الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


افريقيا الوسطى بين الحروب الأهلية و الغزو الاستعماري المباشر

نشرية الديمقراطية الجديدة

2014 / 1 / 13
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


افريقيا الوسطى بين الحروب الأهلية و الغزو الاستعماري المباشر
تقع جمهورية افريقيا الوسطى وسط القارة الافريقية يحدها من الشمال تشاد ومن الجنوب جمهورية الكونغو الديمقراطية ( الزايير سابقا ) وجمهورية الكونغو ( برازافيل ) ومن الشرق يحدها السودان والسودان الجنوبي ومن الغرب الكامرون . وتبلغ مساحتها 623000 كلم مربع ويقارب عدد سكانها 4.7 مليون ساكن . وتحتوي افريقيا الوسطى على ثروات عديدة منها : الذهب – الماس – الأورانيوم– البترول- الخشب – القهوة – القطن – الموز – قصب السكر – المانيهوت – التبغ ....وكانت افريقيا الوسطى منذ نهاية القرن 19 من ضمن المستعمرات الفرنسية بإفريقيا , وبداية من سنة 1960 تحولت افريقيا الوسطى إلى شبه مستعمرة لفرنسا وغيرها من القوى الامبريالية . وكان حكام افريقيا الوسطى – في أغلبهم – ينصّبون مباشرة من طرف فرنسا مثل بوكاسّة الذي كان يحافظ على رتبته العسكرية في الجيش الفرنسي إلى جانب وظيفته كرئيس ثم امبراطور لإفريقيا الوسطى , أو مثل الرئيس بوزيزي (Bozizé ) الذي نصّبه الجيش الفرنسي سنة 2004 اثر محاولة انقلاب واندلاع حرب أهلية قبلية من أجل الوصول إلى السلطة . ويأتي تدخّل فرنسا عسكريا يوم 5 ديسمبر 2013 اثر نشوب الحرب الأهلية الثالثة في تاريخ افريقيا الوسطى منذ 1960 , ويعود سبب هذه الحرب الأهلية إلى الصراع بين ما يعرف بالسيليكا ) Séléka) وهو ائتلاف يضم خمسة أطراف سياسية ومجموعات متمردة على الرئيس بوزيزي وبين مليشيات الدفاع الذاتي والمسماة أيضا بالمليشيات المضادة للسواطير ( Anti-balaka . Anti-machettes ) . ويتميز الائتلاف بتوجهه الاسلامي المعادي للمسيحيين وهو الذي أوصل الرئيس ميشال جوطوديا إلى السلطة في 24 مارس 2013 , بينما تتكون مليشيات الدفاع الذاتي في أغلبها من المسيحيين الذين يعتبرون أنفسهم مهددين بالزحف الإسلامي وأنهم قد حرموا من السلطة والنفوذ في ظل حكم جوطوديا . ويمثل المسيحيون أغلبية السكان ( بين 60% و 80% ) ويستقرون بالوسط والجنوب بينما يمثل المسلمون أقلية ( بين 10 و 15% ) ويعيشون بالشمال والشمال الشرقي على حدود تشاد ودارفور بالسودان .
وفي إطار الفوضى الممنهجة التي تبثها الامبريالية بين الشعوب في مختلف البلدان يأتي الصراع الديني والعرقي والطائفي داخل الشعب الواحد والأمة الواحدة لإلهاء الطبقات الشعبية وصرفها عن مطالبها وقضاياها الأساسية وهي : مواجهة الاستعمار و عملاء الاستعمار و تحقيق الاستقلال و الكرامة الوطنية . فعوض أن يكون الصراع بين الشعب وأعدائه يصبح الصراع داخل الشعب نفسه بين مسلم ومسيحي وبين مؤمن وكافر أو قبيلة وأخرى في نفس البلد , وهكذا يتمكن الاستعماريون من نهب الثروات دون عناء والتحكم في مصير الشعوب دون مواجهة مقاومة منظمة وفعّالة . فالقتل أصبح في افريقيا الوسطى على الهوية الطائفية أو القبلية , مثل ما حدث من مجازر في بوروندي ورواندا في التسعينات من القرن الماضي و التي كان محركها ومسببها الاستعمار الفرنسي والبلجيكي أو كما يحدث اليوم من اقتتال عنيف بين المسلمين والمسيحيين في بلدان افريقية أخرى مثل نيجيريا والنيجر وغيرها ...والتدخل الاستعماري الفرنسي الحالي – وهو التدخل العسكري السابع في افريقيا الوسطى منذ سنة 1996 – ليس في الحقيقة مفاجئا أو ارتجاليا وبريئا لإنقاذ شعب افريقيا الوسطى من الاقتتال , بل هو مخطط له ومبرمج منذ عدة أشهر من الآن . فبعد خروج فرنسا من غزو العراق وليبيا بغنيمة هزيلة مقارنة بالامبريالية الامريكية والبريطانية وحتى الالمانية وخيبة مساعيها ومجهوداتها في سوريا لا بد لها أن تلتفت إلى مستعمراتها القديمة في افريقيا وأن تسرع للسيطرة عليها في إطار الصراع بين الامبرياليات على مناطق النفوذ والثروات وفي اطار إعادة اقتسام العالم . ففي بداية شهر جانفي 2013 تدخلت فرنسا عسكريا في مالي بحجة مطاردة الارهاب وحصلت على تزكية من مجلس الأمن بالقرار رقم 2085 , وجندت مقاتلين من تشاد وبقية دول الاتحاد الافريقي ( جنوب الصحراء ) , وكان هدف هذا الغزو العسكري الذي سمي بعملية سرفال هو القضاء على الحركة الوطنية لتحرير آزواد شمال مالي حول طونبكتو و كيدال وغاو وحماية المصالح الفرنسية في مالي والنيجر المجاورة حيث مناجم الأورانيوم التي تستغلها شركة آريفال الفرنسية . وقبل حصول فرنسا على التفويض الثاني من مجلس الأمن – في أقل من سنة – لغزو إفريقيا الوسطى ( القرار رقم 2127 ) عقد فرنسوا هولاند "قمة السلم والأمن في إفريقيا " بباريس , وأصدر أوامره لعملائه بالاتحاد الافريقي بتكوين قوة عسكرية للتدخل في افريقيا ( ميسكا ) وهي في الحقيقة تمهيد وتشريع للتدخل الفرنسي بعد ذلك.وفي نفس الوقت شرعت فرنسا منذ بداية شهر نوفمبر 2013 في تهيئة أرضية مطار بانغي (أومبوكو) لتأهيله لاستقبال القوات الغازية وأقامت جسرا جويا بين قاعدتها العسكرية في نجامينا (قوات الصقر) وقاعدتها الجوية في ليبرفيل بالغابون , وكانت القاعدة الفرنسية بدوالة في الكامرون تؤمن الامداد والدعم عن طريق البر . وفي ليلة 5-6 ديسمبر 2013 تمّ غزو بانغي العاصمة . وحدد وزير الدفاع الفرنسي لودريان أهداف هذه العملية ( عملية سنغاريس ) في ثلاث مهام : - احلال الأمن – السماح بوصول المساعدات الانسانية ( افهم وصول الاسلحة للعملاء وكل من يساهم في تقديم الخدمات للمستعمر ) – بناء المسار الديمقراطي . وقد أكد فرنسوا هولاند في قمة باريس على أن التدخل "سيكون سريعا وفعّالا يعيد الاستقرار ويمكّن من تنظيم انتخابات حرّة ومتعددة ..." وهي شعارات ووعود تقدمها الامبريالية في كل عملية غزو لمغالطة الشعوب ومحاولة اخفاء أهدافها الاستعمارية . ومن الأكيد أن الغزو الاستعماري الذي شمل الكوت ديفوار وليبيا ومالي ويتمّ الآن في افريقيا الوسطى لن يتوقف عند هذا الحد , بل سيتوسع الى بقية الدول الافريقية وخاصة منها الثرية بالثروات الباطنية , فالامبريالية تنشر الفوضى والاقتتال في أشباه المستعمرات لتجد الذرائع الكافية لتغطية غزوها وهيمنتها على الشعوب . فالسودان الذي قسّم إلى شمال وجنوب يتعرّض اليوم إلى مزيد التفتيت إذ دخل السودان الجنوبي بدوره في صراع عنيف بين رايك ماشار وسلفا كير للسيطرة على جوبا والانفراد بالسلطة هذا فضلا عن تضافر كل الظروف لتقسيم السودان الشمالي إلى جزأين أو ثلاثة أجزاء , والكونغو الديمقراطية دخلت في صراع بين رجل الدين يوسف موطونبو والرئيس كابيلا وهو صراع مرشح للتحوّل إلى حرب أهلية , والنيجر ونيجيريا وتشاد ... كلها تحتوي منذ مدة على بذور الحرب والاقتتال التي زرعتها الدول الامبريالية لتعتمد عليها كذرائع للغزو والاستعمار حسب روزنامة مدروسة ودقيقة .


وأمام هذا الزحف الاستعماري الجارف على القارة الافريقية تبدو المقاومة الشعبية لأول وهلة ضعيفة وعفوية وغير منظمة و يظهر ذلك في شعارات المظاهرات الصغيرة التي خرجت في شوارع بانغي مثل : " لا لنفاق فرنسا " أو على بعض الجدران : " لا لفرنسا " فلا يجب أن نفقد الأمل في إرادة الشعوب صانعة التاريخ و إن لكل فعل لابد من رد فعل و لكل استعمار لابد من حركة تحرر لأن العنف الاستعماري الرجعي يولد العنف الثوري . و من الأكيد أن افريقيا الغنية بالثروات الطبيعية ليست عقيمة ولابد أن يكون للوطني طوماس سانكارا وللشيوعي باتريس لوممبا أحفادا ولا يمكن أن يذهب نضال الشيوعي الماوي بيير موليلي هباء وهو القائل , عندما نصحه رفاقه وأصدقاؤه بالفرار من السجن قبل أن يقتله العميل موبوتو ويمثل بجسمه ثم يلقي به في نهر الزايير : " لقد تركت في هذه الأرض بذورا ولي أمل أنها ستنبت بعدي " جانفي 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ا?ستاذ بجامعة سان فرانسيسكو: معظم المتظاهرين في الجامعات الا


.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR




.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي


.. عبد الله اغميمط الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه




.. الاعتداء على أحد المتظاهرين خلال فض اعتصام كاليفورنيا في أمر