الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفاهيم ... (17) ..... الحفر في الوعي العربي نصير شمة مثلا ً ... يحفر في الوعي العربي مرتين

حكيم العبادي

2014 / 1 / 17
الادب والفن


كلما حضرت حفلا ً للفنان نصير شمة ، أدركت كم يعاني هذا الرجل المثقف الهاديء الجميل ، وهو يبشر بمشروعه في الوسط العربي .
نصير شمة ليس فنانا ً عاديا ً ... هو نموذج للمثقف صاحب المشروع الجمالي الأخلاقي ، والرؤى الإنسانية ... ولهذا فمعركته مع الوعي العربي ، معركة مزدوجة ... معركة لغة أولا ً ... ومعركة مفاهيم ثانيا ً.
ورغم خفة دمه ، وسرعة بديهته ... وقدرته على تلافي سوء التنظيم والمواقف غير السارة ، إلا أنني أردد في كل مرة : (( لك الله يا نصير )) .
أغلب الفنانين لا يهتم إلا بالعائد المادي ، و بنجاح الحفل على مستوى الإعلام ... لكن القليلون منهم ، من أصحاب الوعي الجميل ، والهم الإنساني لا يرضيهم هذا ... ويتطلعون لما هو أبعد من الصورة و الخبر والشيك ... ونصير : نموذج لهذا النوع من الفنانين في هذا الزمن الرديء .
يعرف الموسيقار الفرنسي كلود ديبوسي الموسيقى بأنها :
“Music is the silence between the notes.”
وترجمتها الحرفية هي : (( الموسيقى هي الصمت ما بين النغمات )) !!! .
ومع أن جذور هذه العبارة تعود لألوف السنين ... لكن الصيغة التي جاء بها كلود ديبوسي ، تعبر عن ذكاء حاد في فهم الأشياء ، ومنطق شديد التوهج .
لست في معرض الحديث عن مفهوم العبارة ... و سوف أعود إليها حتما ً في مقالات : ( هكذا نقرأ ) ... لكنني أشير هنا إلى أهمية الصمت أو السكون في الموسيقى ... ومما يتعارض مع الصمت ، أو مع السكون ، الحركة المستمرة في المسرح ... وإستمرار دخول الجمهور حتى نهاية الحفل ...أو تحرك الحضور ، وبعض المصورين !!! .
كان من المفروض أن يبدأ الحفل في الساعة الثامنة والنصف ... تأخر الإفتتاح نصف ساعة ... ومع ذلك بقي البعض يدخل متأخرا ً حتى نهاية الحفل !!! .
الوقت الضائع لا يحسب بنصف الساعة ...ا لوقت الضائع يحسب بحاصل ضرب : ( نصف ساعة مضروبا ً في عدد الحاضرين ) ... والناتج هو ساعات العمل الضائعة ... خصوصا ً وأن أغلب الحاضرين ممن يعيرون الزمن أهمية كبرى ... وممن ترك عمله ، أو ألغى مواعيده من أجل هذا الحفل .
من أهم أسرار نجاح الحفلات الموسيقية هو الإلتزام الصارم بموعد الإبتداء ... وغلق الأبواب ... وعدم السماح لأي كان بالدخول بعد الإبتداء ... والسبب يعرفه كلود ديبوسي ... ومن يفهمون ما يقول ... فالصوت الناجم من حركة الداخلين يشوه النغمات ... ويقتل الصمت الواقع ما بينها أيضا ً ... إذن هو يقتلها مرتين !!! .
مع كل ما يحصل يفلح نصير شمة ، المتألق دائما ً ، بإسعاد الناس .
عازف السيتار يجب أن يجلس على الأرض ... أو على دكة مستطيلة ، واسعة ، ترتفع قليلا ً عن الأرض ... حيث يتربع طاويا ً ساقه اليسرى ، تحت الفخذ الأيمن المطوي بصورة متعاكسة ... ويضع جانب صندوق السيتار على القدم اليسرى بشكل خاص ...تاركا ً الزند متكئا ً على الفخذ الأيمن بزاوية تساوي 45 درجة ... وببعد محدد عن جسم العازف ... وإذا كان المقعد صغيرا ً فقد يسبب صعوبة لحركة العازف... أو يدفعه إلى حافة المقعد مما قد يسبب سقوطه .
كان المقعد المهيأ للعازف الباكستاني أشرف خان مربعا ً وصغيرا ً ... تضايق الرجل لكنه جلس على كل حال مما دفع نصير الذكي في هذه المواقف إلى القول : ( تعمدنا أن نحضر مقعدا ً صغيرا ً لكي نربيه على يدينا !!! ) ... والجملة شائعة على ألسنة العراقيين حين يعتذرون بمرح وخفة دم عن الأشياء التي تكون أصغر مما ينبغي .
قبل أن تحضر حفلا ً كهذا ... تحتاج إلى شيئين قبل حاجتك لأذنيك !!! ... هما :
الإلتزام بالموعد أولا ً ... و إحترام السكون ، أو الصمت ثانيا ً ... أو لا تذهب !!!.
لا أعتقد أن من يتأخر عن حفل موسيقي ويدخل القاعة ... ومن يغتال الصمت بين النغمات بحركته .. يستطيع أن يفهم المعزوفة التي تتحدث عن مناجاة روحين تحبان بعضهما ، في معزوفة رحلة الأرواح التي إستوحاها نصير من كتاب (ميشيل نيوتن )... والتي جسدها في حوار منفرد بينه عازفا على العود وبين الفنان الباكساتاني أشرف خان على السيتار و كأنهما عاشقان يتناجيان في ظل القمر .
ولا يستطيع أن يرحل مع قوافل الحرير وهي تضرب الفلوات ، إلى أسواق الدنيا ، والممالك القصية ، في مقام النهاوند ... بما فيها من تفصيل بارع لكل الأسرار التي تخبؤها القافلة ... وكأنك تشارك النخاسين بيعهم الجواري في الأسواق ، وتنتقل معهن الى قصور الملوك لتشاهد رقصهن وغنائهن !!! ... ولن ينتبهوا بالتأكيد لصليل السيوف وجري الخيل وغبار المعارك ورفرفة الرايات في معزوفة الحنين الى قرطبة !!! .
لم يفهموا من نصير إلا ( مروا عليه الحلوين ) ... و ( يا مال الشام بالله يا مالي ) .
عزل نصير بين تحيته الربيع العربي في تونس ، ومصر ، واليمن ، وليبيا ... عن تحيته الخاصة لسوريا وما يجري فيها !!! ... لقد كان كبيرا ً ، واعيا ً ، وحكيما ً في كل شيء .
لك الله يا نصير ... أنت تحفر في الوعي العربي مرتين .
يتعبك الوعي الذي لا يلين ... ويتعبك الإزميل الذي لا يستجيب .
ليتنا نفهم الصمت ما بين النغمات ... أو نترك نصير ونكتفي ببوس الواوا !!! .
الدكتور حكيم العبادي
https://www.facebook.com/hakim.alabadi








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس


.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد




.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد