الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موضوع الوحدة عند تشيخوف

إبراهيم إستنبولي

2005 / 6 / 19
الادب والفن


ن.س. فافيلوفا
ترجمة/ ابراهيم استنبولي
باتت ليلتَها غيمةٌ ذهبية،
على صدرِ جلمودٍ عملاق؛
باكراً في الصباح انطلقت في الدرب،
وهي تلعب فَرِحةً في الفضاء اللازوردي.
لكن أثراً رطباً بقي في تجعيدةِ
الجلمود العجوز. وحيداً
يقف، وقد شرد في البعيد،
و هو يبكي بصمتٍ في الصحراء.
ليرمنتوف >

إنها أبيات عن الوحدة. وعن أنه تصادف لحظات يلوح فيها أمل بالتخلص منها. لكنه أمل مخادع، لا يبقى بعده سوى أثر. >. لقد كان تشيخوف يشعر بالوحدة طيلة حياته. لهذا لم يكن عبثاً يحمل في إصبعه خاتما حفر عليه: <<الصحراء تحيط بالوحيد أينما كان>>. هذا الخاتم كان يعود لوالد تشيخوف، بافل ايغوروفيتش، لكن ابنه انطون بافلوفيتش هو الذي حمله... وعندما كتب قصة <<في الطريق>> 1886، تلك القصة عن الحياة المضطربة للرجل (لن نتناول هنا الجانب الاجتماعي، الذي كتب عنه الكثير من النقاد المعاصرين لتشيخوف، مصنفين بطل القصة في عداد <<الأشخاص الزائدين>>)، فإن تشيخوف كان قد اتخذ كمدخل للقصة هذه الأبيات من قصيدة ليرمنتوف:

باتت ليلتها غيمة ذهبية
على صدر جلمود عملاق...

أما مضمون القصة فهو بسيط: في خان يؤمه المسافرون، يلتقي رجل وامرأة وقد فاجأتهما العاصفة الثلجية وهما في الطريق. ينشأ بينهما شيء ما، ليس إحساسا بالضبط، بل شبح إحساس. اللقاء يجري في ليلة رأس السنة الميلادية، وهذا يؤكد بشكل خاص على عدم استقرار ووحدة شخصين مسافرين يلتقيان صدفة. يؤكد ذلك أيضا الطقس، الريح والزوبعة الثلجية التي هبت في محيط الخان: <<كان الطقس يضج في الفناء. شيء ما مسعور، غاضب، لكنه تعس حتى النخاع، راح بعنفوان وحشي يدور حول الخان وهو يحاول اقتحامه والولوج إلى الداخل>>. يجري حوار، حيث يتحدث بطل القصة ليخاريوف عن حياته و، كما لو عرضا، يناقش مواضيع مختلفة جدا.
عن الايمان: <<الايمان هو تعبير عن مقدرة الروح. وهو يعادل الإبداع عمليا. يجب أن يولد مع الإنسان. و تلك المقدرة يمتاز بها الروس بدرجة عالية. (...) لقد أهدت الطبيعة الإنسان الروسي قدرة غير عادية على الايمان، لقد منحته عقلاً وذكاء للتفكر، لكن كل ذلك يتحطم شرَّ تحطّم على صخرة اللامبالاة، الكسل والسذاجة الحالمة>>.
ثم يتكلم ليخاريوف عن العلوم وكيف أن هدفها هو السعي إلى الحقيقة. وبشكل خاص عن النساء، اللواتي يؤدين رسالة سامية، حسب رأيه، هي <<العبودية النبيلة والراقية، الصبر والكرم الروحي، الوفاء حتى القبر، شاعرية القلب. إن مغزى الحياة بالنسبة للمرأة هو بالضبط في هذا العذاب بدون أي تذمّر، بإذعان، في الحب غير المحدود، الذي يصفح عن كل شيء، والذي يجلب النور والدفء إلى الحياة>>. ومن ثم، متوجها بشكل مباشر إلى رفيقة الدرب، يسألها : <<انظري، عندما تحبين شخصاً ما، فإنك سوف تذهبين وراءه إلى القطب الشمالي. ألن تذهبي؟>>. وهي تجيب: <<نعم، إذا.. أحببته>>.
هذا اللقاء الصدفة في ليلة رأس السنة، كلمات البطل ليخاريوف، إخلاصه، حماسه كل ذلك يفعل فعله في شريكته بالحديث لدرجة أن <<... ايلوفاسكايا نهضت ببطء، تقدمت خطوة نحو ليخاريوف وبحلقت في وجهه. (...) في حرارة عينيه، في كلامه، في حركات جسمه الضخم كله انعكس قدر كبير من الجمال، بحيث أنها، ودون أن تنتبه لذلك، راحت تقف أمامه كقطعة جامدة وهي تنظر في وجهه كالمسحورة>>.
لكن، يقبل الصباح، تستعد ايلوفايسكايا للمغادرة. <<نظرت ايلوفايسكايا إلى الاستراحة لآخر مرة، وقفت صامتة ومن ثم خرجت ببطء. ذهب ليخاريوف ليودعها. (...) عندما انطلقت الزحافة(1) وراحت تبتعد ملتفة حول كثيب ثلجي، نظرت إلى ليخاريوف مع تعبير يوحي كما لو أنها أرادت أن تقول له شيئاً ما. فركض هو إليها، لكنها لم تقل أية كلمة، فقط رَنَتْ إليه من خلال رموش طويلة وقد علقت بها حبيبات الثلج>>. و<<فجأة راح يفكر، أنه كان بحاجة لاثنتين ثلاث من <<اللمسات>> القوية الرائعة، لكانت هذه الفتاة (...) ذهبت خلفه دون أن تسأل، دون أن تناقش. وقف طويلا كالمسحور وهو ينظر إلى الأثر، الذي تركته المزالق. بينما راحت قطع الثلج تتساقط بكثافة على شعره، لحيته وكتفيه. بسرعة اختفى الأثر الذي خلفته المزالق، وهو نفسه صار، بعد أن غطاه الثلج، يشبه الجلمود، لكن عينيه تابعتا البحث عن شيء ما في الضباب الثلجي>>.
<<صار يشبه الجلمود>>...

لقد قدم سيرغي فاسيلييفيتش رحمانينوف(2) كهدية نسخة من الفنتازيا <<الجلمود>>، التي كتبها للأوركسترا صيف عام 1893 مع الكتابة التالية: <<إلى انطون بافلوفيتش تشيخوف الغالي والمحترم جدا، مؤلف قصة <<على الطريق>>، والتي كان مضمونها مع المدخل هو الأساس لهذه المقطوعة الموسيقية>>.
وبالمناسبة، إن موضوع الوحدة لم يكن غريبا عن سيرغي رحمانينوف أيضا.

1 الزحافة عبارة عن عربة خاصة لنقل المسافرين مصممة للسير على الثلج على مزالق خاصة. المترجم
2 سيرغي فاسيلييفيتش رخمانينوف 1873-1943 ملحن روسي، عازف بيانو وقائد أوركسترا. عاش منذ عام 1918 في الولايات المتحدة
الأميركية. المترجم
تنويه : هذه المادة بمناسبة ذكرى رحيل الكاتب العظيم أ . ب . تشيخوف .
و قد سبق و تم نشرها في جريدة السفير اللبنانية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي


.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض




.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل