الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مواجهة مصر لعصرها

اسماعيل شاكر الرفاعي

2014 / 1 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


اذا ما استثنينا مصر ، فأن الفترة القومية ( 1952 ــ 2011 ) لم تخلف وراءها لا في سوريا ولا في العراق ولا في اليمن ولا في السودان ولا في ليبيا مؤسسة واحدة حديثة . نجحت مصر ــ من حيث فشلت هذه الدول جميعاً ــ في بناء مؤسسة واحدة حديثة ذات تقاليد عريقة هي المؤسسة العسكرية . وعراقة هذه المؤسسة نابعة من شيئين : 1ــ من كوتها أقدم مؤسسة عسكرية اذ ترجع بدايات تأسيسها الى الثلث الاول من القرن التاسع عشر حين نظّم محمد علي باشا مذبحة الانكشارية ( العمود الفقري للجيش المصري ) كاعلان عن موت مؤسسة قديمة وولادة أخرى حديثة محلها : من حيث اسلحتها وتشكيلاتها وخططها التعبوية واللوجستية ، 2ــ من ثقة الشعب فيها ، ومن اجماع الاكثرية فيه على انها مؤسسة وطنية فالتف حولها من حركة عرابي في 1882 وحتى حركة الراحل جمال عبد الناصر في 1952 ...وكان السبب الاساس في فشل الاقطار العربية في بناء مؤسسات دولة ذات ديمومة لا تنتهي بنهاية حكم الزعيم ، راجع الى كونها تعمل من اجل هدف واحد يتمثل بحماية النظام السياسي الذي أقامه الزعيم . نجحت الامة المصرية بالاطاحة بحكم الزعامة المستند الى العسكر في 2011 ، لكن هذه الاطاحة لم تر النور من غير موقف الجيش الذي اثبت فيه مسؤولية وطنية عالية ، اذ اشرف مجلسه العسكري على فترة انتقالية انتهت بانتخابات جاءت بمرسي رئيساً للبلاد . ولم تنجح حركة التغيير في 30 حزيران لولا مساندة الجيش . مرة أخرى حافظت المؤسسة العسكرية على ان تكون رافعة الوحدة الوطنية من حيث فشلت باقي الدول العربية في الحفاظ على بقاء المؤسسة العسكرية في ولاء ثابت الى تقاليدها الوطنية ولم يتوزع ولائها على طوائف وعشائر وجهات البلاد ... الملفت للنظر في تاريخ مصر الحديث ان مجتمعها نجح من حيث فشلت المجتمعات العربية الاخرى في مراكمة تقاليد ثقافية تحولت الى حركة فكرية مؤثرة ، استطاعت ان تعمل كتيار لا كحزب ضيق الافق ، وهذا ما برز بوضوح في عمل لجنة الخمسين التي كتبت الدستور المصري الجديد وتم الاستفتاء عليه في نهاية الاسبوع الفائت . أما الاخوان فقد ارادوا بما اتخذوه من قرارات وتشريعات خلال السنة اليتيمة التي حكموا فيها الى تمهيد الارض لاسلمة الدولة والعمل على قضمها التدريجي وتحويلها بالتالي الى مطية لبرنامجهم السري والمعلن . وهنا برز دور الثقافة كوجه من وجوه المقاومة لبرنامج الاخوان لقد وضع الاخوان انفسهم بمواجهة الشعب والمؤسسة العسكرية اللذان لا يريدان لدولتهم ان تنزلق مجدداً في تجربة الحزب الواحد . فخطأ الاخوان هو خطأ سابق لتجربة استلام الحكم . لقد جاء الاخوان في زمان غير زمانهم : زمان الثورة الشعبية والتغيير الذي قاده مدنيون ينتمون لأكثر من حزب ومن تيار . ولكن الاخوان جاؤوا الى الحكم بطريقة ( طريقة الانتخابات ) وهي طريقة لا تتناسب قط مع الفكر المطلق الكامن في شعار : الاسلام هو الحل . ان طريقة الانتخابات تنطلق من مفهوم نسبية الحقيقة لا احتكارها ، فاضطر ذلك الاخوان الى الدخول بصراع مكشوف مع مؤسسة القضاء اولاً ، مما منح الثقافة والاعلام ( حوارها المباشر مع الجماهير ) دور المقاوم لتوجهات البرامج الحزبية المنكفئة على ذاتها ، وهو دور منسجم مع اللحظة القائمة التي شاعت فيها مفاهيم التعددية ودورية الانتخابات واستقلال القضاء . لقد صوت الشعب المصري على دستور دولة مدنية حوى بنوداً واضحة وصريحة في كفالة التعددية والحريات ومنها حرية الضمير ، ولكنه ضم الى جانب ذلك بنوداً تعترف في الوقت نفسه بدور المؤسسة العسكرية . والى الوقت الذي ستتوضح فيه معالم الامور بعد انتخابات الرئاسة يمكن لنا الحديث عن دور المؤسسات الاخرى : ما اذا كانت لها شخصيتها القانونية وتتمتع في آليات عملها باستقلال عن اهواء الزعيم ومصالحه السياسية الضيقة ، وتستطيع اتخاذ قراراتها بعيداً عن هيمنة المؤسسة العسكرية ، وانها ستسهم فعلاً في اخراج مصر من دائرة التخلف الى دائرة المجتمعات المتقدمة ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة ايريك سيوتي عضو اليمين الفائز بمقعد البرلمان عن نيس|#عا


.. قراءة عسكرية.. محور نتساريم بين دعم عمليات الاحتلال و تحوله




.. تفعيل المادة 25 قد يعزل بايدن.. وترمب لا يفضل استخدامها ضد خ


.. حملة بايدن تتعرض لضغوطات بعد استقالة مذيعة لاعتمادها أسئلة م




.. البيت الأبيض: المستوطنات الإسرائيلية تقوض عملية السلام والاس