الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكومةُ أزمات !!

ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)

2014 / 1 / 16
مواضيع وابحاث سياسية



في إحدى حلقات برنامج الساعة التاسعة من قناة البغدادية الفضائية ، وصف السيد حسين الأسدي ، النائب المستقل عن محافظة البصرة ، الحكومة ب " حكومة الأزمات " بإعتبارها تخلق أزمة جديدة كلما ترى أن أزمة سابقة كادت تخنقها ، فتجد بالأزمة الجديدة متنفساً تُلهي به الإعلام والأفكار وتبعد الأذهان عن الأزمة القديمة ، وهي التي كانت قد خلقتها بالأصل . وعلى هذا المنوال قضينا ثمان سنوات عشناها في أزمات ، مثل المتاهة ، نخرج من واحدة مؤقتاً وندخل أزمة ثانية ، ثم ثالثة أو حتى رابعة ثم نعود للأولى أو للثانية ، حسبما ترى الجهة المنوط بها خلقها .

ثمان سنوات ، والحكومة " تكافح الإرهاب " و تكافح القاعدة " والإرهاب يكسب قوة ويتجدد نشاطه ، والحكومة تصرف أموالاً طائلة بالبذخ على شراء الذمم وكسب الموالاة لا لمكافحة الإرهاب والقاعدة بل لتقويتهما ، عسى أن يأتي يوم يمكن إستخدامهما كأداة لغرض في نفس يعقوب . صفقة أجهزة السونار التي ثبت فشلها عملياً في ساحات الأرض العراقية ، وجرت محاكمة التاجر البريطاني المجهز وتجريمه في إحدى محاكم بريطانية ، لا زالت تستخدم في مواقع التفتيش ، ويسقط الأبرياء ضحايا لعدم قدرتها على كشف المتفجرات ، يضاف إلى ذلك إعتراف الوكيل الأقدم لوزارة الداخلية عدنان الأسدي ، على أن الجهاز " في أحسن الحالات يعمل أكثر من 40% " . الإرهابيون ( القاعدة ، وداعش وبقية الميليشيات المستورة ) لا يجدون لهم حواضن ، إن لم تكن بترخيصات من وزارة الداخلية ذاتها ، فبدءاً بميليشيات جيش المختار إذ إعترف واثق البطاط في لقاء تلفزيوني بصلته بعدنان الأسدي ، فإن هذا الجيش إحتياطي للحكومة عند الحاجة . وأما مسرحية إلقاء القبض على واثق البطاط ، وهو يتجوّل في أحد شوارع بغداد فهي عملية ذرّ الرماد في العيون . فهل تم التحقيق مع البطاط أو أحيل إلى محكمة ؟ لا أحد يعلم . وقد أصبحت قصته في ملف من مئات الملفات المحفوظة في الأدراج .

نحن أزاء إرهاب الدولة ، فأجهزة وزارة الداخلية تلعب القسط الأكبر من هذه اللعبة . فالعصبة التي هجمت على سجن أبو غريب وفتحت الزنزانات ليهرب مجرمو القاعدة ، كان أفرادها من " أولئك " الذين تقمصوا ثوب القاعدة ونفذوا خطة متفق عليها أن تكون عربون تعاون مستقبلي بين وزارة الداخلية والقاعدة ، ولذلك فإن لجان التحقيق ولحد الآن لم تخطوا خطوة ولو بسيطة لكشف ملابسات القضية والمسؤولين فيها ، ولم تتم إحالة أحد إلى المحاكم ، رغم أن الدلائل التي إنكشفت في حينها تشير إلى تواطؤ بين المسؤولين وبين القائمين بالهجوم . وكمثال آخر فإن الأشخاص الذين تسرّبوا إلى صفوف المعتصمين في الحويجة وصوبوا أسلحتهم إلى الجيش وقتلوا جنوداً كانوا من " أولئك " أيضاً وقد خلقوا المبررات لأن يقوم الجيش بتلك المجزرة البشرية ، وكذلك العصابات التي كررت الهجوم على العديد من الوزارات ، وهي تلبس ملابس الشرطة وتحرق الطوابق التي فيها معلومات الصفقات المشبوهة أو ملفات التحقيق الخاصة بالفساد ، كان أفرادها من " أولئك ". وقد إستنفرت الحكومة كل طاقتها لشراء ذمم بعض شيوخ عشائر الدليم ، والتي كانت تشارك في الإعتصامات المطالبة بحقوق أبناء الشعب ، ولما تمكنت من إيجاد الشرخ ، خططت لضرب العشائر ببعضها ، فأرسلت عصبة من " أولئك أيضاً ولكن بإسم داعش في هذه المرة ، قيل عن عددها ثلاثين " دخلت الرمادي والفلوجة وحرقت مراكز شرطة وإعتدت على العشائر غير الموالية وخلقت المبررات لدخول الجيش إلى المدينة . ولكن شيوخ العشائر الموالية للحكومة طلبت بحجة حماية أبناء المدينة أن تتولّى هي تصفية " داعش " أو بالأحرى تصفية العشائر غير الموالية للحكومة . معارك الرمادي والفلوجة ، تظهرها وسائل الإعلام الموالية للحكومة أنها " مكافحة الإرهاب المتمثل بدولة إسلام العراق والشام التي كانت تنوي إعلان دولة إسلامية في المنطقة الغربية من العراق " ، بينما يصرّح الشيخ علي حاتم سليمان أن لا وجود لداعش في تلك المعارك وإنما المقصود بالمعارك تصفية العشائر غير الموالية . وذاكرة الشعب تحفظ أن الشيخ علي حاتم سليمان كان الأول في تنبيه المالكي إلى خطورة وجود داعش وطلب إليه أن يضرب في الرمادي كما ضرب في البصرة ، لكن الذي حصل أن الحكومة لم تكافح داعش في ذلك الوقت لكي تحفظ لنفسها مبرراً لضرب العشائر غير الموالية بحجة مكافحة داعش .

فضائح تتلوها فضائح : صفقات وزارة التجارة المشبوهة ملف مخبّأ ، صفقات أدوية وزارة الصحة ملف مستور ، صفقات وزارة الكهرباء مع الشركات الوهمية ، رغم إعتراف المالكي بها ، ملف محظور ، صفقات وزارة الدفاع التي نوّه عنها المالكي ضاعت ، وملف صفقة الأسلحة الروسية وُري عليها غطاء سميك ، وصفقة مصفى ميسان المشبوهة العمل جاري لطمسها ، وظروف الفيضانات التي عمت بغداد ومعظم محافظات الجنوب سدّت فتقها صخرة نعيم عبعوب الذي كوفئ بجعله أمين بغداد بالوكالة . وصفقة وزارة التربية في طبع الكتب المدرسية التي لم تلفت إنتباه مسؤول في الحكومة شجع الوزارة على الإقدام على صفقة البسكويت منتهي الصلاحية والذي كان المفترض إستخدامه في تغذية أطفال المدارس . الحكومة تسكت على جميع أنواع الفساد ، وتنظم ملفات عن الفاسدين ليوم تستفيد منها في إبتزازهم . وما ظاهرة إصدار قرارات من مجلس الوزراء بالإجماع إلاّ صورة للحالة التي نحن بصددها .

كنا قد عشنا فترة من توتر وأزمة معقدة بين الحكومة الإتحادية والإقليم ، ولكن مرّت عدة شهور خف خلالها تبادل الإتهامات ، وظننا أن العلاقات عادت إلى مجاريها ، ولكن في هذا الظرف العصيب الذي يمر به العراق : حربٌ حقيقية في غربه ، وفضيحة البسكويت منتهي الصلاحية ، وجد المالكي ضرورة حرف الأذهان عن ما يجري في الرمادي والفلوجة ، وكذا طمس موضوع البسكويت إياه بأن يخلق أزمة جديدة : فقام بتوجيه تحذير إلى حكومة إقليم كردستان وإلى تركيا من مغبة عقد صفقة جديدة للنفط بدون موافقة الحكومة الإتحادية . وجدها المالكي ، بذهنه المتفتق وبمشورة من مستشاريه ووكلاء وزاراته أن مثل هذه الأزمة قد حان أوانها . فبأزمة جديدة وإحتمالات تصاعدها إلى حافة تهديد بإستعمال الجيش سيشغل الناس عن ما يعانونه .

في الواقع إختارت الحكومة لنفسها ممارسة أسلوب الأزمات على أمل أن تكون واحدة منها تؤدي إلى تأجيل الإنتخابات العامة التي لم يدخر لها المالكي رصيداً عند الشعب لكي يعاد إنتخابه ويكون على رأس كتلة نيابية مؤهلة لتجديد ولاية ثالثة.

سر على الدرب الذي إخترته فقد إنقطعت عنك جميع سبل الرجعة ، يا أبا إسراء ، ولتعلم أن اليوم بساعات ، والساعة بدقائق ، والتاريخ يكتب ، والشعب يحفظ ، ويومٌ كأيام صدام الأخيرة حين وجد نفسه خالي الوفاض لا أحد يدافع عنه ، لا بد آت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط


.. ما رؤية الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار في قطاع




.. الجيش الاسرائيلي يعلن عن مقتل ضابط برتبة رائد احتياط في غلاف