الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المخلص ... رمز الميثولوجيا السياسية في الفكر العربي

فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)

2014 / 1 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


المجتمع العربي حاليا يعاني من العجز البنيوي الشامل في الدولة والمجتمع وتظهر فيه كل الازمات خاصة وهو يعاني من مظاهر مرحلة الانتقال الصعبة هنا تبرز حالات القلق والهلع والضعف في الارادة الفردية والجمعية فيتجه العقل بموروثه الثقافي نحو فكرة " المُخَلِّص " الزعيم ، القائد ، الملهم ، الذي يتطلع اليه كل المجتمع لأن يقوم بدور الناظم لوحدة المجتمع الحامي له من الاشرار وهذا النمط من القيادة مشرعن في ثقافتنا وفي تاريخنا الاجتماعي وهو جزء اصيل في المخيال الشعبي ضمن موروث فلكلوري تترابط فيه الحقيقة مع المتخيل والاسطورة . ومن هنا نجد هذه الفكرة في غالبية المجتمعات ولها دلالات في الثقافة الدينية التي تشرعن وجود المخلّص المتخيل الذي يفدي المجتمع وينقذه على غرار المسيح المُخَلِّص للبشر من خطاياهم .
وفي سياق الازمات السياسية والاقتصادية والتهديد بانفجار المجتمع وتعميم الفوضى وضعف فاعلية الاحزاب بل وبؤسها الفكري والسياسي وانبطاحها امام مراكز القوى وامام التمويل الخارجي –كماهو واقعنا اليوم- تبرز الدعوات والرغبات والتمنيات بحضور المُخَلِّص –القائد، البطل- الذي يقود الامه-المجتمع- وينقذها من ازماتها ويخرجها من منعطفات خطيرة تهدد حاضرها ومستقبلها وهنا ايضا ظهر مفهوم المستبد العادل وتم شرعنة حضورة من مفكرين اسلاميين وقوميين وتعزيز القبول به في الثقافة الشعبية .ففي نفس السياق المجتمع بكل مظاهر الفوضى منذ مائة عام قال بعض رواد النهضة العربية متسائلين ، اما لهذا الشرق من مستبد عادل يخلصه من حيرته وينقذه من الضياع . واليوم مجتمعاتنا العربية عامة وذات الربيع/الخريف العربي خاصة في اطار عدم اكتمال الثورات بل سرقتها والانحراف بمسارها وزيادة مظاهر الفوضى الشاملة –كما في حالة اليمن- هنا احس الافراد وعامة المجتمع بالحاجة الى منقذ يتمحور الاجماع الوطني عليه فكانت مصر على موعد مع استكمال مسار الثورة بهبة شعبية دعمها الجيش وهنا تبلورت شخصية المنقذ والمُخَلِّص للشعب والمجتمع المصري من خلال القائد العسكري ووزير الدفاع -السيسي- وتم شرعنة هذه الفكرة من قوى مدنية وتقليدية والكثير من جماهير المجتمع .
مع ان الاصل ان يتم احداث قطيعة مع الفكر الشعبوي ومع الموروث السياسي والثقافي المعادي للديمقراطية وفاعلية الافراد والشعوب. فهذه الاخيرة مهمتها وحدها صناعة تاريخها وفق ادراك ووعي كاملين يستهدفان تحقيق مؤسسات ونظم وقوانين تشكل في مجموعها عقدا اجتماعيا جديدا يعيد الاعتبار للدولة ومؤسساتها ونواظمها وفرض هيبتها وسيادتها وهنا يتم خلق ثقافة سياسية جديدة البطل فيها هو الشعب وتمثيله في مؤسسة الدولة ودستورها وقانونها .
ولكن لماذا يعود العربي الى مخياله الشعبي نحو اعادة انتاج فكرة لاتظهر الا وقت الازمات والاهتزاز في الارادة . فالخوف من الاعداء في الخارج يتطلب فارسا ومنقذا كما هو الخوف من ازمات الداخل . ولاننا معشر العرب نتاج تاريخ قبلي عشائري يشكل البناء البطريركي رمزا وجوديا للاسرة والقبيلة والعشيرة ضمن سلطة تراتيبية يكون الاب حاكم الاسرة والشيخ في القبيلة والملك والامير في الدولة وهذا الاخير زاد فيه انتحال صفات من النبي دون وجود الوحي باعتباره حارس الاسلام والدولة والمجتمع وهو اجتهاد فقهاء السلاطين .
ولان تاريخنا نتاج مجتمع بطريركي لم نخرج من أسره ومنظومته الثقافية فان الحاكم في الدولة تم شرعنة واحديته وتجريم وتكفير الخروج عليه وهنا كان الملك ، الامير، الرئيس ،شبيها للنبي وهو الامر الذي تبرزه حاليا بعض الاحزاب والجماعات بالنظر الى قياداتها بهالة من التقديس المفارق للوعي الديني الصحيح . وفي هذا السياق اظهر صاحب كتاب الاحكام السلطانية اهمية كبرى للامام ،الخليفة وكذلك في الفقه الزيدي بشروط ذاتية تتمحور حول شخص الامام او الخليفة كونه ذكرا بالغا مجتهدا وكل الصفات التي تجعل منه خارقا للعادة.
