الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في بلد العُميان

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)

2014 / 1 / 18
كتابات ساخرة


جميلةٌ جداً قصة بلد العُميان للكاتب البريطاني هـ.ج. ويلز..فالقصة كُتبت في عام 1904 م مما يعني أن الفارق بيننا و بينها 100 عام كاملة و مع ذلك أجدها قصة عبقرية لأنها متجددة و لأن البشر يكررون أنفسهم بإصرارٍ غريب.

القصة يكمن جمالها لدي في أن بطلها كان يقاتل أولاً من أجل الحصول على نقطة تفوق على العميان في أرضهم كونه المُبصر الوحيد بينهم..فالأعور في بلد العميان ملك..و لكنه مع الوقت بدأ يُقاتل بكل عنف من أجل أن يثبت أنه ليس بالأعمى..فأصبحت فكرة التفوق ترف لا يفكر بالدفاع عنه بل أصبحت هناك فكرة أكثر إلحاحاً للدفاع عنها و هي فكرة البصر أو أن يؤمن الآخرون بأن هناك مفهوم يُدعى "الاختلاف".

إنه إذاً صراعٌ إيماني أكثر منه صراعاً فكرياً..و لصعوبة هذا الأمر -أي التمسك بالإيمان في ظل الإجماع على عكسه- تهتز قناعات الشخصية المحورية في القصة ليقترب من أن يصبح كالآخرين شخصيةً هامشية..شخصيةً قد ترتضي العمى لعوامل كثيرة خارجية فُرضت عليها و لكنها أيضاً ترفض أن تقاومها..فتستسلم لعمى الخيال الفكر و الروح كما تستسلم لفكرة أن الخارج عن الجماعة يجب أن يُسحق أو على أقل تقدير يجب أن يفقد عيناه.

على أية حال لدينا بلد يشبه بلد العُميان كثيراً و شعب يشبهه أكثر..هكذا لن يشعر من هم مثلي على الأقل بالحسرة لأنهم يقرأون روايات تعتبر من الأدب العالمي و لكنهم لم يعيشوا أجواءها بعد..فنحن نعيش أجواءها جداً و لعلنا نعيشها بإخلاص أكثر من سكان أرض العُميان.

فهنا -أي في يمنِنا التعيس- العُميان كُثر..و من الممكن جداً أن تُسحق بهم و بإيمانهم المُطلق بعدم وجود مفهوم يخالف ما تعودوا عليه لمئات السنين..مفهوم أن تكون كالجماعة فلا تخالفها..فالعُميان هنا يرفضون مجرد القبول لفكرة الاختلاف أو حتى أن هناك من يتمكن من الرؤية و ترجمة ما يراه لأفكارٍ مختلفةٍ عن ما هو سائد لديهم..فحينها سيكون العمى -الذي يؤمنون به كحقيقةٍ مُطلقة- مُشكوكٌ بأمره و لو قليلاً..فكيف ستكون حياتهم دون ذلك الإيمان المُطلق؟؟.

هل نحتاج حقاً لأن نتماهى مع العمى لكي نصمد و نحيا؟؟..أليست فكرة أن تستيقظ فتجد أنك تتكرر طوال اليوم فكرةٌ جدُ مرعبة؟؟..أن ترى نفسك تتكرر في كل من هم حولك فلا تدرك كيف هم و كيف هو أنت!!..أن تحيا و أنت لا تدرك -و هو الأهم- معنى أن "تشعر" بأنك قطعةٌ متفردة من روح الرب لم يفتقد حينها للخيال عندما نفخ فيها من روحه.

مجنون..هكذا كان نونيز في أرض العُميان و هكذا سيكون أي شخص "يستوطن" اليمن و يحاول أن يخرج عن طوع قطيعٍ إمتهن تقبيل الأحذية..أعمى مجنون قابضٌ على جمرة البصر..يُقتل يتم تسفيهه يتم إقصاؤه و كل هذا النعيم و أكثر..و لكنه أبداً لن يوصف بكلمة "مواطن"..فهي أرضٌ خُلقت للعُميان و لا مكان للمُبصرين فيها..فإن أردت البقاء فيها عاشقاً لها فيجب عليك أن تفقأ عيناك أولاً..و لكنك لو كنت قد أبصرت يوماً فلن تضحي بعينيك و لو من أجل مواطنةٍ في أرض العُميان التي تعتقد أنك تعشقها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضحية جديدة لحرب التجويع في غزة.. استشهاد الطفل -عزام الشاعر-


.. الناقد الفني أسامة ألفا: العلاقات بين النجوم والمشاهير قد تف




.. الناقد الفني أسامة ألفا يفسر وجود الشائعات حول علاقة بيلنغها


.. الناقد الفني أسامة ألفا: السوشيال ميديا أظهرت نوع جديد من ال




.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي