الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على عتبة مؤتمر جنيف 2

بدر الدين شنن

2014 / 1 / 18
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


تحاول المصادر السياسية والإعلامية الدولية ، أن تضع الرأي العام ، أمام استحقاق عقد مؤتمر جنيف 2 ، بموعده ، وأطرافه ، ومدعوويه ، ومضمونه ، كحقيقة لابد أن تحدث في موعدها في 22 الجاري ، وليس هناك سوى عقبة وحيدة ، هي عدم وحدة المعارضة السورية ، المتفرقة ، المتعددة المرجعيات ، وتحاول أن تشي أيضاً ، أن هذه المعارضة إن حضرت المؤتمر ، موحدة ، تحت عباءة " الإئتلاف الوطني " سوف تسهل حل الكثير من المسائل .

وهي أي المصادر ، تحاول حقيقة ، أن تغطي على الأسباب الحقيقية لتعثر انعقاد المؤتمر . ويأتي في مقدمتها ، أن منظومة المعارضة ( الدولية ، والإقليمية ، والمعارضة السياسية والمسلحة " السورية " ) لم تتمكن من أن تفرض على النظام ، بالسلاح والتلويح بالحرب ، الدخول في مفاوضات تؤدي إلى أن يسلمها السلطة ، وأن قوى هذه المنظومة " السورية " منها ، ليست واثقة من فوزها ، حسب مقترح النظام ، في أي انتخابات لحسم الخلاف والصراع بينها وبين النظام . ولذا ، فإن المنظومة مجمعة ، على تحقيق مكاسب سياسية ، قبل الدخول في عملية التفاوض أو الحوار . أي أن يضمن المؤتمر فوزها ، مسبقاً ، في أية انتخابات قادمة ، وأن تتسلم ، قبل أي تفاوض أو حوار ، نسخة من مفاتيح السلطة .

وقد أكد " أحمد الجربا " بعد انفضاض مؤتمر باريس الأخير ، أن أصدقاء سوريا قرروا ، أن المفاوضات المقبلة في سويسرا ، سيكون مؤداها ، أنه لم يعد لبشار الأسد وعائلته أي دور في مستقبل سوريا ، وذلك دون أي التباس أو غموض . كما رفضت " هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي " حضور مؤتمر جنيف 2 ، لأن روسيا لم تضغط بما يكفي على النظام السوري ، ليستجيب لطلبات المعارضة .

يتزامن ، ويتوازى ، مع هذه الخلفية الواقع الميداني في المشهد الداخلي ، الذي يقدم معطيات متواترة عن سير العمليات العسكرية الميدانية ، تدل على أن قوى " المنظومة المعارضة " في حالة تقهقهر أمام القوات المسلحة الحكومية . لاسيما ، في المناطق التي ظلت فترة طولة تحت سيطرتها . يضاف إلى ذلك معطيات أخرى ، عن تفكيك قسري وطوعي ، وإعادة تشكيل ، الجماعات المسلحة ، وعن صراعات دامية فيما بينها ، تجاوزت خسائرها حسب المعلومات الأخيرة الألف قتيل . ما أدى إلى إضعافها عسكرياً ومعنوياً .
وإذا استمر هذا التردي وتوسع وكبرت خسائره ، في الأيام القليلة الجارية ، فإنه سيضع " المنظومة المعارضة " في موقف حرج وضعيف جداً ، قد يبدل موقفها ، من معوق لانعقاد المؤتمر زمنياً إلى مقاطعته عملياً ، والتمترس في موقف اللا حوار . وفي حال قبولها المشروط بوقف إطلاق النار، فإنه يعني محاولة منها لوقف تداعيات التردي ، ولكسب الوقت للدخول في مرحلة تحسين أوضاعها ، وأوراقها .

إن التمسك بهكذا مسار لحل الأزمة السورية ، يعني أن قوى " المنظومة المعارضة " مازالت متمسكة بثوابت موقفها من الأزمة ، وهي إسقاط النظام ، والعبث بالجغرافيا السياسية السورية ، وهي غير مبالية بكل ما حدث ، ويحدث ، وما سيحدث ، من دمار وآلام للشعب السوري .

بيد أن التعثر في عقد المؤتمر ، لايقتصر فقط على ما ذكر من أسباب وحسب ، وإنما هناك سبب لايقل أهمية .. بل هو أكثر أهمية ، ألا وهو الخوف من غياب الشعب عن هذا المؤتمر ..
ولو أن الشعب كان حاضراً .. ومصالح الشعب كانت سيدة الحوار وأولوياته ، لما كان هناك تعثراً وتردداً في الاستجابة لدعوة المؤتمر ، ولما كان السوريون ، أصلاً ، بحاجة إلى واسطة دولية تجمعهم في بلد آخر غير بلدهم ، وإنما كانت الأمور سارت في منحى آخر ، تبدأ بوقف الحرب ، وترحيل المسلحين الأجانب ، والتوسط داخلياً لتشكيل لجان أمان ، تشرف على وقف إطلاق النار، وعلى لجم التعديات العشوائية على المواطنين ، والأخذ بيد المتضررين في المناطق المنكوبة ، وفي مناطق الإيواء ، والمخيمات ، تمهيداً بناء الثقة ، التي تفتح الطريق للحلول الشعبية .. الوطنية المشرفة .

لكن الشعب وإن لم يحضر من خلال ممثلين حاصلين على تفويض مجمع عليه ، فإنه سيحضر ، من خلال مشروعية وقداسة حقوقه .. ومن خلال هالة الرهبة التي تحيط بأرواح الضحايا ، التي تساقطت ظلماً ، لأنها كانت بمحض صدفة تاريخية ، ولدت ، وعاشت في سوريا ، وعايشت الحرب القذرة التي فجرت كل ما هو قيمي نبيل وجميل في سوريا . وكذلك سيحضر ، من خلال رعود الجدران والأسقف المنهارة على الأرض بفعل الإجرام الحربي المتوحش .. ومن خلال أنين بؤس وآلام المهجرين ، الذين جرفهم رعب الحرب ، وخداع تجار الحرب .. ومن خلال صرخات واحتجاجات الباحثين عن الرغيف لإطعام أطفالهم تحت إطلاق النار ، وعن لحظات أمان وسط العبوات الناسفة ، والسيارات المفخخة ، والصواريخ المدمرة .. ومن خلال شرارات الغضب الصادر عن أضرحة شهداء الاستقلال ، احتجاجاً على التفريط اللئيم والغبي ، بما دفعوا ثمنه من حيواتهم ودمائهم .

كل ذلك سيكون حاضراً .. ومحلقاً .. فوق طاولة الحوار العلني ، وفي جلسات الحوار السري في الغرف المغلقة ، أو بالواسطة . وسيكون رقيباً صارماً ، على من يؤثر الخضوع لإملاءات ومصالح الغرباء على حقوقه ومصالحه ، وسيحفظ لحظاتهم المشينة ليوم الحساب الشعبي والتارخي ، الذي لن يتمكنوا من الإفلات منه .

ولذلك ’يكثر " اللاعبون الكبار " من الحركة شرقاً وغرباً . ويعقدون المؤتمرات واللقاءات ، لملء فراغ غياب الشعب ، وذلك بتكثيف " الحشد المعارض " وتنوعه ، وتوحده ، قدر الإمكان . وطرح اتخاذ خطوات ، مثل وقف إطلاق النارفي بعض المواقع ، وتبادل المعتقلين ، وتمرير المواد الغذائية إلى الأماكن المحاصرة .
غير أن مثل هذه التحركات لن تعوض غياب الشعب ، وإنما تعبر عن التخبط في التوفيق ، بين الأمان والإرهاب ، وبين الحرية وعبودية الهيمنة الأجنبية أو الخضوع للشمولية المفوتة ، بين السيادة الوطنية ولعبة إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط ، بين المتغيرات الدولية لصمان استقرار الاقتصاد الرأسمالي العالمي وتقاسم النفوذ والقطبية الدولية وبين المتغيرات الداخلية ، التي يعبث يها دعاة تمزيق الوطن الواحد .. والشعب الواحد .

وفي التعاطي مع اللحظة السورية ، تعمل قوى سياسية وإعلامية تشعر بمسؤوليتها التاريخية والأخلاقية ، على إجراء تحول أعمق ، من قبل أصدقاء سوريا الحقيقيين ، في البحث عن مخرج مبدئي ومسؤول أكثر للأزمة السورية . مخرج يستند إلى مبدأ ، أن أول المشاركين فيه هو الشعب . بمعنى وضع أسس تحرر الأطراف في العملية الحوارية من أية خلفية أجنبية تستثمر ظروف الأزمة السورية لتمرير مصالحها الإقليمية والدولية ، والكف عن الجري إلى العواصم الأجنبية لاتخاذ هذا الموقف أو ذاك ، وتلزم هذه الأطراف بالقيم والمصداقية الوطنية ، وبحرية وكرامة ورغيف الشعب ، وبحيث تكون أولويات حل الأزمة ، تتمثل بوقف الحرب ، وتحرير سوريا من الإرهاب ، وعودة المهجرين إلى مدنهم وبيوتهم آمنين مكرمين والتعويض لهم عما أصابهم من أضرار مادية ، والالتزام ببناء عهد جديد يوفرللشعب الحرية والكرامة والأمان ، ومحاسبة الذين أدموا جسده وروحه ووطنه ، من دول الجوار ، والأشقاء ، وأبناء البلد .

وإذا كان لايوجد إجماع ، لأسباب مختلفة ، مع عقد مؤتمر للحوار في سويسرا أو غيرها ، للوصول إلى عقد " صفقة سياسية " محلية ، تعكس الصفقة الدولية ، التي تتضمن اعتراف وقبول أطراف الصراع بعضهم ببعض ، وتقاسم السلطة والمصالح ، بعد إنكار وتخوين واحتراب دام ثلاث سنوات من الجحيم .. غير أنه يوجد إجماع ، على أن الشعب يريد الحرية لكنه لايريد الدمار والموت .. يريد حلاً سياسياً يرتقي به إلى الأفضل لكنه لايريد حلاً يرجعه قروناً إلى وراء .. يريد عدالة اجتماعية وديمقراطية على كل الصعد والمستويات لكنه لايريد اقتصاد السوق الليبرالية وانحدار المزيد من ملايين المواطنين تحت خط الفقر .

هل سيعقد مؤتمر جنيف 2 في موعده المحدد ؟ .. هل سيحضره كل المدعويين .. لاسيما المعارضة السورية ؟ .. هل سيفشل المؤتمر أم ينجح ، في لم شمل الطبقة السياسية السورية .. وتقاسم السلطة ؟ .. أم سيؤجل ، بعد إلقاء الكلمات الاستعراضية إلى موعد آخر .. لجنيف آخر في مكان آخر يحمل رقم 3 .. لاتاحة الفرصة لإعادة الحسابات وتعديل موازين القوى ؟ ..
الجواب هو عند الشعب السوري .. إن لم يكن اليوم فغداً ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدعو سوريا -لاستغلال الهدوء- للتقارب مع المعارضة والتح


.. VODCAST الميادين | حمة الهمامي - الأمين العام لحزب العمال ال




.. غريتا ثونبرغ تنضم إلى آلاف المتظاهرين لأجل المناخ في هلسنكي


.. نيران تأتي على البرلمان الكيني إثر اقتحامه من آلاف المحتجين




.. ماكرون: -برنامج اليمين واليسار سيؤديان الى حرب أهلية في فرنس