وهنا بدلا من ان تظهر ثورات الربيع العربي نمطا جديدا من الثقافة السياسية التي تتمحور حول مفاهيم المواطن والادراك والوعي وفاعلية الانسان والمجتمع والدولة ككيان سياسي قانوني ناظم لشؤون الافراد وفق توافق سياسي ومجتمعي حول هوية الدولة ونظامها وعقدها الاجتماعي، غابت كل هذه المفردات الحداثية وظهر وعيا كنا نظن انا تجاوزناه من قبل النخبة والعامة على السواء ننتظر فيه المُخَلِّص ليستكمل مسار ثوراتنا وينقذها ممن يتأمرون عليها . وهنا وبنفس هذه الثقافة ذات المغزي الاسطوري والخرافي نعيد تأسيس الاصول الاجتماعية والثقافية للديكتورية وللحكم التسلطي بدلا من نفيه ونفي أسسه ومرتكزاته لتأسيس نظام حكم مغاير يقوم على الديمقر اطية وحرية الاختيار .
واذا كانت السوسيولوجيا الحديثة بلورت مفاهيم الكاريزما للقائد الموجه والزعيم كمصدر للشرعية من خلال منظورات ماكس فيبر وتأكيد ماركس على فاعلية الافراد ووعيهم بصناعة تاريخهم ووجودهم الاجتماعي واهتمام هيجيل بالفكر المطلق الحامل لمشروع الامة والمجتمع وتعبير نيتشة عن الانسان الخارق للقدرات الطبيعية ،، فنحن لايمكننا العودة الى مجتمع القبيلة والعشيرة -اي مجتمع اللادولة- واعتماد تميمة أوطوطم كرمز نعزز به أسطرة الفكر السياسي والاجتماعي ومن ثم ننتظر المُخَلِّص فهذا يعني في دلالاته ردة فكرية وانحطاط في الابداع والتنظيم السياسي والمجتمعي لان متغيرات الزمن الذي نعيشه محليا واقليميا وعالميا بمفرداتها المادية والفكرية والتنظيمية لاتدع مجالا للقول بالاسطرة السياسية وباعادة المخيال الشعبي ومنظومته الثقافية بل لابد من تفعيل الادراك والوعي الكاملين للفرد والمجتمع واعتماد هندسة سياسية للمجتمع والدولة وفق مقتضيات العصر ومتطلباته وجعل المؤسسة -الدولة- كناظمة للمجتمع وعلاقات الافراد وفق مرجعية دستورية يشارك الشعب في صناعتها .
وهنا لامجال للفرد مهما كانت عبقرياته وابداعاته حتى ان وجد هكذا شخص فلايجب ان يعول عليه في شيئ . بل ان يكون الشعب صانعا لتاريخه ومستقبله من خلال العمل في انتاج الثروة وفي تنظيم المجتمع وفي الابداع الفكري والفلسفي والاجتهاد العقلاني دينيا ومجتمعيا ومعرفيا وهنا فقط نكون حققنا ادراكا واعيا لبداية الطريق وفق منطلقاتها العلمية والعقلانية ووفق قدرات الارادات الفردية والجمعية التي تتشكل منها ومعها ارداة الشعب وانتصاره لحقه في التطور والنماء وادارة شؤونه عبر اطر مؤسية لامجال معها للمثيولوجيا السياسية.
ان حاضر ومستقبل العرب يرتبط بوعي مدني يؤسس لوجودهم السياسي والاجتماعي وهنا تكون الدولة كاطار قانوني وسياسي ناظم للمجتمع وحارس للحريات العامة وهنا يكون الدين مجال للاعتقاد الفردي والجمعي وفق منظورات عقلية تؤسس لضمير الفرد وضمير المجتمع في هذا الحالة تتبلور ادراكات متطورة لمفهوم الدين ودلالاته بدورها تؤسس لعقلنة المجتمع في انظمته وعلاقات افراده دونما افتآت من احد على ضمير الفرد او ضمير المجتمع . اننا بحاجة لاعادة الاعتبار للدين باعتباره مؤسسا لمدنية الحياة الفردية والجمعية ونكون الدولة تعبيرا سياسيا عن هذا التشكل المدني .. ومن هنا نعول على دور الفرد والمجتمع وفق الادراك والوعي الكاملين لوجودهما الاجتماعي وفاعليتهما في صناعة الحاضر والمستقبل وهنا تنتهي حاجتنا الى المخلص والقائد الذي نعلق عليه كل آمال وطموح الشعب .
ففي عصر العلم والتكنولوجيا والعولمة لامجال للميثولوجيا السياسية لانها تعيدنا الى مجتمع اللادولة ونحن في صناعتنا للثورات والانتفاضات الشعبية انما نسجل حقنا ووعينا في الانتقال نحو الدولة والمواطنة والمستقبل في اطار النظر الى وعينا ووجودنا كنتاج عملية جدلية لفاعلية الافراد ووعيهم بمحيطهم الفيزيقي والاجتماعي وقدراتهم في السيطرة عليه ومن ثم صناعة حاضرهم ومستقبلهم وفق مدركات الثقافة والابداع والعمل والاجتهاد وهنا تتأسس الحياة المدنية بدلالاتها المختلفة ..؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد الصمادي: كمين جباليا سيتم تدريسه في معاهد التدريب والكل


.. متظاهرون يطالبون با?لغاء مباراة للمنتخب الا?سراي?يلي للسيدات




.. ناشطة بيئية تضع ملصقاً أحمر على لوحة لـ-مونيه- في باريس


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يهتفون -عار عليك- لبايدن أثناء م




.. متظاهرون يفاجئون ماثيو ميلر: كم طفلاً قتلت اليوم؟