة مرور 60 عاما على العلاقات الف


.. بانتظار الحلم الأوروبي.. المهاجرون يعيشون -الكوابيس- في تونس




.. حقنة تخلصكم من ألم الظهر نهائيا | #برنامج_التشخيص