الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة لن تنتهي

سهير فوزات

2014 / 1 / 14
الادب والفن


رأسها الصغير فوق صدري يرتَّبُ نبضي, ويعيد بعض الدم الدافئ في أصابعي , فأسرح شعرها وأدمدم بأغنية ما أخفي بها غصة فرح... ذلك الشعور بالاختناق, حين تكون ممتنًا لفرح ما وخائفًا من فقده حد الرعب.
حين تحسد نفسك على لحظة أنت فيها فتتجمع الكلمات كلُّها في منبت الصوت, في حنجرتك وتتزاحم كموج في مضيق دون أن تخرج لا كلامًا ولا دموعًا.
-ماما احكي لي حكاية
-أَستجمع مفرداتي...وأبدأ بالكلام :
كان يا ما كان ...في حديث الزمان ... وتسري أفكاري إلى هناك ...حيث رؤوس الأطفال لا تجد صدور أمهاتها...
كان ياما كان... كانت هناك طفلة جميلة صغيرة, في أرضٍ بعيدة, أرضٌ تصادَفَ وقوعها في النقطةِ العمياء لله...
-ماما ما معنى الله؟
_ الله يا عمري هو هذا الذي يبقى مع الأطفال حين يضيعون أو تغيب أمهاتهم... هم لا يرونه ولكنه يمسح شعرهم و يعانقهم فيهدؤون بانتظار عودتهم.
كانت هناك في الأرض البعيدة طفلةٌ تعشق البالونات الملونة , تنتظر العيد والمناسبات لتطلب بالونًا ملونًا , تختار لونه كل مرة مختلفًا, كان عشقها للبالونات لا يعرف الحد كلما عاد أبوها في زيارة من سفره الدائم توصيه أن يحمل لها أشكالًا جديدة من البالونات وألوانًا نادرة.
كان أجمل ما تمضيه من وقتها في مطاردة البالونات, في رميها في الهواء والتقاطها.
صمتُّ للحظة وقد لاحظت أنني أُدخِل القصة في مزاجي الحزين بدلَ أن أدخلَ في مزاجها البالوني.
-هل انتهت القصة ماما
- لا يا حبيبتي ...ما كان العالم لينتبه للطفلة لو انتهت القصة.. فكل الأطفال تحب البالونات و ,كل الأطفال تحب اللعب ...ويقول الناس في كتبٍ ومواثيق وضعوها, إن هذا من حقهم...القصة بدأت للتو...اسمعي:
كانت تلك الطفلة تتمنى لو تربط البالون بخصرها ويطير بها بعيدًا مثل الطيور, لترى العالم الذي حدثها عنه جدُّها وتزورَ المدن التي فيها حدائقُ وألعابٌ للأطفال وتلعبَ بها كلها...وترى الأَضواء الجميلة التي كانت تراها في برامج الأطفال والصور .
لكنها كانت تُشفِقُ من قلقِ أمها إن هي غابت, فتعدل عن الفكرة.
مرة حدث أن انفجر بالون بين يديها وهي تلعب, جفلت من صوته المرعب ودخلت في نوبة بكاءٍ طويلة, لم تكن صدمتُها فقط هي السبب لكن خسارة البالون وخذلانهُ لفرحها كذلك ...بكت يومها ونهنهت حتى غفت بين ذراعي والدتها.
بعدها صارت تخاف البالونات قليلًا وتحذرها لكنها ظلت تحبها. إلى أن جاء الوقت الذي صارت تسمع فيه كل يومٍ الكثير من الأصوات القوية, لا وقت العيد ولا وقت عودة والدها ...بل طوال الوقت .
قالوا لها إنها بالونات تنفجر بالقرب من منزلها.
حينها قررتْ أن البالون الذي تريده بالونٌ سحريٌّ لا ينفجرُ ثم إنها حين تربطه بخصرها وتبتعد فيه, يعرف وحده كيف يعيدها إلى أمها.
إلى أن انفجر أخيرًا بالون على سطح بيتهم, دمر كل شيء
ولوَّن الركام والحيطان بالأحمر...لوّنَ وجه أمها النائمَ بالأحمر وأجساد إخوتها بالغبار والأحمر...
هي وقفت مذهولة, لا بد أنه بالونٌ سحري كيف لم ترهُ وكيف لم ينفجرْ فيها ...وكيف غطى كل شيءٍ حولها في لحظات وجمَّدَه, كلُّ شيءٍ بدا جامدًا إلا الدخانُ المتصاعدُ بلا ألوانٍ كان رماديًّا.
بعد ساعاتٍ فقط انتشرت صورة ذهولها على كل صفحات الصحف والإذاعات في العالم...شردتُ أفكر: لماذا ؟أليس الذهول من حقِّ الأطفال أيضًا؟!
-ماما وأين الإله ...لماذا لم يعانقها ويمسح شعرها ..لماذا لم يساعدها في إيقاظ أمها؟!
..وأين بالونها السحري؟
فكرتُ قليلًا, حقيقةً! القصة انتهت هنا... بانتشار صورها على صفحات الصحف,لأننا نادرًا ما نهتم بتتمة الخبر , ونادرًا ما نحدق بحجم كارثة الذين اختزلنا كل وجعهم في صورة , أو نكترث بما سيجري بعدها.إلا –حتمًا-إن كان أكثر مأساوية من لحظة الحدث
ولكن!
لأن طفلتي لا تعرف النقطة العمياء, ولكي يظل الإله ذلك الكائن العجيب الجميل يقويها عند ضعفها... ولأن قصص الأطفال يجب أن تنتهي بنهايات سعيدة.
أجبت مكملة القصة: بالونها السحري جاء أخيرًا, وهي واقفة , كان أخضر اللون, بهيًا كما لم تتوقع. ربطت به خصرها وطارت تبحث عن وجه أمها النظيف في السماء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل