الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب أمراء الحرب

بدر الدين شنن

2014 / 1 / 13
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


كان واضحاً منذ بداية عسكرة المعارضة ، وتدفق المسلحين الإرهابيين الأجانب للمشاركة في الحرب الدموية الشرسة ، أن حرب أمراء الحرب هي قادمة لامحالة . وذلك عندما يـأتي وقت يبدأ فيه السلاح ، كوسيلة وحيدة للوصول إلى الأهداف ، بالانزياح ، بسبب عدم معرفة أجل محدد للاستغناء عنه ، ولتكلفته وغموض أفقه ، ويبدأ أيضاً التفكير العقلاني ، المصلحي الوطني والدولي بوسيلة أخرى ، وصولاً إلى حل سياسي ، يحقق قواسم مشتركة داخلياً ودولياً .

وهي لامحالة قادمة من طرف آخر ، لأن معظم ، إن لم يكن جميع المسلحين ، لايحملون قضية عادلة تنتمي إلى البيئة التي يقاتلون فيها ، التي عادة يتوقف استخدام السلاح من أجلها عندما تتحقق . فمعظمهم يحاربون من أجل الارتزاق من غنائم الحرب في الدنيا ، والارتزاق كما يتوهمون عند الله في الآخرة . وما يحملونه من بديل يبشرون به " دولة الخلافة " هو بديل مفوت ، لايتطابق مع الواقع المعاصر ، ولا مع مطالب وطموحات الشعب السوري . ولذلك فإن غياب أو ضبابية البديل ، والفشل المنظور من خلال عدم وضوح انتصارهم في الحرب ، يدفعهم إلى إعادة الاستقطاب نحو الأكثر تطرفاً ، وإلى التشرذم ، واحتراف الحرب كأفق وحيد أمامهم .

أخيراً ، إن حرب أمراء الحرب قد اندلعت ، وتوسعت ، والخسائر المادية والبشرية زادت وكثرت . وساد الغموض حول الأطراف المتحاربة والأهداف المحددة لها . لسبب رئيس هو ، أن الأطراف المتحاربة جاء بها إلى الداخل السوري مصدر واحد ، وهي تدعم بكل احتياجات مواصلة حربها من نفس المصدر . إعلام المسلحين يشير إلى سقوط ( 700 ) قتيل في صفوفهم في اشتباكاتهم في الأيام الماضية ، لكنه لم يذكر عدد الجرحى ، ولم يذكر ما طالته هذه الحرب من أرواح المدنيين الأبرياء ، وكذلك ما أحدثته من دمار في مواقع الاشتباكات " الجهادية " البينية . مصادر إعلامية كثيرة تناولت هذه الحرب . لكنها لم تذكر سوى الأسباب الشكلية لاندلاعها ، وتعزوها إلى نزعات الاستحواذ على قيادة شاملة للمسلحين في الحرب السورية ، لصالح مؤتمر جنيف2 أو لتخريبه . وتجنبت الدلالة الواضحة ، على أن الحرب السورية قد دخلت مرحلة موازين قوى جديدة ، مرحلة فتحت الطريق لإنهائها في غير صالح الجماعات المسلحة .

قليل من المراقبين ، من أمسك بالسبب الأهم لانلاع هذه الحرب ، وهو فشل فكرة عسكرة المعارضة ، وانفضاح كذبة ، أو وهم " الجهاد .. والتحرير " ومن ثم تأتي أسباب أخرى لاتقل أهمية ، التي تتضمنها الأسئلة المحقة في هذا السياق وهي :
" هل هناك تمرد حول الغنائم والنفوذ .. وتمرد على التمرد ، في العلاقة بين المصدر والمسلحين .. أو قسم من المسلحين ؟ .. أم أنه تنافس بين كتل المسلحين لكسب أولوية الاعتبار والدعم من المصدر ؟ .. هل تعمقت التباينات بين خلفيات تيارات المسلحين ( إسلامية ـ مدنية ) تعكس خيارات المستقبل لدرجة الصدام المسلح ؟ .. هل فشل مشروع " الجهاد الدولي " لإعادة " دولة الخلافة " بعد سقوط محمد مرسي في مصر ، وتوالي التداعيات الميدانية في سوريا ، قد سرع في التصفيات الجسدية لتصفية غنائم الحرب ، قبل فوات الأوان ؟ .. هل هذه الحرب هي انعكاس لانقسام في المصدر الأساس في القيادة والدعم ، المتمثل بتبديل بعضه استراتيجيته في الحرب السورية وصراعات الإقليم ، استجابة لمتغيرات دولية ، وبعضه الآخر يحاول تغيير موازين القوى الميدانية ، بدل أن يبدل شيئاً ؟ .. "
كل هذه الأسئلة المترادفة مشروعة ، ويكاد بعضها يجيب على بعض . وهي تدل على أن حرب أمراء الحرب ، حرب متكاملة تحت عناوبن متباينة في التعامل مع الحرب السورية ، وفي قضايا الشرق الأوسط الساخنة الأخرى ، وأهمها ، الصراع العربي الإسرائيلي ، ومصادر الطاقة ، والمشروع النووي الإيراني .

غير أن ما يعقد المشهد ، هو أن الحلقة الوسطى في تراتب قيادة الحرب السورية ، وهي الدول الإقليمية .. المملكة السعودية .. قطر .. تركيا ، تبدو ، وخاصة السعودية ، من خلال استمرار قيادتها ودعمها للمجموعات المسلحة المتنابذة ، وكأنها ، رغم علاقتها العضوية بدول الحلقة الأولى .. الأمريكية ـ الغربية ، تسير عكس التيار الستراتيجي الجديد . فالمملكة السعودية تعمل بثنائية سافرة . إنها تدعم " داعش " في العراق وتحاربها في سوريا .. تدعم الأخوان المسلمين في سوريا وتحاربهم في مصر . والمملكة وقطر وتركيا جميعها تعمل وكأنها تتواطأ مع أطراف من المسلحين ضد قيادات " الإئتلاف " المدنية الخانعة " على عماها " للطلبات الأمريكية .

لكن لايخفى على المراقب ، أن يعرف ، من خلال معرفته العلاقة العضوية بين دول الحلقة الأولى ودول الحلقة الوسطى ، أن معظم ما يلاحظ من تناقضات في حرب أمراء الحرب ، بين المملكة وتركيا وقطر وبين أمريكا والغرب ، حول المسار العسكري والسياسي للأزمة السورية ، لايمكن أن تصل إلى درجة القطيعة أو الصدام ، وفي النهاية لابد أن يتم الانسجام بين الطرفين ، إذا جاز التعبير ، لتحسين أوراقهم مجتمعين في عملية المخرج السياسي ، تحت ضغط الإرهاب ، لصالحهم ، ولصالح السوريين التابعين لهم .

وفي حرب أمراء الحرب تبرز مسألتان لايمكن التغافل عنهما ، الأولى وهي دور ومصير " الجهاديين " الذين التحقوا بالحرب في سوريا ، متوهمين أنهم سيكسبون برفقة المسلحين السوريين " الجنتين " جنة الأرض المتمثلة بالغنائم وجهاد النكاح ، وجنة السماء المتمثلة بنعيم السكون الرومنسي ومعاشرة الحور العين . والثانية هي التطبيع المطلوب من المسلحين ، الذين اعتادوا الشدة والإفراط في السطوة على من يقع تحت سيطرتهم من الناس ، مع الحالة الجديدة المطروحة ، التي سميت بالاعتدال ، واكتساب صفة معارضة مسلحة معتدلة ، لأداء دور مزدوج .. مسلح .. وسياسي .. حسب الطلب .. وحسب المراحل المتوقعة في مسار الأزمة السورية .

الواضح أن من يرسم خرائط الحرب السورية وتحولاتها ، يتجاوز الكثير من التفاصيل الهامة ، وأبرزها ، أن الأكثرية الساحقة من المسلحين جاؤوا من أوساط اجتماعية عشوائية سياسياً وثقافياً ، وعلى خلفيات ثأرية ، وارتزاقية ، أو عقائدية مفوتة . وقد أعاد حملهم للسلاح بناء ذواتهم وفق متطلبات هيستيريا " الحرب اللاإنسانية واللاأخلاقية " من قتل .. وتدمير .. وخطف .. وذبح .. وحرق .. ألخ ..
ولذا لايمكن بجرة قلم ، أن ينقل هؤلاء ، من خانة التطرف إلى خانة الاعتدال . والأسوأ من هذا أن يجري التفكير بالتصفيات الجسدية ، لمن يتعذر تطبيعهم مع " الاعتدال " ، إذا كانت فكرة الاعتدال المنافقة سائرة فعلاً نحو التنفيذ ، الأمر الذي يدفع الكثير من المسلحين " غريزياً " للتفكير بمصيرهم . ولعل أقرب الحلول إليهم ، هو التمترس في تنظيمات متمردة متموضعة في أماكن محصنة ، ومتابعة حرب الارتزاق ، بوسائل الغزو والكر والفر التي أتقنوها في السنوات الماضية .

ما يعني أن حرب أمراء الحرب ، المنفلتة من أي مسؤولية عقلانية وأخلاقية ، سوف تلحق أضراراً بالغة السوء بسوريا لايمكن الآن تقدير أحجامها وآلامها . وسوف تمتد لفترة ليست بالقليلة . ومهما حوصرت وحجمت ، ستشكل ظاهرة معوقة للاستقرار وللانتاج وللاقتصاد وللأمان ، حتى يتم التخلص منها .

ولذلك فإن ما يعد من تسويات متعلقة بالجيوش الإرهابية الارتزاقية ، لتحويلها إلى فعاليات مسلحة " معتدلة " أي وضعها كلياً تحت السيطرة ، هو إجراء فاشل ، ومنافق ، ولن يوصل إلى الحل الصحيح .
إن من مصلحة سوريا .. ومصلحة أمنها واستقرارها .. وإمكانية إعادة بنائها ، ومصلحة الإقليم والعالم ، أن تسمى الأمور بأسمائها .. وتوصف كما هي دون مخادعة . الإرهاب هو الإرهاب وهو يقوم على القتل والتدمير والمغنم " السلب " والسبي . فهل في مثل هذه الأفعال البشعة اعتدال ولا اعتدال .

وهذا يتطلب العمل .. بوطنية عالية .. ومسؤولية دولية جادة ، في أي حوار وطني .. وفي أي قرار دولي .. العمل من أجل تحرير سوريا .. بكل ما تعنيه كلمة تحرير من معنى .. من الإرهاب ، وخاصة " الجهادي " الوافد . وفي هذا العمل فقط تكمن مصداقية أي حوار .. وأي حل سياسي .. يكتب له النجاح . وهو البداية الصح ، لتطبيق خريطة إعادة بناء سوريا .. موحدة .. علمانية .. ديمقراطية .. على كل المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية .. و تتمتع بأفق قومي تحرري متكامل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدعو سوريا -لاستغلال الهدوء- للتقارب مع المعارضة والتح


.. VODCAST الميادين | حمة الهمامي - الأمين العام لحزب العمال ال




.. غريتا ثونبرغ تنضم إلى آلاف المتظاهرين لأجل المناخ في هلسنكي


.. نيران تأتي على البرلمان الكيني إثر اقتحامه من آلاف المحتجين




.. ماكرون: -برنامج اليمين واليسار سيؤديان الى حرب أهلية في فرنس