الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محطات من أيام الشام2.. الكاسيت المزعج

صباح كنجي

2014 / 1 / 16
سيرة ذاتية


محطات من أيام الشام2.. الكاسيت المزعج

التنقل بين احياء دمشق رغم جمالها مزعج للغاية .. بالاضافة الى التأخير وصعوبة النقل بسبب الازدحام الشديد يزعق السواق بشكل مستمر بابواق المنبه وهو ما يسميه السوريون بالزمور .. الزمور المزعج يعكر المزاج.. يخلق توتراً يؤدي الى صعوبة التحكم بالنفس .
أذكر مرة استقلينا باص للنقل من القامشلي الى الشام.. انطلقنا مع بقية الركاب في الحادية عشر ليلا على أمل الوصول الى العاصمة في صباح اليوم التالي في رحلة تستغرق 11 ساعة أو أكثر ..
كان الركاب الذين داهمهم النعاس يميلون للنوم لكن منبه السائق بين الحين والآخر جعل النوم مستحيلا .. زعيق الزمور تواصل كل عشرة دقائق يرفع ضغط الركاب ويزيد من توترهم .. وعندها نهض شاب يستوضح منه سبب استخدامه للمنبه اجابه ببلادة: انه يزمر لنفسه كي لا ينعس وينام .. وبهذه الطريقة يحافظ على قيادة الباص مما دفع بالركاب للسكوت وكظم غيضهم من ازعاج الزمور لا لسبب الا لتفادي كارثة افدح في حالة مداهمة النعاس لجفون السائق الذي يبدو انه تمرس على هذه اللعبة الهمجية منذ ان اصبح سائقاً للباص المذكور .
كان هذا في الطرق الخارجية بين المدن ليلا .. لا اظن ان الحال افضل منها في النهار فالاسباب والمبررات والدوافع لاستخدام المنبه / الزمور اكثر واوسع .. اما في المدن وخاصة العاصمة دمشق فأن الزعيق يتواصل من آلاف السيارات دفعة واحدة في شتى الطرق والمعابر وان حدث ازدحام فستكون في حالة يرثى لها .. تتمنى ان تكون مصاباً بالصمم خاصة اذا ترافق هذا الازعاج بما يذاع من خلال الكاسيتات التي اصبحت هي الأخرة نقمة على الراكب.. إمّا ان تسمع الاغاني المبتذلة البذيئة أو تكون مجبراً على سماع اشرطة ترتل القرآن بأصوات اعتبرته ذات الآيات من انكرها واقبحها.. اصوات تتداخل فيها الأحرف مع الخنخنة والخشخشة والكركرة والسعسعة والخنخنة والعفطفة والدمدمة والهرهرة كأنك في جحيم استبدل مرجل حرارته بصراخ من حروف تلهب النفس لتظمر فيها حريقاً يستهدف الاعصاب ليدمرها ويمحو قدرتك للتحمل فينتهي الصبر لتتحول الى كتلة من غضب تعلن رفضها للازعاج مستعدة للمواجهة بعد نفاذ الصبر .
مررت بهذا التحول اكثر من مرة.. كنت الوذ بالصمت لحين مغادرتي الباص في اقرب موقف ممكن عسى ان القى باصاً آخر بلا اصوات مزعجة من هذه الكاسيتات التي انتشرت بشكل مخيف في كافة المكروباصات التي تجوب احياء دمشق ..
لكن في احدى المرات حينما كنت ذاهباً من مساكن برزة للسيدة زينب في رحلة تستغرق اكثر من ساعة يجري فيها تبديل المكرو باص في المنطقة الصناعية اضطررت في الجزء الاول منها لتحمل صوتاً في غاية الازعاج مما جعلني مرجلا يغلي وفي المرحلة الثانية بينما كنت جالساً في المقعد الامامي بصف السائق احسست بالدماء تفور في عروقي .
قبل ان اصاب بالاغماء صرخت بالسائق امراً باسكات المسجلة وايقاف الصوت المزعج.. تفاجأ السائق من الأمر .. ردّ ببرود مفتعل من جراء هول الصدمة التي واجهها في هذا الموقف الغريب.
ـ العمه في واحد بينجعز( ينزعج) من القرآن؟!..
على الفور اكملت .. أي نعم انا بنزعج .. شو هاد صوت فيروز .. خومو صوت فيروز؟!..
بخفة امتدت يد السائق لتنهي تشغيل المسجلة معتقداً اني رجل مخابرات.. لنواصل بقية الطريق المؤدي للسيدة دون همس بهدوء مغلف بالرعب..
ـــــــــــــــــــــــــــ
صباح كنجي
منتصف كانون الثاني 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تتسبب يورو 2024 في أزمة ديبلوماسية بين أنقرة وبرلين بسبب


.. فـرنـسـا: مـا هـي الـسـيـنـاريوهات في الانتخابات التشريعية؟




.. هل الكائنات الخرافية في الأساطير موجودة حقيقة؟ مدينة أمريكية


.. -الأدنى منذ عامين-.. مراسل CNN يلقي نظرة على أسعار -مفاجئة-




.. لمن الغلبة في حرب أوكرانيا؟.. تشاؤم أوروبي | #التاسعة