الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صعلوكيات/ ما قبل الهاوية

روبير البشعلاني

2014 / 1 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


لقد صار من الواضح اليوم، وبعد ثلاث سنوات على بدء «الربيع العربي» بأن ما جرى في بلادنا لم يكن انتفاضة شعبية عفوية تسعى لإجراء تحولات في الأنظمة السياسية القائمة. الصراع لم يكن بين الحرية وبين الاستبداد. كما اتضح مرة جديدة أن بلادنا عرضة لصراع خارجي ومطامع دول تتنافس على السيطرة على مقدرات وثروات بلادنا. كما اتضح من جديد ان شعوب بلادنا لا يمكن أن تقود معركة تحول ديموقراطي في الداخل بمعزل عن تحررها من الهيمنة الخارجية أولاً.
ولعله من الصعب فهم واقع الصراع الجاري عندنا حاليا من دون ربطه بالصراع الدولي الجاري حول انتقال مركز الرأسمالية العالمية. والحقيقة أن دخول الرأسمالية الغربية بأزمة عميقة لا يشير الى انهيار الرأسمالية بل إلى صعود دول رأسمالية جديدة، صاعدة بدينامية. لقد انتقلت الرأسمالية الى حيث هناك إنتاج قيم اقتصادية بسبب انتقال الصناعة اليها ووجود يد عاملة متوافرة. وتراجعت الرأسمالية «الذكية» المالية لأنها لم تعد منتجة للقيم المضافة.
في خضم هذا الصراع بين رجل العالم المريض، الولايات المتحدة والغرب الأوروبي، ما عدا ألمانيا، وما بين الدول الرأسمالية الصاعدة وعلى رأسها الصين، تسعى الولايات المتحدة الى استعمال الشرق الاوسط كورقة ضغط على الدول الصاعدة. حاولت استعمال عضلاتها الاستراتيجية، وهي ما تبقى لها من قوتها السابقة إجمالا، لكي تعيد تنظيم المنطقة وتشدد الهيمنة عليها بواسطة حلفاء «جماهيريين» فلم تجد أفضل من الحركات الطائفية الاسلاموية بقيادة قطر وتركيا. لكن فشل هذه الورقة دفعها الى اعتماد الخطة «باء» والذهاب بعيدا في اعتماد الاداة السعودية بكل تكفيريي العالم: الخضوع بالكامل او التفتيت بالكامل. الولايات المتحدة تعمل اليوم بمشروع انتحاري مدمّر، إما ان ينجح كليا أو يسقط كليا.
[ [ [
اصطدمت الخطة الأميركية في الشرق الأوسط بعدة قوى دولية وإقليمية من بينها إيران التي تسعى بدورها لبناء دولتها الوطنية المستقلة بمعزل عن الهيمنة الغربية وبالتعاون مع الدول الصاعدة. وما لا شك فيه أن وجود هذه الدولة في الخندق المعادي للناهب الدولي الغربي قد دفع بهذا الأخير، وهو العارف بتركيبة المجتمع العربي والشرقي القرابية والعصبية، إلى استغلال هويتها الطائفية الشيعية في استثارة رد فعل طائفي سني على مستوى المنطقة ككل. والحق يقال انه نجح بذلك الى حد كبير كما كان متوقعاً.
أن الفراغ السياسي العربي الذي دفع بالإيراني إلى محاولة تعزيز نفوذه وملء الفراغ بوجه أطماع «الرجل المريض» قد قاده ايضاً إلى الاصطدام بالضرورة بمزاج شعبي عربي عام غير مرحب للأسباب الطائفية التي ذكرناها اعلاه ولأسباب أخرى وطنية أيضاً.
اعتماد الغرب المأزوم في هجومه على المنطقة إذن على أدوات طائفية اسلاموية رجعية وتكفيرية، اصطدام بقوة إقليمية وطنية تقدم نفسها بهــويّة شيــعيّة. وهذا ما ادى، للأسف، إلى الدخول في صراع اجتماعي من طبيعة مدمرة للنسيج الاجتماعي العربي وللدولة ككل.
في ظل هيمنة الاجتماع الماقبل الرأسمالي، او الرأسمالي الشكلي، لم يكن تركيز الغرب عندنا على شعارَي الديموقراطية وإسقاط الاستبداد اعتباطياً، بل كان جزءا من خطة التفجير الداخلي. فكل صراع داخلي على السلطة يقود، في هذه الشروط، حتما إلى نعف التوازنات الواهية القائمة على غلبات مؤقتة وإلى فوعان النعرات الطائفية، خصوصاً أن الوهن الاستراتيجي العربي ـ الفراغ ـ قد أثار شهية الجيران أيضا الذين ادى نفوذهم المتنامي إلى المزيد من شحن وشحذ الحزازات الطائفية المحليّة ( تركيا وايران).
من المفيد ربما التنبيه هنا إلى أن التدمير الحاصل والتفتت السياسي والاجتماعي الجاريين على ارضنا وفي بلادنا لا يضيران الناهب الدولي بشيء. فخلق دول كسيحة لا تدار إلا من الخارج (الفوضى الخلاقة) لا يستثير أيا من اطراف النزاع الدولي ولا يضر بمصالح أي منها. الخاسر الوحيد هو شعوبنا فقط لا غير.
ثبت أن حالة التململ الاجتماعي التي تعتمل في دولنا العربية لم تصل بعدُ إلى حد الاختمار الضروري، بل استعملت من قبل الغرب الرأسمالي كمجرد عوامل مفجّرة داخلياً لمجتمعنا العربي عبر شعارات الصراع على السلطة. كل ذلك في إطار من الصراع الإقليمي والدولي حول منطقة الفراغ الاستراتيجي العربي.
[ [ [
شعار إسقاط الاستبداد هدف منذ البدء الى حرف الصراع عن إطاره الوطني الحقيقي ونقله إلى أرضية الصراع على السلطة الكيانية بين مكونات اجتماعية ما قبل دولتية للتمكن من خلق دول كسيحة لا تدار إلا من الخارج. العرب اليوم موضوع الصراع ولا رأي لهم فيه.
إن وصول الصراع الدولي والإقليمي، على بلادنا، إلى هذه الدرجة من الحدّة، في الوقت الذي نعاني فيه من غياب أي رؤية أو مشروع عربي داخلي تحرري فاعل يستدعي من النخب العربية التقدمية أن تقوم بخطوة سريعة باتجاه تعبئة الفراغ الموجود لبلورة طرح جديد قادر على جمع العرب حول مشروع مستقبلي يوحدهم وينتشلهم من حالة التبعية والسلبية التي تميزهم اليوم.
إن خضوع بلادنا لهيمنة منظومة النهب الخارجي سمة وضعنا الرئيس، وهو ليس جديداً، لكن التناقض والتنافس الدوليين على مركز الرأسمالية الدولية جعلا من بلادنا مرتعا لصراعات وتجاذبات عنيفة قد تقودنا اليوم الى فقدان هويتنا ومستقبلنا ووجودنا. لقد صار واضحا اليوم ان عملية النهب الدولية التي نتعرض لها ليست من الصنف العادي ولا تقوم على رجل واحدة بل على أرجل عدة. لقد صار من الواضح ان النهب في منطقتنا قد اتخذ، تاريخياً، أشكالا قد لا تكون هي نفسها في بقية العالم.
النهب عندنا نهض على منظومة مركبّة من أربعة مرتكزات: تجزئة، وناطور قرابي على كل كيان، ومخفر اسرائيلي للردع، ودكان (الاستهلاك وتدمير العملية الانتاجية المحلية). وهي لذلك تتطلب منا وعي تعقدها وترابط حلقاتها ومواجهتها على نحو شامل، لا كما فعلنا، في اكثر الحالات، حتى الآن. فالمواجهات التي تقوم على تقويض مرتكز واحد من هذه المنظومة سرعان ما تسقط وتفشل حتى لو نجحت في تسجيل انتصار محلي كبير.
مجمل ما تقدم مساهمة في وصف وتشخيص حالتنا الراهنة الخطيرة، تستهدف حث الجميع على تحديد التحدي الرئيس اليوم والتنكب لمواجهته. إن مواجهة عقلانية وغيرعاطفية تستدعي اليوم دراسة منظومة الهيمنة والنهب ومواجهتها. المعركة إذن ذات طبيعة وطنية وتحررية بالدرجة الأولى. المهمة الرئيسة تتلخص في فك التبعية وتوحيد الأمة المجزأة وبناء الدولة المستقلة الوطنية المتحررة من المخفر والناطور والدكان والتجزئة في آن معاً.
معركة بناء الدولة العربية الصاعدة معركة توحد العرب لا تفتتهم. معركة تمنح الناس أملا ممكنا وواقعيا بدلا من إدخالها في أتون الصراعات على الملك بدون أي هدف فعلي غير جرها الى التقاتل الانتحاري. معركة الدولة العربية اليوم ممكنة. فالتنافس الدولي على مركز الرأسمالية الدولية وتراجع الأمبريالية الأميركية يتيحان إمكان العبور الى الدولة من دون الاصطدام بقوى استعمارية متماسكة كما جرى في السابق مع المشروع الناصري.
معركة الدولة الصاعدة المتحررة ممكنة اليوم، لأن الانفجار السكاني العربي الذي حصل في السنوات الخمسين الأخيرة قد قاد إلى ترنح سلطة العصبيات الحاكمة وبين عجزها عن متابعة ادارة الثروة وتوزيع الريع وتنظيم العيش كما في السابق. لقد جاء هذا الانفجار السكاني بقوة شبابية مستقلة لا تستطيع القرابات أن تؤمن لها العيش والعمل والسكن والطبابة. لقد صار الشباب المهمش، الصعاليك، قوة ثورية من الناحية الموضوعية والتاريخية.
[ [ [
ان التصدي لهذه المهمة يكتسب اليوم أهمية خاصة بالنظر الى المخاطر التفتيتية التي نواجهها. وحاجتنا إلى قيادة مصرية، تنبع ليس فقط من الدور التاريخي والاهمية القطبية والمحورية لمصر، بل ايضاً من الرمزية السنّية التي تمثلها والقادرة على كسر الاستقطاب الطائفي والعودة إلى التوحد على اساس وطني تحرري قومي ودولتي.
العودة الى مشروع الدولة العربية المستقلة الصاعدة وفك التبعية للناهب الدولي عودة تتيح ليس فقط العمل على التحرر المطلوب بل هي تتيح وبالحد الأدنى إعادة توحيد عناصر الأمة المفككة وإعادة ملء الفراغ العربي الخطير. مواجهة التفتيت الاجتماعي الحاصل ووضع حد للهجمة الامبريالية على بلادنا يستدعيان التحرك العاجل.
من واجب النخب التقدمية العربية أن تطرح رؤيتها للخروج من النفق، وعليها ان تتجاوز المأزق الذي دخلت فيه مشاريع القوى السياسية الموجودة بكل تشعباتها، وعليها أن تدل الناس على طريق النجاة.
وطننا العربي يتهاوى والدولة العربية المستقلة الصاعدة، هي الحل والضرورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة