الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا تضحك وأنت ميتٌ جوعاً؟

خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)

2014 / 1 / 14
الادب والفن


إلى اليرموك


ينشب المخيم أظافره في أرواحنا كلما مسّه الصراخ، نختبئ في زوايانا كأرانب خائفة، ماذا سنرد عليك؟ كيف سنفهم انفلاتك من حضن العقل والتجاءك إلى الله وحده؟ كيف سنفسر لأنفسنا أننا بشر أسوياء ونحن نقضم سيرتك ساعةً بساعة، ونعلق على ذبولك خيباتنا وركودنا اليومي؟ كيف سنقلب الصفحة على مأساةٍ أخرى ونحن لم نزل في المأساةِ ذاتها؟ أجلتُكَ كثيراً لأني كرهتُ أن أكون بهذا الجفاف أمام حيرة الدمع في عيون الأمهات، كرهتُ السياسة والخطابات والاتهامات، وكرهتُ الأمنيات التي لا يسمعها أحد، كرهتُ النياشين والميكروفونات، كرهتُ حدود قلبي أيضاً، لأنني لم أستطع أن أقول لك أن الصراخَ شوّه أذني فسمعته في كل شيء حتى في أذان الفجر.

فلتمت من الجوع، وسنكتبك كما كتبنا تل الزعتر من قبلك، ستنجو قصائدنا وتموت أنت، ستنجو قصائدنا وتموت أمنياتك الصغيرة على البوابات التي يحاصرها الوهم قبل أن تحاصرها الدبابات، لم يعد مهماً من يطلق النار، ولا من يستقبلها، ما دام الجوع يفرفط على الشبابيك المستحيلة، الشبابيك التي ترى الله ولا ترى ملائكة بأجنحةٍ من ضوءٍ تحمل في طيرانها كبشاً لينقذ الأولاد الصغار من الذبح، الشبابيك التي صنعتموها لتطل على الشمس لا على الخراب، ستسيل أمنياتكم على شفاه الرصاص، ويصرخُ قائدٌ آخر معدداً مجزرةً جديدة...

تمرُّ الوردةُ من بين مقصّين، أحدهما يريد أن يعدمها ليفسح مجالاً لوردته الخاصة، والآخر يريد أن يضعها في مزهرية على الطاولة، وفي الحالتين، وفي المقصين، الوردة مقتولة لا محالة.

تبكي طفلة من الجوع، ويظهر جلدها الأزرق كلونٍ إضافي على الطبيعة، ويكتب الشعراء فيها نصوصاً بهيّةً، لكنها تموت، ولن تقرأ نصاً، ولن تأكل رغيفاً حتى لو دخل اليرموك طعاماً بعد ذلك.

ليس العالم بهذا الوضوح الذي للدم النازف، من أين تأتي بالدم لتنزفه وأنت جائع؟ أليس في هذا حيرة السؤال أمام الطبيعة والتاريخ؟ من أين تأتي بقدرتك على الصراخ بينما الماء والملح عائدان من حفل تتويج؟ من أين تأتي بكل تلك القنابل التي تنفجر في وجوهنا ولا نموت؟ فقط نحصل على المزيد من التشويهات، لا أنف لا عيون ولا شفاه، وما زلنا نظن أننا أجمل الكائنات.

لقد تعرينا جميعاً، فقدنا القدرة على ارتداء ملابسنا من جديد، وفقدنا جلدنا لنرتدي الملابس فوقه، وفقدنا عظمنا لنضع فوقه الجلد، وفقدنا الشرايين كي يرتكز العظم عليها، فقدنا انبهارنا بالمجزرة، فقدنا حريتنا في أن نكون مأتماً للخارجين من فرن الحياة متبلين بالمأساة، فقدنا حتى ما عاد لدينا ما نفقده.

تستمر الفتاة بالجلد الأزرق في الحضور، تفتت الهواء، نضغط زر الريموت كونترول كي نزيحها من الهواء، لكنها تظل، وتضحك؟ لماذا تضحكين ونحن ما عدنا مضحكين؟ لماذا تضحكين وقد متِّ جوعاً؟ هل يضحك ميت من الجوع؟ لم أجرب أن أحاور ميتاً من الجوع كي أعرف، لكنها تضحك وتسكب رأسها الربيعي الطازج على كتفي وتصرخ بأغنية ربما كانت هي الأغنية الوحيدة التي تعلمتها من أمها قبل أن تفقد الذاكرة والحياة: فلسطين الحرة بلادي... يا لها من بلادٍ أيتها البنت، ويا لنا من رجال لم يتعلموا كيف ينقذون بنتاً من الموت جوعاً، يا لنا من صناع تاريخ... ويا له من تاريخ.

تصبُّ السماء رأيها على شكل فَرَسٍ بيضاء بذيل أحمر، الأحمر ليس دماً بل خطاب الروح إلى ما تبقى في الأرض من وجع، ستموتون كلكم من اليأس أو من خفة الأقدام في طريق الحرية، لن يبقى أحد ليشي لأحد بألم أحد، ستنتفض الفرسُ ويخرج من حوافرها أولادٌ ماتوا في مقدمة العمر، ويخرج من حوافرها زهور ياسمين لم يتمكن أب من وضعها على قبر ابنه الذي لم يعرف مكانه، سيخرج من حوافرها خبزٌ وماءٌ ولن يجد من يأكله، ستخرج من حوافرها صلوات كثيرة لن يصليها أحد، ولن يستجيب لها أحد، وسيفنى الجميع، أما الدمعُ المصحوب بعتابٍ لم ينطق به أحد، فهو الوحيد الذي سيبقى معلقاً في الهواء كتعويذةٍ ملعونةٍ ستلعن كل من يمر تحتها إلى أبد الآبدين.

الثالث عشر من كانون ثاني 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع