الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فى مديح الجمعة

فؤاد قنديل

2014 / 1 / 16
الادب والفن



منذ وعيت أعشق الجمعة وأنتظرها بشغف وأتمني لو أستطيع دفع الأيام نحوها، لأنها الحرية
والانطلاق والوهج، وهي اللهو والفن والطعام، وهي دعوة مفتوحة للتواصل الاجتماعي والإنساني ،
وفرصة للمناجاة خاصة مع الله. إبان سنوات الصبا والفتوة لم أكن أكف عن لعب الكرة من الشروق إلى الغروب
لا أتغذي إلا بالماء وبعض حبات البرتقال وفرحتى بالأهداف وتهليل العيال.
لما كبرت تدخل الشباب والعنفوان فى نظرتي إلي الجمعة.. فرأيتها أنثى بضة وجميلة.. مشرقة
وناعسة الطرف ذات دلال.
الجمعة تاج على رأس أيام معتقة.. شجرة تحط عليها العصافير الباحثة عن الأغنيات والعبير
وحنان الأمهات الوضيئ.. تتمتع بنهار رمضاني وليد ناعم الملمس حلو الابتسام.. جمالها
يكمن فى أنها أقل الأيام ضجة وصراخا ونهبا وافتراسا.
ها هي الروائح تقفز إلى أنفي متعانقة.. روائح صابون الغسيل والاستحمام وروائح الطهو
وروائح النعاس والفل.. روائح الفطور والطيور التى مضت تحلق فى السماوات وتحط
على الأرض دون أن تزعجها جلبة الخارجين وضجة الحياة المتعجلة للعمل.
الجمعة تفتح عينيها وتطل على الكون . تنتظر فى شوق آيات المحبة التى تتأهب لها
منذ بداياتها الأولي مع مساء الخميس، الجمعة ذكر وأنثى فى جسد واحد.. ذكر بالليل
وأنثى بالنهار.. الجمعة الذكر تسعي لوضع بذرة الخلق وترعاه بالحنين وصدق الشعور
والوعد الجميل على الوفاء الدائم والحماية إلى أن يتحقق الأمل مع طلوع النهار.
والجمعة الأنثى هى الحضن الكبير.. تفرش فستانها المزين بالشمس والحب والرضا
والالتئام والانسجام والطهر والقداسة.
الجمعة الأنثى المتلهفة لعناق البشر فى تجمع ودود ونبيل.. الجمعة الأنثى تلملم أطفالها
من كل درب وتصحبهم إلى النزهة فى حدائق البهجة. حيث النعناع والحب.. النشوة
والياسمين.. الحنان والقرنفل.. العطف والريحان.. المودة والسوسن.
الجمعة بذكورتها وأنوثتها لا تضيق بالحياة، بل هى بداية الدورة الجديدة للحياة بعد النّصَب
والعرق والخمود.. الجمعة عُرس وألق.. الجمعة بيضاء مشرقة خالية من غيم الضغينة..
عبيرها الفواح يتنقل برهافة بين الأجساد والقلوب والعيون، ويحط على الشعور وفى الشعور .
الجمعة هى اليوم الذى يعقب الخميس من أيام الأسبوع، والجمعة بهذه الإشارة ليست أكثر
من محاولة لتجسيدها وتحديدها فى سياق زمني، لكنها فى الحقيقة ذات دلالة أكبر بكثير،
إنها مركز لأطراف متعددة، وشمس تدور حولها كواكب، وبحيرة تصب فيها جداول وتخرج منها أنهار.
الجمعة تعني الجُمَّاع، أي تجميع المتفرق ولم المشتت والتقريب بين المتباعدين، وضم مختلف
الأطراف، كما فعل "المصطفي صلي الله عليه وسلم" حين حسم مشكلة الحجر الأسعد
بين المتنافسين، إذ وضعه فى ردائه واشترك الجميع فى حمله.
والجمعة إشارة إلى الجميع، الذين يشتركون وينعمون ويتبادلون ويتساوون فى كل شئ..
الجمعة إشارة إلى الجماعة. والجمعة تعني الجماعية والجمعية، أي الاحتشاد بالكل لعمل الخير
أو الدعوة للحق أو تأمل الجمال فى معرض، أو بذل الجهد الجامع للابتكار العلمي والأدبي
، ويلزم لذلك فى بعض الأحيان "مجمع" والجمعة هى المجموع أي حاصل الجمع، ويعني
فوق دلالاته الحسابية الآثار المترتبة على الجمع والتجمع، والجمعة إذن تعنى الملتقي.
الجمعة قد تعنى الألفة والمودة والتقارب، لأن التقارب اجتماع، والألفة من نتائج الاجتماع،
والمودة تعقب الألفة.. والجمعة تعنى الجامعة، وقد كانت يوماً للعلم والدرس ولا تزال حيث
الكل يومها للتعلم، فهى جامعة.. كما كانت فرصة لاستنفار قوى المقاومة والاتفاق على كلمة سواء.
الجمعة أيضاً جِماع بين الذكر والأنثى، أي الجمع بينهما بما يؤكد الأواصر وينتج الجموع.
ومنها سُمي الجامع الذى يجتمع فيه الكل لصلاة الجمعة والعيدين وغيرها.
ومنها يقال الكلام الجامع أي قليل اللفظ كثير المعاني وهو الكامل فى موضوعه بحيث لا تنقصه إضافة.
ومنها العالم الجامع أي صاحب العلم الغزير فهو المرجع فى تخصصه.
ومنها أمر جامع أي أمر جلل وخطر يستأهل اجتماع الخلق للعلم به وبحث الرأي فيه.
ومن بين ما قال الرسول المصطفي في مديح يوم الجمعة :
*خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة
إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه *
*والصدقة فيه بالنسبة إلى سائر أيام الأسبوع كالصدقة في شهر رمضان بالنسبة إلى
*من غسل واغتسل يوم الجمعة، وبكر وابتكر، ودنا من الإمام فأنصت، كان له بكل خطوة يخطوها صيام سنة، وقيامها، وذلك على الله يسير
*الوفاة يوم الجمعة أو ليلتها من علامات حسن الخاتمة حيث يأمن المتوفى فيها فتنة قبره
*من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قُبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ
*من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء الله له من النور ما بين الجمعتين
وبعد:
ليس ذنبكم أني أعشق الجمعة حتى بعد أن همست لي على استحياء قائلة إنها لم تكن فى كل الأحوال بريئة.
.. أيتها الجمعة..
أشعر دائما أن بأعماقك لا تزال أسرار كثيرة، وإنك شعر ونثر، وإن فى روحك وحي محمد
وفى عينيك وجه عيسي، وثمة قصص كثيرة عنك منى وممن سبقوني أود أن أطرحها مثل القرابين
تحت أقدامك المقدسة، ففيها نفحات من دماء وأرواح بشر، تغلغل فيهم غرامك الذى لا تسمح أحوالهم بالتعبير عنه، وقد
حاولت من جانبي، فتقبلي ما أهرقت على شرفك.. والإبداع أقدار ومقادير وأرزاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي