الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصرصور المدخن.

علي لّطيف

2014 / 1 / 13
كتابات ساخرة


الصرصور المدخن.
قصة قصيرة *


في المرةِ الأولى, رأيتها, أردت أن أعطيها شيئاً يرمز لجمالها, لنورها الساطع, الذي جفف حذائي المبتل بقاذورات المجاري ومخلفات الصراصير, كان معي علبة سجائر, لم يكن معي إلا سيجارةٌ واحدة, فكرت أن أهديها السيجارة, لكن ربما الجميلة لا تدخن, وتكره المدخنين, ورائحة المدخنين, مثلها مثل أمي, فقررت عندها أن أدخن السيجارة, وأن أنفث الدخان بعيداً عنها, لا أريدها أن تكره رائحة وجودي البعيد.

في المرة الثانية, أردت أن أراها, أحضرت معي زهرةً, وديواناً شعرياً عن الحب والجنس, لم يكن الديوان درويشياً, كان قبانياً, نمطياً, يتكلم عن الجسد, والجنس, وعينيها, إنتظرتها طويلاً بالقرب من الكافتيريا, العاهرات مروا من أمامي, والعاهرون كذلك, والرفاق, وسكارى العلم والنفاق, وأولاد الحقيرة والحقير حدقوا في شفشوفتي القذرة كل مرة مروا بها, دخنت علبة سجائر كاملة وأنا أنتظرها, حبيبتي لم تأتي اليوم, لربما تزوجت شخصاً غنياً إشترى سُمعةً جيدة ككل الأغنياء, لربما وقعت في حب عامل نظافة لبناني, ولربما تغزلها اللبناني بكلام شهواني إقتنعت به, فأعطته قبلة, كرهت حبيبتي, شكي أقنعني أنها حقيرة, فتركت المكان ورميت الزهرة, والديوان في القمامة, وخفت أن يكون لعامل النظافة اللبناني أخ يعمل هنا, لربما يتحصل على الزهرة والديوان, ويرى حبيبتي فيشتهي أنفها, ويهديها الديوان والزهرة, سحقاً لعمال النظافة اللبنانيين!.

في المرة الثالثة, كنت بجانب الكافتيريا, أنتظر صديقي الذي ذهب ليعمل مع صديقته في المعمل الطبي, كنت أعلم أن صديقي هذا شخص طيب مثله مثل النبي, لكن صديقي كان يبيع الالعاب النارية وأشجار الميلاد كل مولد, صديقي كان غني بعرق جبينه, وكنت أعلم أن المعمل مكان المضاجعة المفضل له, لكنه لا يعلم أنني أعلم أنه كذلك, كان يظن أنني أظن أنه شخصٌ جيد, صديقته كانت ترتدي الخمار والكعب, كانت تمتلك مؤخرةً جيدة, أمي دائماً تقول لي أنه لدي نظرٌ جيد, يا أمي لو كنتِ تعرفين أن إبنك يستخدم نظره في رؤية المؤخرات, لتمنيتي أن تولد النساء من غير مؤخرات؛ حاولت أن أصطاد كغيري, فتاة جيدة, لكن لم يفلح معي الأمر, اليوم موسم, والفتيات صائمات عن الأكل, والشباب يبدون أجمل مني, شعري أصبح يمثل لي مشكلة, لربما لو وضعت رائحةً باهظة الثمن, لشمت المارات الرائحة, وسقطن على حضني, لكنني فقير ولا أملك حتى حق سجائر الليل, وصابون الليل كذلك.

في المرة الرابعة, قررت أن أكون متفائلاً, فقد أصبح لدي بعض المال, وقد إستطعت أن أشتري رائحة جيدة, فكنت سعيداً جداً بجانب الكافتيريا, وأنا أنفخ سجائري بأشكال القلوب والغيوم والدوائر, بعض الفتيات نظروا إلي, لكنهم كانوا قبيحات بعض الشئ, ليسوا مثل حبيبتي الجميلة, بعض الشباب الذين يضعون المكياج نظروا إلي كذلك, لماذا يضع الشباب المكياج, سؤال حيرني كثيراً, لكنني أحببت أنني أحببت نظرات الجميع إلي؛ فجاةً توقف الزمن, حبيبتي مرت, صوت كعب حذائها كموسيقى شوبان, قوامها المكتنز الذي يهتز مع كل خطوة, ذكرني بالمطر, فأمنت أن الغيت النافع ليس خيالاً, نظراتها المغوارة, ذكرتني بنظرات أم الكسندر المقدوني المنتصر, أما أنفها, فليس بوسع الأكسجينة الصغيرة إلا أن تتمنى أن تدفن في فتحات أنفها, لم أستطع أن أقف على قدمي من حدية شهوتي, حبيبتي الأميرة لاحظتني, رأتني, وإبتسمت لي, حبيبتي الأميرة أتية في إتجاهي, وقفت أمامي وسألتني :

حبيبتي : عفواً, إنت تقرا هنا.
أنا الحبيب: لا, الحق, بس لو تبيني نقرا هنا, عادي, نسجل من غدوا.
حبيبتي : هههههههههه, اوووه, اوك, شكراً على أي حال.
أنا الحبيب : تفضلي أي خدمة؟
حبيبتي : لا, قبل كنت نبي نسالك لو ريت أي عامل نظافة اليوم؟
أنا الحبيب أتصبب عرقاً : لا الحق, إن شاء الله خير, ممكن نساعد في أي حاجة؟
حبيبتي : لا لا, شكراً, على العموم, نستاذنك, اهو ريته عامل النظافة.
أنا الحبيب متحسراً: ممكن نهديلك هدية قبل ما تمشي, شدي هذا السبسي, هاتي بوسة, نحبك, نحبك, نحبك!!!
حبيبتي (صارخة) : تحشم يا حيوان يا حقير.

عنفتني حبيبتي, وذهبت إلى عامل النظافة, فأتى عامل النظافة الذي ظننت أنه لبناني, لكن الرجل كان من الرقة وكان يبدو داعشياً, عنفني الرجل وشتمني, حاولت أن أبادره العنف, لكن أمي علمتني ألا أكون عنيفاً وأن أحترم عُمال النظافة, (ملاحظة : أبي لم يكن عامل نظافة), فوليت بظهري وذهبت, فظن رجل النظافة أنني أحتقره, فرماني بالقمامة, فهربت وجريت وجريت وجريت, رأيتهم يضحكون علي, ويلقبونني بال(بيلة) والمجنون, و(النفاخ), والمتحرش, لكنني لم أهتم بأي من ذلك, ما أحزنني هو أن رائحتي الزكية لم تعد زكية, وأن حبيبتي, أقصد حقيرتي لم تُصبح لي, وهكذا جلست على الرصيف البعيد بجانب الصرصور الفضولي الراقص على فتحة المجاري, كنت وحيداً, حقيراً, مصنوعاً من القمامة, ومغطى بالقمامة, مكسور القلب والخاطر, فأخرجت سيجارةً, أشعلتها بقداحتي الوردية, ونفث الدخان بإتجاه السماء منتظراً أن يهطل المطر, فيرويني ويغسلني, وهكذا أشعلت السجائر ونفث الدخان مرة وثانية وثالثة ورابعة...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد


.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا




.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس


.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام




.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد