الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مَن منّا غير مصاب بداء العنصرية ؟

سيلوس العراقي

2014 / 1 / 14
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


من منًا لا يأوي في فكره أو في قلبه وحش العنصرية أو التمييز العرقي أو الديني أو غيرها (إن كان هذا الوحش صغيرا أو كبيراً) ؟ من منًا براء منه ؟
ربما نسبة وقوة ونوعية التمييز التي يختزنها كل منّا من هذا الداء تختلف من فردٍ لآخرعلى وجه هذه البسيطة، تخفت أو ترتفع باختلاف الفرد وبحسب البيئة والمحيط والجماعة أو المجتمع أو الظروف .
لكن هل يجرؤ أحد بالقول بطهارته من أي شكل من أشكال التمييز إن كان فكرياً أو عملياً وحتى يومياً ، من دون أي مبالغة ؟
ان هذا التساؤلَ مدخلٌ ليس الاّ ، انه ليس لبحث في أشكال العنصرية والتمييز العنصري أو العرقي أو المذهبي والديني . انه مدخل لسماع صوت شخص ممن عانوا وتشردوا وتألموا بسبب كارثة داء التمييز العرقي ـ الرازيزمو .
انه صوت اسحاق باشيفيس سنجر. الذي ولد في بولونيا في 21 نوفمبر 1902. باشيفيس هو أسم والدته الذي أضافه الى اسمه : باشيفيس بلغة يهود اوربا ( اييديش ) المرادف للاسم العبري ( باتشباع ).
جده كان رابيا (حسّيد) ، ووالده كان رابياً وقاضياً.
شهد اسحاق سنجر منذ صغره المعاناة والمعاملة القاسية التي تعرض لها شعبه اليهودي في بولونيا ، حيث شهد احتراق المدرسة اليهودية (يشيفا) التي كان يديرها والده . وشهد فيما بعد تنامي العداء والتمييز النازيين ضد اليهود الذي ابتدأ في المانيا ، وظهرت أشباحه المريعة في بولونيا وغيرها من بلدان اوربا منذ عشرينات وثلاثينات القرن العشرين.
إن هذا التمييز كان دائماً ضد اليهود ولعشرات القرون في اوربا لكنه كان يخفت مرة ويختفي (لكن لا يزول) ويلتهب في أحيان أخرى.
هاجر أو بشكل أكثر دقة ، هرب في عام 1935 من فرسافيا ـ بولونيا الى الولايات المتحدة الاميريكية.
تعبّر مقالاته ورواياته وقصصه عن عالمه الذي هجره مضطراً في ثلاثينات القرن الماضي . كتبها بلغة الييديش، اللغة التي كان يجديها بشكل تام ، اللغة التي يقول فيها : انها لغة والديّ ، لغة الشعب الذي أُصوّره وأُعبّر عنه في كتاباتي .
فيحسّ القاريء لكتاباته كأنه يقرأ (بل يسمع) أصواتاً من مستندات توثق واقع العبرانيين (اليهود) الذين تعرضوا لعمليات التمييز العرقي والديني والاضطهاد والابادة الوحشية والمتوحشة.
إن العنصرية أو التمييز العنصري (الرازيزمو)، بحسب سنجر " لا يمكن القضاء عليها نهائياً. إن حالها كحال الجشع والحسد والغيرة، انها شر يولد مع الانسان الذي يعيش مع الانسان الآخر. يتوهم البعض بأنه يمكن القضاء على العنصرية بواسطة الخطب والمواعظ أو بوسائل أخرى من ضمنها العنف ".
نعم انه لا يمكن القضاء عليها ، " لكن يمكن تخفيفها . يمكن الاستغناء عنها بوضعها جانباً ، لكنها تبقى تحيا في داخل الانسان" حتى وإن توقفت قليلا عن النمو، لكنها تبقى . "إن للعنصرية قابلية التخفي ، فتختفي في أي حيز أو مكان داخلي" داخل الانسان ، "كما في داخل أي شيء".
من عانى الاضطهاد والمحارق النازية والفاشية "لا يمكن له ألا يتذكرها دائماً . خاصة حين يتم اضطهادك وتعريض حياتك للخطر أو الدعوة لقتلك وموتك فقط لكونك يهودياً ".
و"يبدو أن العنصرية والاضطهاد والقتل على الهوية وعلى الاثنية وغيرها من أسباب التمييز المختلفة ستجد لها مكاناً دائماً وفي أي وقت . فانها لم تتوقف في أي مرحلة من مراحل التاريخ البشري .
فمالذي سيدعوها ويجبرها على التوقف اليوم مثلاً ؟
أليس الشرق الأوسط دليل واضح على استمرارية التمييز العنصري بأشكاله وأخواته من الكراهية وروح الانتقام والدعوة الى قتل الآخر المختلف ؟
ألم يقم الخميني حينما استلم السلطة في ايران (وأتباعه من بعده) بقتل واضطهاد المختلفين عنه (أو عنهم ) اثنيا ومذهبيا وفكريا ؟
ألم يقم بذلك حكم البعث بفرعيه العراقي والسوري ( الذي لايزال وبنجاح ساحق منذ عدة سنوات في المجازر الدموية والتطهيرية) ؟
وفي عراق اليوم أليست دوافع القتل والمجازر بين أبناء الوطن الواحد مستمرة لأسباب تعتبر العنصرية والتمييز العنصري بأشكاله وألوانه المختلفة على رأس الأسباب ؟
بالعودة الى سنجر، وفي معرض رده على احدى الأسئلة في مقابلة خاصة أجراها معه لوتشانو سيمونيللي في حزيران 1979 بعد أشهر من نيله جائزة نوبل للآداب ـ نشرها في كتاب يحوي كافة لقاءاته مع شخصيات من القرن العشرين.
يقول اسحاق سنجر يمكنني أن أوصي الآخرين وأوصي نفسي بالعودة الى الوصايا العشرة ومحاولة تطبيقها لو كان ذلك ممكناً . لأنها الحكمة الوحيدة التي يمكنها أن تجد الانسان في المكان الذي يجب أن يكون فيه. والذي كتب الوصايا العشرة كتبها ليعطينا قليلا من الحكمة ، لكنه للأسف لم يفلح بذلك بعد .
وبالرد على سبب ذلك يجيب : لأن البشر يرفضون اتباع الوصايا العشرة لأنهم قليلي الايمان ، لأنها كانت هي التي فرضت الحدود على الانسان (المحدود). اذن من دون الايمان ومن دون الحدود فان الجنس البشري يتجه نحو الحروب ، وسيأتي اليوم الذي سيعترف به بكل أخطائه.. إنّ على كل مرء أن يقتنع بأن الحكمة توجد في أخلاقيات (moralità ) أخرى ، في القيم الأخلاقية العليا ، مع صعوبة ذلك. وذلك صعب عليّ Hيضاً. لكنني شخصياً ألتزم بوصايا : عدم القتل ، عدم السرقة، وعدم تدنيس اسم الرب، لكنني أحب أن اؤكد على صعوبة الالتزام الشامل بكل الوصايا.
يمكننا كبشر التعلّم ، بكل تأكيد من أخطاء الهولوكوست (مثلا) والمجازر (وكل الافعال الشريرة) . لكن المشكلة تكمن في أننا ننسى. والانسان لم يتعلم أن يتذكر مشاعره وعواطفه ، وخوفي هو أنه لن يتمكن من ذلك أبداً.
ان الانسان هو مخلوق كفوء وطموح جداً ، ولا يفكر بالاكتفاء ، ولا يفكر بأن يرتاح . إنه أكثر المخلوقات قلقاً واضطراباً ، وكلما يزداد ما نسميه تطورا أو تمدناً ، يزداد قلق الانسان. وعن نفسه يحدّث سنجر : أحب أن أكون أكثر كرماً وأفكر في الآخر أكثر وبنفسي أقل . لست طموحا بشكل غير اعتيادي أو خاص، لكنني بالنتيجة أجد بأنني أصرف جزءا كبيراً من وقتي في التفكير بنفسي . وأحياناً أسأل نفسي، لماذا يحدث هذا ؟ لماذا لست محباً كثيراً للغير ؟ للأسف فان لحب الذات طاقة هائلة ، كالعنصرية والتمييز العنصري ، انه واحد من الاشياء التي من المستحيل تدميرها أو القضاء عليها.
انني واثق بأن الانسان حين يصل الى لحظة مماته ، فالأنانية (حب الذات) هي آخر شيء يموت معه.
وأخيراً مات اسحاق سنجر في 24 تموز 1991 في فلوريدا ـ أميريكا.

c








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عن حب الذات
Aghsan Mostafa ( 2014 / 1 / 14 - 13:37 )
تحياتي كابتن وشكراً لك على عدة مقالات! قرأتها
والفضل يعود لأخينا الدكتور علي منهل!، الذي يلفت أنتباهنا لكل ماهو جميل
سأقول فكرتي ورأيي بالموضوع حسب ما فهمت منه!؟
رأيي ان حب الأنسان لنفسه وذاته هو مايجب ان يكون، لاأعلم لماذا تسمى أنانية!؟، بالعكس انا أجد ان الأنسان الذي لايحب ولايقدر نفسه لايستطيع ان يقدم للآخراي شيء!؟
من تجاربي مثلا بالعمل وبعد ان يكون الضغط وصل لحد أنهاك الجسم والعقل وعندما أشعر بأن معيار الأ aggressive
سيتجاوز مرحلة الأمان (فهو على العكس من الفهم العربي من ضرورات العمل ومستحب هنا!) ويبدأ يعطيني اشارة أنذار!، أسرع وآخذ اجازة ولو لمدة يومين وأبتعد بنفسي هاربة من كل شيء، عملي يكون راحة وتأمل وأسترخاء فقط!.
وبهذا أكون فضّلت نفسي وغيري لأنني أعلم لو بقيت سيكون الضرر كبير عليً وعلى المقابل الذي لاذنب له!؟
هذا الشيء يفتقده ويسيء فهمه المواطن العربي ولم يعتد عليه!؟
ولهذا تجد الشعوب العربية بتراجع مستمر!، جميعاً تباكى ويتباكون على القضية الكبرى لدرجة انكار ذاتهم!، لحد ما أصبحوا هم القضية!!!؟
ارجو ان تكون فكرتي واضحة ولايسيء اصحاب القضايا فهمها!؟
تحياتي ومودتي كابتن


2 - الفرق بين الحبين كبير
سيلوس العراقي ( 2014 / 1 / 14 - 14:35 )
العزيزة أغصان
شكرا لمرورك وتعليقك وشكرا للدكتور علي
ان الانانية التي تسميها العربية ايضاً بحب الذات والتي ترد اعلاه في المقال هي الترجمة لعبارة
egoismo
للشخص الذي يضع ذاته (أناه) ومحبتها (عبادتها) في مركز حياته إن لم يجعل منها المركز لكل ما يحيط به، أي يفرط بشدة في محبة ذاته فقط ، لدرجة اهمال الآخرين (أنا الآخرين ) التي تستحق حبا مماثلا منه
ومع أن هذه العبارة تأتي في معرض حديث بطل المقالة اسحاق سنجر عن نفسه وكرمها غير المتوازن إن صح التعبير ، لكنها مهمة جدا

فكرتك واضحة على الاقل بالنسبة لي
وانك متفقة مع سنجر في مسألة الراحة، بأن الانسان بحاجة الى الراحة ، أن يرتاح ، أن يسبت لبعض الوقت، لأنه يجب أن يفعل هذا ليتمكن من التجدد والاستمرار في النمو في الحب لغيره أي ليكون ويحيا من أجل الآخرين والمختلفين عنه ايضاً ، لأن الحب هي الطاقة الانسانية المتجددة الأكبر إن لم تكن الأوحد القادرة على إضعاف الكثير من اشكال العنف والحسد والكراهية والعنصرية في عالمنا
تحياتي لك


3 - عزيزنا استاذ سيلوس
بشارة ( 2014 / 1 / 15 - 01:17 )
حينما ادركت انا الفرق بين الانانية والانامركزية Egocentrismo فهمت احد اهم اسباب تخلف العرب.
الذي يعاني منه مواليد الثقافة الاسلامية يتخطى الانانية (بالمناسبة الانانية ليست حب الذات بل الافراط في حب الذات على حساب الايثار ومحبة القريب) يتخطاها الى الانامركزية وهي اعاقة في النضج اعم واغبى من الانانية التي يرى فيها,هذه الاخيرة, الاناني منفعة شخصية,
اما العنصرية فيا ويلاه تمد جذورها الى بداية تكوين المجتمعات البدائية القبلية وهي السبب المباشر في انقراض النياندرتال قبل 30000 سنة في سهول الشرق الاوسط وبقاءنا نحن السابينز سابينز..العنصرية لها هدف نفعي للمجموعة الضيقة في اوضاع شح الموارد وقد غرست في جيناتنا واصبحت غرائزية صعبة الاقتلاع

اشكرك على اللمحة عن سنجر

ولك خالص تحياتي مع قرائك الكرام


4 - الاستاذ بشارة
سيلوس العراقي ( 2014 / 1 / 15 - 10:02 )
تحياتي
اشكرك على تعليقك
اتفق معك تماما في صعوبة اجتثاث واقتلاع جذور العنصرية
لكن علينا أن نواجهها بترويضها بوسائل متعدده انسانية
وفي مقدمتها
احترام وقبول الغيرية والاختلاف ، أنا اؤمن بالانسان
وبطاقته الكبرى على الحب
الوحيد الذي بامكانه شفاء البشرية المريضة
لتغيير وجه الارض
لتصبح مكانا لائقا لحياة جميع البشر والشعوب
بكل اختلافاتهم والوانهم
لانه ليس للبشرية مكان آخر لتحيا
تقبل احترامي

اخر الافلام

.. الجيش الأمريكي يعلن إسقاط صاروخين باليستيين من اليمن استهدفا


.. وفا: قصف إسرائيلي مكثف على رفح ودير البلح ومخيم البريج والنص




.. حزب الله يقول إنه استهدف ثكنة إسرائيلية في الجولان بمسيرات


.. الحوثيون يعلنون تنفيذ 6 عمليات بالمسيرات والصواريخ والقوات ا




.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح ولياً